CGTN العربية/
في الـ6 من الشهر الجاري بالتوقيت المحلي في الولايات المتحدة، تصاعدت الاحتجاجات والمظاهرات التي نجمت عن مقتل الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد على يد شرطي بشكل عنيف مرة أخرى، وتشهد العديد من المدن الأمريكية الكبرى، بما فيها واشنطن العاصمة، احتجاجات شارك فيها عشرات الآلاف من المحتجين للتعبير عن رفضهم للمشاكل الطويلة الأمد في تنفيذ القانون بشكل عنيف والتمييز العنصري في المجتمع الأمريكي.
توجهت عمدة واشنطن العاصمة، موريل بوزر، إلى المتظاهرين في ذلك اليوم، وقالت: “يجب علينا جميعا الانتباه إلى تطور الحوادث في واشنطن، لأننا لا نريد أن تعامل الحكومة الفيدرالية الأمريكيين الآخرين بنفس الطريقة.” قبل ذلك، كانت بوزر قد وافقت على رسم عبارة في الطريق المؤدي للبيت الأبيض كتب عليها “حياة السود مهمة” بالخط الأصفر البارز، كما تم إعادة إطلاق عبارة ساحة “حياة السود مهمة” على ساحة قريبة من البيت الأبيض.
ومع اتساع رقعة الاحتجاجات في الولايات المتحدة، أطلقت نصف ولاياتها قوات الحرس الوطني. وفقا للبيانات ذات الصلة، ولغاية 2 يونيو قامت الولايات المتحدة بنشر 66700 جندي من قوات الحرس الوطني والقوات الجوية، لتصل إلى أعلى مستوى في التاريخ، وكان العدد الإجمالي قد بلغ نفس عدد القوات الحالية في العراق وسوريا وأفغانستان على وجه التقريب.
في الوقت نفسه، أدت الاحتجاجات أيضا إلى عدد كبير من حوادث النزاعات والعنف بين الشرطة والمدنيين، حتى استخدمت الشرطة الهراوات والغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل والرصاص المطاطي على المتظاهرين. في الأسبوع الماضي، قتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص في المظاهرات، وتم اعتقال آلاف الأشخاص، بما في ذلك حوالي 1200 شخص في نيويورك وأكثر من 2000 شخص في لوس أنجلوس؛ كما وقعت 124حادثة تعرض فيها الصفحيون الذين شاركوا في التغطية للضرب والاعتقال.
ومع ذلك، انضم المزيد من الناس إلى الحشود والمظاهرات، حيث يبذل الجميع جهدهم من أجل شيء واحد: ضد التميز العنصري وأن الحياة مهمة بنفس القدر.
الظلم الاجتماعي وراء الاحتجاجات
الغضب والتوجه العام على نطاق العالم هذه المرة يهدف إلى الاحتجاج على حادثة مقتل “جورج فلويد ” الناجمة عن عنف الشرطة، علاوة على ذلك، فإن ذلك هو تفشي مركزي لنار التناقضات الاجتماعية التي صب الزيت عليها منذ انتشار فيروس كورونا الجديد على الأراضي الأمريكية. حيث إنه يجب ألا يكون لهجوم الفيروسات أي تمييز بين الأعراق، ولكن بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن الهجوم يحمل اختلافات عنصرية واضحة.
وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن معهد الأبحاث الأمريكي (أي بي أم): فخلال فترة تفشي وباء كورونا، من بين مائة ألف أمريكي من أصول إفريقية توفي أكثر من 50 شخص بسبب عدوى الفيروس، أما بالنسبة إلى الأمريكيين البيض، فإن متوسط عدد الوفيات بينهم يبلغ 20 شخصا فقط، وهو أقل من نصف الأمريكيين من أصول إفريقية. نقلت جريدة “أمريكا اليوم” عن العديد من التحقيقات والدراسات وأظهرت أن 60% من الأمريكيين من أصول إفريقية يرون أنه خلال الوباء، لم يكن يمكنهم الحصول على العلاج الكامل في المستشفيات مثل الأمريكيين من ذوي البشرة البيضاء؛ و64% من الأمريكيين من أصول إفريقية كانوا قلقين من أن فرص فحص الأحماض النووية لفيروس كورونا الجديد أقل من الأمريكيين البيض؛ و58% من الأمريكيين من أصول إفريقية لا يصدقون أن الشرطة ستنفذ أوامر العزل الاجتماعي بشكل عادل ومتساو.
لا تنعكس الاختلافات العنصرية في بيانات “الوباء” نفسه فقط. فوفقا لأحدث تقرير أجراه مركز “بيو” الأمريكي للأبحاث، إن الأثر الاقتصادي أتى به الوباء واضح بشكل خاص للأمريكيين من أصول إفريقية وأسبانية، وهناك اختلافات ملحوظة متمثلة في خسائر الأعمال وتخفيض الرواتب وأموال احتياطي الطوارئ وغيرها. وكشف المسح أن ما يقرب من ثلاثة أرباع البالغين من أصول إفريقية وأسبانية ليس لديهم أموال احتياطية للطوارئ لدفع فواتيرهم. بالإضافة إلى ذلك، في جميع أنحاء الولايات المتحدة، كانت معدلات البطالة بين الأمريكيين من أصول إفريقية ولاتينية في أبريل 16.7% و18.9% على التوالي وكان معدل البطالة بين الأمريكيين من ذوي البشرة البيضاء 14.2%.
لذلك، تعرض الأمريكيون من أصول إفريقية لضغوط هائلة خلال الأشهر الثلاثة منذ تفشي الوباء وفقا للبيانات، وأصبحت حادثة وفاة فلويد أيضا فتيلا لمشاعر الغضب التي تم تراكمت للتعبير عن ذلك بشدة.
فيروس “التمييز العنصري”
يظل التمييز العنصري يرافق تاريخ التطور الأمريكي، حيث يلعب لون البشرة دورا حاسما في تحديد مصير الأمريكيين. تسببت البنية السياسية والإيديولوجية المتمثلة في “تفوق البيض”، في التمييز الشامل للأقليات العرقية في مختلف المجالات مثل السياسة والاقتصاد والثقافة والحياة الاجتماعية وغيرها. وفقا لتحقيقات أجرتها مجموعة مورننجتون الاستشارية، يعتقد 58% من الجمهور أن العنصرية هي واحدة من أكبر المشاكل في الولايات المتحدة في الوقت الراهن.
عندما تم الحديث عن التمييز العنصري وعدم المساواة في الولايات المتحدة، قال أندريا جينكينز، نائب رئيس مجلس مدينة مينيابوليس: “لن نتمكن من حل هذه المشكلة أبدا ما لم نتعامل بجد مع هذا “الفيروس” الذي أصاب الولايات المتحدة به لمدة 400 عام.”
لكن لسوء الحظ، لا ترغب الصحافة الأمريكية التي يحتل فيها الأمريكيون من ذوي البشرة البيضاء مقاعد الأغلبية في البحث في هذه القضية بشكل عميق. في 3 يونيو، نشر موقع “وورلد بوليتكس ريفيو” الأمريكية مقالة بعنوان “الولايات المتحدة متورطة في الأزمة لأنها غير مستعدة لمواجهة الانفصالات العرقية الخطيرة الخاصة بها”، وجاء فيها: إن الولايات المتحدة مبنية على الظلم العنصري، ولم تقض على هذا الظلم أبدا
وتشير المقالة إلى أن سلسلة من الأحداث الأخيرة وقعت في الولايات المتحدة هي واقعا أزمة في عدم المساواة المستمرة في الدخل والثروة والصحة ومتوسط الأعمار والفرص والتمثيل ومعدل الإصابة بالأمراض ومعدل الوفيات في الوباء مؤخرا، وكلها ترتبط ارتباطا وثيقا بالعرق.
لطالما ادعت الولايات المتحدة أنها ناطقة باسم الحرية والديمقراطية، وتظهر حادثة مقتل فلويد للعالم مرة أخرى أن الأمر ليس كذلك. حيث وجد الناس أن العديد من المشاكل المتأصلة مثل عدم المساواة والظلم ما زالت بعيدة عن الحل. فعلى مدى مئات السنين، تتفاقم باستمرار التمزقات العميقة بين الأعراق حول المشاكل الأساسية مثل الاقتصاد والصحة وغيرها.