شبكة طريق الحرير الصيني الاخبارية/
الأنباط الأردنية/
بقلم: الأكاديمي مروان سوداح
لاحَظتُ عدم توافر كاميرات مراقبة في الكثير إن لم يكن في مُعْظَم شوارعنا العَمّانية “الخَلفِية”، إذ أن من شأن هذه الكاميرات تَسهيل الأعمال لتحرير المُخَالفَات بحق سائقي السير العَشوائي والعَكسي، وأصحاب أكياس النفايات وزُجاجات المَشروبات الكحولية والغازية التي تُلقى مِن نوافذ سياراتهم وبيوتهم في منتصف الليل ووضح النهار، لتُغطي مساحات تَستبدل الزهور والنباتات والأشجار؛ التي مات أكثرها، وغدت غيرها مُتهالكة وأنفاسها مُتحشرِجة ومتهدّجة؛ بالقُمامة والأوساخ وعُبوات الشراب وأكواب القهوة والشاي الورقية والبلاستيكية، وعُلب السجائر، ومُخلفات الأبْنِيَة، والأتْرِبَة، و”النحَاته”، و”الحَصمَه”، وغيرها الكثير، زد عليها تراكُم مُخلّفات الأشجار، كالأزهار، على الأرصفة والطرقات.
يَبدو أن كثيرين بخاصةٍ أصحاب الأجندات الشخصية واللاأُباليين واللاوطنيين من كل الألوان والسِّحْن والأجناس، قد تجرّدوا من سويةِ الأخلاق واستقامة السلوك، ولا رادع لهم سوى مخالفات مالية كبيرة، مُرفَقة بأحكام قضائية حَاسِمة وحَازِمة، يمكنها مع مرور الوقت قطع دابر هذه المُمَارَسات السلبية التي تَعجز اللغة عن وَصفِ قُبحها وشَناعتها، إذ أن أقل سلبياتها هو نشر الأوبئة بين المواطنين، والتسبّب لهم بأمراضٍ قد يكون عِلاجها مُستعصيًا.
ما تزال واحدة من صورٍ كثيرة لهذه البشاعات ماثلة يوميًا في ذاكرتي منذ عدة شهور في زمن كورونا. وقَعَت الواقعة أمامي تمامًا، عندما استقبل أحدهم من جنسية غير أردنية؛ وهو يعمل في “مؤسسة صحية” (!)؛ مجموعة من أصدقائه المَحليين في الشارع العام مقابل منزله. هذا الشخص حَمَلَ في يده كيسًا ممتلئًا بالنفايات المنزلية، وبدلًا مِن أن يتخلّص منه بوضعه في الحاوية التي تَبْعد عن شقته عشرة أمتار، ألقى به ما بين سيارة ابنتي وسيارة أحد الجيران، “ليتسنى” له التَّسَامُر والتحادث والقهقهة مع أصدقائه لساعات ليلية طويلة، وكأنه لم يرتكب شناعةً وقَبَاحَة. هذا التصرف لم يؤثر أيضًا على أصدقائه، ولم يدفع بأي منهم لانتقاده، ما يؤكد أن الجميع واحد في سوء السريرة!
قبل أيام، أعلنت وزارة البيئة عن بدء تفعيل أحكام القانون الإطاري لإدارة النفايات رقم 16 لسنة 2020، فيما يتعلق بالطرح العشوائي للنفايات في الشوارع، والأمَاكن العَامة، والحَدائق، والمُتنزهات، والمَواقع الِسياحية والمؤسَسات العَامة. قرأت أيضًا أنه سيتم وضع لافتات إرشادية في أماكن التنزه، تحث على ضرورة المُحافَظة على النظافة، لكن هل تكفي هذه الاجراءات دون وجود كاميرات مراقبة كافية في كل زاوية وموقع وشارع، كما هو الأمر في دول العالم المتقدمة؟
قِيل لي ذات يوم، إن المدارس اليابانية تخلو تمامًا من عُمَال وموظفي النظافة، إذ أن التلاميذ والطلبة والطالبات من الجنسين، بالإضافة إلى المُعلمات والمعلمين، ومدراء ومديرات هذه المدارس، يُشكّلون مجموعات مُلتزمة بمهامها، ويعمل أفرادها بإخلاص على تنظيف مدارسهم التي يَنتمون إليها تمامًا كما يَنتمون بإخلاص لبيوتهم وعائلاتهم، فشبّت الأجيال اليابانية على تقديس النظافة، وإعلاء قيمة الإنسان الذي يُمارسها في موقع دراسته وعمله ورصيف منزله وشارعه أمام بيته، وبالتالي يَحتفظ كل ياباني بهذه كلها نظيفةً ولائقةً لاستقبال الضيوف.
كذلك كان الأمر في السنوات السوفييتية، حين كان طلاب وطالبات المدارس يُشاركون في تنظيف مؤسساتهم التعليمية بشكل واسع ودقيق. إضافة إلى ذلك، نحن كُنّا كطلبة جامعات سوفييتية نُشارِك في حَملات النظافة التي كانت تُسمّى آنذاك بِ “السُّبوت”. فيا حبذا أن نشرع في الأردن بتطبيق أنظمة تربوية مُمَاثِلة في مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا الخاصة والعامة، لخلق أجيال تَعمل على تقديس النظافة وبهاء صورة المُجتمع المَحلي، ولأجل العودة الفِعلية والعَملية للشعار الشهير القائل “النظافة من الإيمان”.
المُمَارسات السلبية تنتشر في مختلف المَواقع والأماكن، وعلى الطُرقات الخَارجية، وفي المواقع السِياحية والغَابات، حتى أنها غَدت سَببًا تُبعِد السائح عن زيارة وطننا، وتُشكّل ظاهرة طارِدة للسياحة صَوب الأردن، وهو ما سمعته من عددٍ غير قليل من السياح الأجانب الذين أقسموا أمامي مؤكدين عدم رغبتهم بالرجوع إلى الأردن، وبأنهم يَستبدلون وطننا المَشهور بالحضارة والتحضّر منذ فجر الإنسان بدولٍ أخرى، على غِرار أذربيجان، وكازاخستان، وسَلطنة عُمَان، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة.