شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
د. كريمة الحفناوى*
#كريمة_الحفناوى: ناشطة سياسية وقيادية في حركة كفاية، وعضو مؤسس بالحزب #الاشتراكي_المصري وجبهة نساء #مصر، عضو حملة الحريات #النقابية والدفاع عن حقوق العمال, وعضو لجنة #الدفاع عن الحق فى الصحة /مصر، وعضو متقدم ناشط في #الأتحاد_الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب #أصدقاء_وحلفاء #الصين.
أجَّل الكيان الصهيونى العنصرى المحتل قرر ضم غور الأردن والمستوطنات الاستعمارية في الضفة الغربية والذى كان مقرراً له الأول من يوليو/ تموز إلى ميعاد آخر لعديد من الظروف التى سنوردها فى مقالنا.
لم يكن قرار ضم 30% من الضفة الغربية المحتلة والذى يعتبر جريمة حرب القرار الأول فى قضم فلسطين قطعة قطعة لصالح الكيان المحتل، فمنذ وعد بلفور البريطانى المشئوم 1917 قامت بريطانيا الاستعمارية (والتى كانت فلسطين “تحت حمايتها!” بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى) بتشجيع ودفع العصابات الصهيونية لدخول أرض فلسطين والاستيلاء عليها وارتكاب المجازر والمذابح ضد الشعب الفلسطينى، وإجبار الأهالى على ترك بيوتهم وأراضيهم بمنع كل سُبل الحياة عنهم، واستمرار هذا الوضع حتى حلت الولايات المتحدة الأمريكية، الصاعدة بعد الحرب العالمية الثانية، محل بريطانيا فى مساندة ودعم الكيان الصهيونى المحتل لاستمراره خنجراً فى قلب الوطن العربى حتى “لاتقوم قومة للعرب”.
وكل ذلك بجانب قرارات التقسيم المتوالية لتفتيت الدول العربية منذ معاهدة سايكس – بيكو 1916 مروراً بإعادة هيكلة “الشرق الأوسط”، وإعادة تقسيم المُقسّم وتجزءة المُجَزَّأ، ثم المحاولات المستميته فى بدايات القرن الواحد والعشرين لإشعال الصراعات فى المنطقة العربية على أساس مذهبى وعرقى وطائفى، مع العدوان المباشر الذى بدأ باحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية فى 20 مارس 2003، مع توالى الاتصال بجماعة الإخوان المسلمين وتجهيزهم للحكم فى هذه المنطقة، ولاننسى قول وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس عام 2003: “نظام مبارك ضعيف والتيار الإسلامى أحد البدائل المحتملة”، ثم استطردت رايس أثناء العدوان الصهيونى على لبنان فى يوليو 2006: “الآن يولد الشرق الأوسط الجديد”.
وفى عام 2010 تم عقد اجتماع سرى فى أوروبا بين أجهزة المخابرات الأمريكية والانجليزىة والفرنسية والألمانية، مع حضور “اسرائيل” كمراقب، وفى هذا الاجتماع قالوا إن المرحلة القادمة فى “الشرق الأوسط” هى مرحلة الإسلاميين. واستمرت الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك فى إشعال وتاجيج الصراعات فى دول سوريا واليمن والعراق، لإضعاف وإنهاك جيوشها واستنزافها. بجانب مايحدث أخيراً من غزو تركى لدولة ليبيا للإستيلاء على نفطها، بل والعمل على تقسيمها مما يهدد الأمن القومى المصرى والعربى ويهدد الأمن والسلم الدوليين.
وطوال هذه السنوات يتمتع الكيان الصهيونى بدعم وحماية أمريكا وبعض الدول الأوروبية، ويستمر حكامه فى ارتكاب الجرائم اليومية فى حق الشعب الفلسطينى، ويستمر فى رفض تطبيق أية قرارات دولية بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته الوطنية الموعودة وعودة اللاجئين الى وطنهم وأطيانهم السليبة، ويستمر فى العدوان على غزة وقتل الشيوخ والنساء والأطفال واستخدام الأسلحة المحرمة، وأسر الالآف من الفلسطينيين وتعذيبهم فى سجون الاحتلال، هذا غير تهويد القدس وطرد السكان المقدسيين من منازلهم والحفائر المستمرة تحت المسجد الأقصى بزعم وجود الهيكل.
ومع مجىء التاجر العنصرى دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، فى يناير 2017، انهالت علينا قراراته الشيطانية (المخالفة للشرعية الدولية وللمعاهدات والاتفاقيات الدولية)، والتى شجعت الصهاينة على إصدار قرارت عنصرية، ومنها قانون الدولة اليهودية، تزامنا مع إعلان ترامب أن القدس العاصمة الأبدية “لإسرائيل”، بل وأقدم على نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وأيّد ضم الجولان السورية المحتلة إلى “اسرائيل” للحفاظ على أمن الكيان المحتل، وفى مولد القرارات أخرج الحاوى ترامب من جيبه صفقة القرن “صفقة تصفية القضية الفلسطينية” التى حاول تسويقها بكافة الألاعيب والطرق ولم ينجح أمام المقاومة الشعبية الباسلة للشعب الفلسطينى ورفض الشعوب العربية وشعوب العالم الحرة لتلك الصفقة.
وبدأ الفلسطينيون الأبطال منذ 30 مارس 2018 ذكرى يوم الأرض، مسيرات كبرى على الحدود بين غزة والكيان المحتل، “مسيرات العودة”، كل يوم جمعة، واستمرت المسيرات يتقدمها الشيوخ والنساء والأطفال بجانب الشباب، ولم توقفها غير تفشى جائحة فيروس كورونا فى أوائل عام 2020، الذى تمت مواجهته بالتباعد الاجتماعى والحظر والعزل وإغلاق أماكن التجمعات وغيرها من الإجراءات الوقائية.
كشفت جائحة فيروس كورونا ضعف المنظومة الصحية فى معظم دول العالم بل وشل وانهيار بعضها فى العديد من الدول. وفى الوقت الذى لجأت فيه عدد كبير من الدول للتكاتف والتعاون لتوفير المستلزمات الطبية والوقائية ومواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية نتيجة اجراءات إغلاق أماكن التجمع، والذى كانت نتيجته ومازالت فقدان الآلاف بل والملايين فى كل أنحاء العالم لوظائفهم وعملهم، مما زاد من أعداد المتعطلين وزيادة نسبة البطالة وبالتالى مسئولية الدولة عن تعويض هؤلاء ودعمهم لتوفير احتياجتهم الضرورية. ووقف العالم بين مطرقة ثلاثية الإغلاق والمحافظة على الأرواح والموت جوعاً وسندان رباعية إعادة فتح الأسواق وتشغيل العمالة وتحقيق الأرباح والموت بالفيروس.
وسط هذه الظروف انشغل وبأنانية شديدة كل من دونال ترامب ونتنياهو بمستقبله لتحقيق النجاح فى الإنتخابات مع التعامل مع تفشى فيروس كورونا بالاستهتار والتأخير فى إتخاذ الإجراءات الوقائية مما ساعد على زيادة الإصابات وعدد الوفيات مما زاد من غضب واحتقان الشعب ففى الكيان الصهيونى اندلعت مظاهرات الغضب فى 12 يوليو ضد حكومة نتنياهو نتيجة للتباطؤ فى تعويض المتضررين بسبب إجراءات العزل الاجتماعى والإغلاق التام وتجمع المتظاهرون فى تل أبيب تحت شعار “دعونا نتنفس”. ومن أبرز المحتجين أصحاب الأعمال الصغيرة وبعض الفنانين وأعضاء عدد كبير من النقابات.
وعلى الجانب الأمريكى امتدت المظاهرات على مدى 4 أسابيع فى شهر يونيو عقب وفاة المواطن الأمريكى الأسود من أصل إفريقى جورج فلويدعلى يد شرطى أبيض داس بركبته على رقبته حوالى 9 دقائق مما أدى إلى اختناقه وعدم قدرته على التنفس ووفاته التى فجرت تظاهر آلاف الأمريكيين فى معظم الولايات الأمريكية ضد العنصرية واندلعت المظاهرات فى عدد من بلدان العالم ضد العنصرية وصار شعار تلك المظاهرات “حياة السود مهمة” بجانب شعار “لاأستطيع التنفس” وهو مانطق به جورج فلويد قبل موته.
ولأن نتنياهو يريد أن يحقق كل ما وعد به ناخبيه من اليهود اليمينيين المتطرفين ولأنه يخاف من عدم فوز صديقه الصدوق العنصرى ترامب تفاهم معه على أن يدعم قراره بضم غور الأردن والمستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية بما يعنى ضم 30% من الأراضى الفلسطينية المحتلة فى الخامس من يونيو 1967 وهذا معناه كما قال الخبراء الاقتصاديين خسارة 60 % من الإنتاج الزراعى للفلسطينيين فى منطقة غور الأردن بل وكل مصادر المياه، بجانب فقدان الدخل من السياحة العلاجية فى البحر الميت، والدخل من سياحة الآثار. وبجانب ضم غور الأردن ستقوم إسرائيل بضم المستوطنات غير الشرعية التى أقيمت فى أراضى الضفة الغربية المحتلة، وتضم أيضا أراضى دولة ليس بها أهالى.
أى أنه لن يتبقى للفلسطينيين غير مجموعة كانتونات من الضفة الغربية!!!.
لماذا تأجل قرار الضم؟
لقد تأجل قرار الضم الذى كان مقررا له الأول من يوليو 20 20 لعديد من الأسباب والعوامل الداخلية والخارجية:
أولاً. العوامل الداخلية:
رأى الخبراء أن قرار الضم يعنى حدوداً جديدة بطول 1800 كما تحتاج إلى جدار عازل وقوات أمنية لحمايتها، وهذا تكلفته تصل إلى 1,5 مليار دولار أمريكى. هذا بجانب رفض (بينى جانس)، نائب رئيس الوزراء وعدد كبير من كبارالضباط الأمنيين الإسرائيلين والشخصيات لقرار الضم باعتبار أن القرار سيتسبب فى إنتفاضة كبرى داخل فلسطين وعدد من البلدان مما يحرج الحكومات العربية التى تم التطبيع معها، هذا غير تأثير قرار الضم على العلاقة الاستراتيجية بين إسرائيل والأردن ومابينهما من اتفاقيات خاصة بالغاز والمياة واتفاقية وادى عربة 1994 الخاصة بالسلام بين الأردن وإسرائيل، مع التضحية بالعلاقات مع دول الخليج. وكل هذه التداعيات فى نفس الوقت الذى تواجه فيه الحكومة الإسرائيلية آثار تفشى فيروس كورونا الصحية والاقتصادية والاجتماعية والتى تسبب لها مشاكل فى الداخل.
ثانياً. العوامل الدولية:
معظم دول العالم رفضت قرار الضم باعتباره مخالفا للشرعية الدولية وتأثيره على إمكانية قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس.
رفض البرلمان العربى وجامعة الدول العربية لقرار الضم.
تهديد بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا برفض قرار الضم واتخاذ إجراءات بحق اسرائيل.
وثيقة تم توقيعها من 1000 نائب من نواب البرلمان الأوروبى تتضمن “الضم يقضى على أى احتمال للسلام ويزعزع الاستقرار فى الشرق الأوسط”.
إعلان عدد من الدول الأوربية فى الاتحاد الأوروبى إمكانية توقيع عقوبات على إسرائيل فى حالة إقدامها على قرار الضم.
التردد والانقسام داخل الإدارة الأمريكية حول قرار الضم الآن مما تسبب فى عدم إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل للإقدام على خطوة الضم الآن.
أما إذا انتقلنا للجانب الفلسطينى فنجد ردود الفعل القوية من جميع الفصائل الفلسطينية، بإعلان المقاومة بكافة الوسائل من انتفاضات ومسيرات شعبية كبرى، تصل لحد العصيان المدنى بجانب المقاومة المسلحة. هذا بجانب الإتفاق بين السلطة الفلسطينية وحماس على العمل المشترك فى مواجهة خطة إسرائيل بضم غور الأردن والمستوطنات فى الضفة الغربية.
لقد صرح القادة الفلسطينيون بأن قرار الضم جريمة حرب، وإننا سنلجأ إلى كل المحافل الدولية من الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية ومن أجل حل عادل وشامل لقضايا عودة اللاجئين.
إن إصرار نتنياهو على استكمال مخططاته بشأن ضم غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية لن يهدأ ولن يتوقف منتهزاً انشغال دول العالم بالأزمات الناتجة عن تفشى فيروس كورونا، غير تردى الأوضاع فى الدول العربية واستمرار الصراعات والحروب فى سوريا والعراق واليمن وليبيا.. هذا غير مواجهة الإرهاب والتصدى له، ولكن العدو الصهيونى لا يضع فى حسبانه قوة الشعوب وانتفاضاتها من أجل تحقيق العدل والحرية وقوة المقاومة الفلسطينية الباسلة والمشروعة ضد الاحتلال.
إن الأمل معقود فى الشعوب العربية والشعوب الحرة فى دول العالم فى استمرار مقاطعة الكيان الصهيونى، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ورياضياً، وعمل حملة قوية لمقاطعة منتجات المستوطنات الصهيونية داخل الأراضى المحتلة.
كل التحية للمقاومة الفلسطينية والمجد والخلود للشهداء والحرية للأسرى.
درسك ياوطنى المحتل.. المقاومة هى الحل.
*التدقيق اللغوي والتحرير الصحفي: أ. مروان سوداح
*المراجعة والنشر: عبد القادر خليل.