خاص بشبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
بقلم: عادل علي*
*إعلامي وباحث في الشؤون الصينية – جمهورية مصر العربية.
تحت شعار (شراكة بريكس من أجل الاستقرار العالمي والأمن المشترك والنمو الابتكاري)، استضافت روسيا يوم 17 نوفمبر الجاري، القمة الثانية عشرة (الافتراضية) لمجموعة البريكس للاقتصادات الناشئة، والتي تأسست رسميا في عام 2009، وتضم في عضويتها البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وهي تغطي مجتمعة 26 في المائة من مساحة كوكب الأرض، و42 في المائة من عدد سكان العالم، فضلاً عن 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهي إمكانيات تضع دول البريكس في وضع جيد للعب دور مهم في التنمية العالمية، وخصوصاً في الدول النامية، لاسيما وأن هذه الدول تتوزع على جميع المناطق الرئيسية في العالم النامي.
عُقدت القمة في ظل توقيت صعب للغاية، حيث تواجه دول البريكس – ومعها العالم أجمع – قضايا وتحديات شائكة، ألقت بتداعياتها على الأوضاع المحلية لهذه الدول، يأتي على رأسها تفاقم أزمة مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد – 19)، والذي ربما يكون قد أصاب واحدا من كل 10 أشخاص حول العالم، بحسب منظمة الصحة العالمية، وهو ما يعني أن 10 في المائة من سكان العالم ربما أصيبوا بالفيروس. وتشير تقديرات المنظمة إلى أن الرقم الحقيقي لمن أصيبوا بالمرض على مستوى العالم يقترب من 800 مليون شخص.
وبعد مرور ما يربو على أحد عشر شهرا، لم تُظهر الأزمة أي بوادر على الانتهاء. إذ تشهد العديد من البلدان موجات ثانية من الوباء بعد تخفيف القيود، كما أن بعضها يشهد ارتفاعا حادا في عدد الحالات. وتجاوز عدد حالات الإصابة حول العالم 55.6 مليون حالة، والوفيات 1.34 مليون شخص، حتى العشرين من نوفمبر الجاري.
ويتضح الأمر أكثر بالنظر إلى الوضع في دول البريكس، فعلى الرغم من نجاح الصين في التغلب على جائحة كورونا ووصولها إلى “صفر” إصابات، إلا أن دول البريكس الأخرى مازالت تعاني من انتشار المرض بين مواطنيها، وهناك ثلاثة من هذه الدول (الهند، البرازيل، روسيا) من بين البلدان العشر الأكثر تضررا من الجائحة عالميا. فحتى العشرين من نوفمبر الجاري، تجاوز إجمالي عدد الحالات في الهند 9 مليون شخص، ووفاة ما يزيد على 132 ألف شخص، وفي البرازيل بلغ عدد الحالات نحو 5.98 مليون شخص، ووفاة ما يزيد على 168 ألف شخص، وفي روسيا تجاوز إجمالي عدد الحالات 2 مليون شخص، ووفاة ما يزيد على 35 ألف شخص. وفي جنوب أفريقيا تجاوز إجمالي عدد الحالات نحو 760 ألف شخص، ووفاة ما يزيد على 20 ألف شخص. وهو ما يشكل تحديا كبيرا للأنظمة الصحية والاجتماعية والقطاع المالي والتنمية ورفاهية الفئات الأشد ضعفا في مجتمعات دول البريكس.
وبجانب التحدي الذي تفرضه أزمة كورونا المستجد، ثمة تحديا من نوع آخر يواجه دول البريكس، متمثلا في تزايد الحمائية التجارية والأحادية للولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، وفقا لمبدأ “أمريكا أولاً”، إلى جانب الحرب التجارية ضد الصين. وثمة حالة من عدم اليقين التي تشوب مستقبل الاقتصاد العالمي، ولاسيما لجهة توقعات النمو العالمي، حيث خفّض صندوق النقد الدولي في يونيو الماضي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى سالب 4.9% في عام 2020، بإنخفاض قدره 1.9 نقطة مئوية من توقعاته في أبريل من ذات العام. ومن المتوقع أن تتجاوز الخسائر التراكمية لجائحة فيروس كورونا المستجد والأزمة الصحية والمالية الناتجة عنها في عامي 2020 و2021 نحو 12.5 تريليون دولار أمريكي، حسبما صرحت بذلك جيتا جوبيناث كبيرة الاقتصاديين بالصندوق، لافتة إلى أن العديد من البلدان تواجه أزمة متعددة الجهات، تشمل أزمة صحية وإضطرابات اقتصادية محلية وتراجع الطلب الخارجي وإنعكاسات تدفق رأس المال وانهيار أسعار السلع.
لقد نجحت دول البريكس على مدى السنوات التي مضت منذ إنشاء هذه الآلية، في تحقيق إنجازات عديدة، فرفعت تصنيفاتها في الاقتصاد العالمي، فطبقا لأرقام عام 2019، جاء الاقتصاد الصيني في المرتبة الثانية عالميا، بإجمالي ناتج محلي بلغت قيمته 99.09 تريليون يوان (حوالي 14.38 تريليون دولار أمريكي)، وجاء الاقتصاد الهندي في المرتبة الخامسة عالميا بإجمالي ناتج محلي بلغت قيمته 2.94 تريليون دولار أمريكي، أما الاقتصاد البرازيلي فقد احتل المرتبة التاسعة عالميا بإجمالي ناتج محلي بلغت قيمته 1.85 تريليون دولار أمريكي، وجاء الاقتصاد الروسي في المرتبة الحادية عشرة عالميا بإجمالي ناتج محلي بلغت قيمته 1.64 تريليون دولار أمريكي، في حين جاءت جنوب أفريقيا في المرتبة التاسعة عشرة عالميا اقتصاديا بناتج محلي إجمالي بلغت قيمته 358.8 مليار دولار أمريكي.
ومنذ إنشاء البريكس في عام 2009، عززت الدول الخمس مشاركتها في الاقتصاد العالمي. مدفوعة من الصين والهند، بلغ إجمالي الناتج المحلي لبلدان البريكس 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (21 تريليون دولار أمريكي)، وبلغت حصة البريكس في التجارة الدولية حوالي 20٪ (6.7 تريليون دولار أمريكي) في عام 2020. على مدى السنوات الخمس الماضية، قامت دول البريكس بتوسيع نطاق التعاون الشامل فيما بينها، لاسيما في القطاعات الاقتصادية والتجارية. فقد نمت الصادرات بين دول البريكس بنسبة 45٪، وزادت حصة الصادرات البينية من إجمالي التجارة الدولية للبريكس من 7.7٪ إلى 10٪. كما نما الناتج المحلي الإجمالي للدول الخمس بشكل أسرع من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ومجموعة السبع بمتوسط سنوي بلغ 5.31٪ وفقا لصندوق النقد الدولي.
وحقق بنك التنمية الجديد لدول البريكس (الذراع المالي للمجموعة)، عددا من النجاحات وعزز مكانته كبنك تنمية متعدد الأطراف يركز على البنية التحتية المستدامة، فوافق على 65 مشروعا للبنية التحتية والتنمية المستدامة بقيمة 21 مليار دولار أمريكي في جميع الدول الأعضاء خلال السنوات الخمس الماضية. بدءا من التنمية الحضرية إلى الصرف الصحي للمياه، ومن الطاقة النظيفة إلى المدن الذكية، حسبما صرح رئيس البنك ماركوس ترويخو. كما قام البنك أيضا بتقديم ما يصل إلى 10 مليارات دولار أمريكي كمساعدات متعلقة بأزمة كورونا ومشاريع التعافي الاقتصادي من خلال برنامج الاستجابة الطارئة لجائحة كورونا في الدول الأعضاء.
وعلى الرغم من تقليل البعض من قدرة مجموعة البريكس على الاتفاق على أفكار رائدة والارتقاء إلى مستوى إمكاناتها كقائد عالمي، مستدلا على ذلك بعدم توصلها إلى توافق في الآراء بشأن التدابير العملية للإنتاج والتوزيع المشترك للقاحات (كوفيد – 19)، إلا أن قمة موسكو خرجت بنتائج مهمة بهذا الصدد، ولاسيما على الصعيد الاقتصادي والتجاري، ومواجهة تداعيات أزمة كورونا. حيث أعادت دول البريكس تأكيد التزامها بالتعددية ومبادئ الاحترام المتبادل والمساواة في السيادة والديمقراطية والشمول والتعاون المعزز. وتعهدت بمواصلة العمل من أجل تعزيز وإصلاح الحوكمة الدولية بحيث تكون أكثر شمولا وتمثيلا وديمقراطية، مع مشاركة هادفة وأكبر للدول النامية في صنع القرار الدولي، وأكثر انسجاما مع الحقائق المعاصرة. وأكدت ضرورة تعزيز التعاون الدولي بهدف تعزيز القدرات الفردية والجماعية للتصدي المشترك للتهديدات الناشئة في كافة أرجاء العالم، لاسيما جائحة (كوفيد – 19) وآثارها السلبية، على نحوٍ فعال وعملي ومنسق وعاجل. ورحبت باقتراح روسيا بإنشاء نظام إنذار مبكر متكامل لمجموعة البريكس للوقاية من مخاطر الأمراض المعدية الجماعية. ودعت الدول المانحة إلى الوفاء بالتزاماتها الخاصة بالمساعدة الإنمائية الرسمية، وتسهيل بناء القدرات ونقل التكنولوجيا إلى الدول النامية إلى جانب موارد التنمية الإضافية.
كذلك، أعادت تأكيد التزامها بالمساهمة، بالتنسيق مع المجتمع الدولي بأسره، في الرعاية الصحية والتعافي الاقتصادي. وبالنظر إلى حصة دول البريكس في الاقتصاد والتجارة على الصعيد العالمي، فقد أبدت التزامها بتولي زمام القيادة في إعادة تنشيط التعاون متعدد الأطراف وتعزيز الجهود الدولية، بهدف صياغة حلول مشتركة وفعالة ومستدامة للتصدي للأزمة الحالية وضمان تحقيق النمو الاقتصادي.
واتصالا بما سبق، أعادت تأكيد أهمية الأسواق العالمية المفتوحة والمستقرة والآمنة، وكذلك أهمية بناء سلاسل إمداد عالمية أكثر مرونة من أجل زيادة إنتاج المنتجات الصحية والغذائية وغيرها من المنتجات الصناعية والزراعية الهامة على الصعيد الوطني وفي السياقات الإقليمية الخاصة، بما يتفق مع قواعد منظمة التجارة العالمية. كما رحبت بالجهود الدولية لتقديم الدعم للبلدان منخفضة الدخل، لاسيما من خلال مبادرة تعليق خدمة الديون وتمديدها لمدة 6 أشهر. وأقرت بالدور الحاسم للتجارة الدولية في الانتعاش الاقتصادي، ومواصلة الالتزام بنظام تجاري متعدد الأطراف يتسم بالشفافية والانفتاح والشمول وعدم التمييز ويقوم على قواعد منظمة التجارة العالمية. ومطالبة جميع أعضاء المنظمة بتجنب الإجراءات الأحادية والحمائية التي تتعارض مع روح المنظمة وقواعدها.
وقد اعتمدت القمة أيضا استراتيجية الشراكة الاقتصادية لدول البريكس للفترة (2021-2025) كمبدأ توجيهي رئيسي لتعزيز تعاونها في التجارة والاستثمار والقطاع المالي والاقتصاد الرقمي والتنمية المستدامة، بهدف تسهيل الانتعاش الاقتصادي السريع ورفع مستويات المعيشة فيها. وأكد قادة البريكس خلال القمة دعمهم لعملية توسيع عضوية بنك التنمية الجديد، بما يعزز دوره كمؤسسة تمويل إنمائية عالمية، ويسهم بشكل أكبر في تعبئة الموارد لمشروعات البنية التحتية والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء في البنك.
ومع ذلك، وبرغم هذه النجاحات المهمة، فإن هذا التكتل العالمي مازال بحاجة إلى البناء على ما حققته دوله، عبر مزيد من التضافر والتعاون في جهودها بشكل أوثق لإطلاق المزيد من إمكانيات التعاون الخاصة بها، رغم الصعوبات الحالية. فهذه الدول بحاجة إلى تحقيق الآتي:
أولا، العمل مع بقية العالم في المعركة الحاسمة ضد الجائحة، حيث يجب على دول البريكس تعزيز التعاون في مجال الصحة العامة، وتبادل الخبرات في مجال الوقاية من الأوبئة ومكافحتها، وتقديم مساهمات مشتركة لضمان أن تكون اللقاحات، بمجرد أن تكون جاهزة، ميسورة التكلفة ومتاحة عالميا. كما تحتاج هذه الدول أيضا، بشرط الحفاظ على السلامة الصحية، إلى استئناف العمل والإنتاج وإنشاء “مسارات سريعة” و”ممرات خضراء” لتسهيل تدفق الأشخاص والسلع بطريقة منظمة.
ثانيا، تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري فيما بينها لضخ قوة دفع جديدة في الاقتصاد العالمي. حيث تحتاج دول البريكس إلى تعزيز تنسيق سياسات الاقتصاد الكلي وتحقيق الاستقرار بشكل مشترك في سلاسل الصناعة والتوريد العالمية. وعلى المدى الطويل، يجب على هذه الدول الاستفادة من نقاط قوتها واستكشاف محركات نمو جديدة بشكل مشترك، وذلك لتحقيق جودة أعلى، فضلا عن تنمية أكثر مرونة واستدامة، وفتح مسارات جديدة يمكن أن تُلهم الأسواق الناشئة والبلدان النامية الأخرى.
ثالثا، تحسين الحوكمة الاقتصادية العالمية بحيث تعكس التحولات الراهنة في المشهد السياسي والاقتصادي العالمي. حيث تشترك دول البريكس، بصفتها ممثلة للعالم النامي، في الالتزام بزيادة صوت وتأثير الأسواق الناشئة والبلدان النامية على الساحة الدولية. وتحقيقا لهذه الغاية، ينبغي أن تدافع دول البريكس عن مبدأ التشاور المكثف والمساهمة المشتركة والمنافع المشتركة في تحسين الحوكمة العالمية، والدفع من أجل إصلاحات نظام الحوكمة الاقتصادية العالمية لتحقيق التوازن بين الإنصاف والكفاءة.
ويمكن لمجموعة البريكس التعويل على الصين في مواجهة التحديات والتحولات سالفة الذكر، إذ تلعب بكين دورا مهما في تفعيل وتعزيز التعاون بين دول البريكس، في ضوء ما تحظى به إمكانيات هائلة جعلتها تصل إلى المرتبة الثانية على مستوى الاقتصاد العالمي، ناهيك عما تمتلكه من حلول صينية لمشكلات العالم النامي، جسدتها خبرات وتجارب رائدة في مواجهة والتعاطي مع الأزمات الصحية والاقتصادية الدولية، تتقاسمها أيضا مع دول البريكس، كانت محل تقدير وإعجاب من قبل المجتمع الدولي بأسره.
فخلال مشاركته في القمة، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ سلسلة من المقترحات والحلول المهمة لتحقيق التضامن والتعاون بين دول البريكس بهدف التغلب على التحديات العالمية، بما في ذلك في جائحة (كوفيد – 19) والركود الاقتصادي العالمي، وهي: دعم التعددية وحماية السلام والاستقرار العالميين، تعميق التضامن والتعاون في التصدي بشكل مشترك للتحديات الخاصة بمرض (كوفيد – 19)، دعم الانفتاح والابتكار لتعزيز التعاون الاقتصادي العالمي، إعطاء الأولوية لحياة الشعب ودعم التنمية المستدامة بجميع أنحاء العالم، وأخيرا دعم التنمية الخضراء ومنخفضة الكربون ودعم التناغم بين الإنسان والطبيعة.
وفي تقديري، فإن دول البريكس، وفي مقدمتها الصين، ومن خلال ما طرحته قمة موسكو من رؤى وحلول للتحديات والإشكاليات العديدة التي تواجهها في الوقت الراهن، والتي عكسها إعلان موسكو الصادر في ختام القمة، تمتلك من الإرادة والتصميم القوي، ناهيك عن الإمكانيات والموارد الضخمة، ما يجعلها قادرة على التغلب على التحديات العديدة التي تواجهها، عبر تحقيق شراكة أقوى فيما بينها تنعكس ثمارها الإيجابية ليس فحسب على دول البريكس، وإنما أيضا على العالم أجمع.