شبكة طريق الحرير الصيني الاخبارية/
بداية من الاعتراف السياسي بالحكومة الجزائرية نحو التطابق في الموافق الدولية بين الدولتين
بقلم: د. عبد الكريم بن خالد
وقفت الصين منذ البداية بجانب الجزائر بشأن مساندة الثورة التحريرية والاعتراف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية سنة 1954، هذا الاعتراف الذي عبر عليه فرحات عباس خلال زيارته إلى الصين في أكتوبر 1960 عندما وصف اعتراف الصين بالحكومة الجزائرية المؤقتة بأنه “اعتراف أضخم دولة تمثل ربع سكان العالم”، حيث أحدث الاعتراف اهتماما كبيرا في أوساط الدبلوماسية العالمية، وهذا التأييد ما جاء على لسان الرئيس ماو تسي تونغ قائلا: “إن ريح الشرق ستنتصر على ريح الغرب، وإني على يقينٍ أن إخواننا الجزائريين سيحصلون قريبا على حريتهم”.
وقد ذكر أحمد توفيق المدني في مذكراته “حياة كفاح” مشاركته مع الوفد الجزائري في زيارته إلى الصين في 26 سبتمبر1959 الذي وصل إلى بكين التي كانت تعج بالأفراح الشعبية لاستقبال هذه الوفود التي كان في انتظارها نائب وزير الخارجية إضافة إلى مساندة واعتراف الحكومة الصينية بالقضية. وكمثال على ذلك استنكر العمال الصينيون بكل قوة مناورات حكومة ديغول الفرنسية لتقسيم التراب الوطني الجزائري المشتمل على الصحراء ويؤيدون تأييدا تاما العمالَ والشعبَ الجزائري، كما أنهم مؤمنون بأن الجزائر ستنتصر بوحدتها الترابية، بالإضافة إلى أن الصحافة الصينية كانت تعطي اهتماما خاصاً لحرب التحرير الجزائرية حيث أن هذه الأخيرة تصادفت مع مضاعفة الضغوط والتهديدات للصين من المعسكر الرأسمالي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية .
وبعد الإعلان عن استقلال الجزائربعث كل من الرئيس الصيني “ليو شاو تشي” ورئيس مجلس الدولة الصيني “شوان لاي” برقيات إلى رئيس الوزراء الجزائري معربين عن أحر التهاني له بإعلان الجزائر عن استقلالها، كما بعث وزير الخارجية الصيني “تشن يي” إلى وزير الخارجية الجزائرية ببرقية أيضا ليعلمه بأن الحكومة الصينية قررت اعترافها بالجمهورية الجزائرية دولةً مستقلةَ. فمنذ استقلال الجزائر واصلت الصين تقديم معونات كثيرة ونزيهة للجزائر و المساهمة في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، حيث بادرت بإرسال البعثة الأولى من الفرق الطبية الصينية لمساعدة البلدان الأجنبية للعمل بالجزائر في أفريل1963.
كما لعبت سياسة الرئيس الراحل هواري بومدين الدبلوماسية دوراً كبيراً في إقامة وتطوير العلاقات الجزائرية مع العديد من دول العالم منها جمهورية الصين الشعبية، ففي سبتمبر سنة 1973 وبمناسبة مؤتمر دول عدم الانحياز استقبل هواري بومدين أكثر من سبعين من رؤساء الدول بحيث كان جمعا لم يسبق له مثيل في التاريخ من ذلك المستوى، وفي سنة 1974 ترأس هواري بومدين في مقر الأمم المتحدة الجمعية الاستثنائية التي انعقدت بطلب منه والتي كرست للعلاقات بين الدول المصنعة مثل الصين وتلك التي تعيل نفسها من خلال بيع مواردها الأولية، وعلى صعيد الصناعات الثقيلة قام بإنشاء مئات المصانع والتي كان خبراء من دول المحور الاشتراكي والصين يساهمون في بنائها حيث كانت العلاقات الجزائرية مع تلك الدول حسنة للغاية، وبالمقابل فإن الجزائر ودبلوماسيتها التي كان يقودها آنذاك وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة، لم تدخر جهدا من أجل مساعدة الصين على استعادة مكانتها المشروعة ضمن الأمم المتحدة 2، وقد بدأ هذا الموقف يتبلور في هذا الصدد على ضوء قرار مؤتمر بلغراد لدول عدم الانحياز عام 1971 والذي دعا الدول المعترفة بحكومة الصين الشعبية إلى تأييد تمثيلها في الأمم المتحدة وفي اجتماع الدورة السادسة والعشرين للجمعية العامة من نفس السنة حيث شاركت الجزائر في مشروع القرار الذي قدم لاستعادة الحقوق الشرعية للصين الشعبية في الأمم المتحدة، حيث استعادت عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الأممي.
كما نجد أنه يجمع الجزائر والصين تطابق في وجهات النظر حول جل المسائل الدولية تقريبا سواء ضمن مجموعة 77 + الصين أو في المحافل الدولية مجسدين بذالك العامل الإيديولوجي الذي يعتبر عاملا حاسما في العلاقات الصينية الجزائرية، إذ يعتبر دوره في ترسيخ هذه العلاقات أقدم من دور العامل الاقتصادي في حد ذاته، فهو يرجع الى ما يسمى المبادئ الخمس للتعايش السلمي، وهي المبادئ التي أعلنها الزعيم الصيني “شوان لاي” في 1954، ثم تم تبنيها على نطاق أوسع في مؤتمر عدم الانحياز في باندونغ 1955. أما في الفترة الراهنة فقد صرح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في كلمة ألقاها بحفل استقبال أقيم في جامعة بكين قائلا: “إن علاقاتنا التي شهدت تطورا متميزا خلال السنوات الأخيرة، تطورا ترجمته الشراكة الإستراتيجية التي سيأتي بفضلها منح هذه العلاقات المتانة والكثافة الجديرتين بصداقة شعبينا المثالية”، وأضاف بقوله: “إننا بتدشين هذه المرحلة الجديدة سنمكن العلاقات التي تربط بلدينا من تحقيق قفزة نوعية تتيح لها ترقية وشائج قوية تطبعها الثقة والدوام، وإن هذه الشراكة ستكتسي طابعا استراتيجيا من حيث اننا رسمنا لها معالم واضحة تعكس الوفاق السياسي السائد بين الجزائر والصين.
** د. عبد الكريم بن خالد – أستاذ بالجامعة الإفريقية بولاية أدرار الجزائر، عضو الفرع الجزائري للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين.