وبعد كفاح مرير ضد المستعمر الفرنسي من أجل نيل استقلالها، كان يتوجب على الجزائر مواصلة تقدمها نحو التطور و الازدهار و التنمية. كانت كافة القطاعات بدون استثناء معنية آنذاك بهذا التحدي سيما قطاع المحروقات.
وقد أصبحت الجزائر بفضل استقلالها، متحكمة في موارد البلاد من المحروقات التي تم اكتشافها في سنة 1956، الا أن فرنسا استمرت في امتلاك السلطة الحقيقية على تسيير هذه الثروات من خلال الشركة الوطنية للبحث و التنقيب عن البترول بالجزائر(SNREPAL)، و بموجب اتفاقيات ايفيان تم الابقاء على التشريع الفرنسي (قانون بترول الصحراء لسنة 1958) ساري المفعول.
كما أن الجزائر، ووعيا منها بأهمية ورهانات المحروقات في مسار التشييد الوطني والتنمية التي طالما تم التطلع اليها من اجل القضاء على اثار الاحتلال الفرنسي، قد قامت في 31 ديسمبر 1963 بإنشاء الشركة الوطنية للبحث عن المحروقات و انتاجها و نقلها و تحويلها و تسويقها “سوناطراك”، التي ستصبح فيما بعد أداة للسياسة الوطنية للمحروقات.
كما أن سوناطراك التي تم انشاؤها اول الامر للتكفل بنقل و تسويق المحروقات، قد أصبحت اليوم اكبر شركة في افريقيا و توسعت تدريجيا لتشمل الفروع الاخرى من النشاط البترولي.
وبعد سنوات من ذلك، أي في سنة 1971، استعادت الجزائر سيادتها الكاملة على ثرواتها من المحروقات وفرضت على المؤسسات الاجنبية الشراكة مع “سوناطراك”، حتى تتمكن من الاستثمار في هذا المجال.
وقد كان القرار التاريخي بتأميم المحروقات الذي اعلن عنه الرئيس الراحل، هواري بومدين، في 24 فبراير 1971 بدار الشعب بالجزائر العاصمة، مقر الاتحاد العام للعمال الجزائريين، بمناسبة احتفاله بالذكرى ال15 لتأسيسه، تتويجا لمسار طويل من المفاوضات بدأ في سنة 1967.
وهو التأميم الذي سمح للجزائر، التي تحتل حاليا المرتبة ال17 ضمن الدول المنتجة للنفط في العالم و الثالثة افريقيا، بالحصول على ما لا يقل عن 51 % من ارباح الشركات الفرنسية العاملة بنظام الامتيازات في جنوب البلاد حيث كانت تنشط ايضا شركات اخرى متعددة الجنسيات.
ومن حينها ظلت الجزائر عبر سوناطراك تمتلك الاغلبية في جميع الاستثمارات الاجنبية على مستوى الحقول البترولية و الغازية للبلاد، و تعزز موقعها ضمن مختلف القوانين التي تم اصدارها في ظرف اكثر من خمسة عقود، مؤكدة بذلك على المبدأ الثابت لسيادة الدولة الجزائرية على ثرواتها النفطية و الغازية و المنجمية.
ونظرا للتحولات التي تعرفها السوق الدولية للطاقة و لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية و جذب أصحاب التكنولوجيات الجديدة في هذا القطاع سُن قانون جديد أكثر جاذبية نهاية 2019 حول المحروقات حيث يوفر هذا القطاع حوالي نصف الايرادات الجبائية للدولة و20 في المائة من الناتج الداخلي الخام و91 في المائة من اجمالي الصادرات وحوالي 300.000 منصب شغل.
== إنشاء وزارة الانتقال الطاقوي لأول مرة منذ الاستقلال ==
يندرج تعزيز جهود تنقيب سوناطراك عن البترول والغاز التي توفر لوحدها 80 في المائة من الانتاج الاجمالي من المحروقات في البلاد بينما تنتج 20 في المائة المتبقية شركات أجنبية، في خارطة الطريق الجديدة للجزائر الجديدة التي وضعها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون التي تتضمن برنامجا طموحا لتنمية كل الموارد الطاقوية وتثمينها منها الطاقات الجديدة والمتجددة.
وبعد ستة أشهر فقط من تنصيبه رئيسا للجمهورية في ديسمبر 2019، قرر الرئيس تبون إنشاء وزارة للانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة لأول مرة في تاريخ الجزائر بغية بعث ديناميكية قوية لتجسيد هدف الانتقال الطاقوي.
وعلاوة على مشروع سولار 1.000 ميغاواط لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية التي توليها السلطات العمومية أهمية كبرى، تطمح الجزائر إلى الاضطلاع بدور رئيسي على المستوى الاقليمي في إنتاج طاقة الهيدروجين منه الأخضر (من الطاقات المتجددة) والأزرق (من الغاز الطبيعي) بالاستفادة من إمكانياتها الهائلة من الطاقة الشمسية ومواردها الهامة من الغاز الطبيعي ومنشآتها للتوزيع و كذا قدراتها الكبرى في البحث والتطوير.
وفي هذا المنحى، قررت الحكومة إعداد استراتيجية وطنية لتطوير الهيدروجين كمصدر للطاقة النظيفة عبر إشراك العديد من القطاعات منها الطاقة والانتقال الطاقوي والتعليم العالي والبحث العلمي والمؤسسات الناشئة والمالية وكذا محافظة الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية.
وبفضل برامج طموحة جاري تجسيدها فان الجزائر التي تحتل المركز العاشر في إنتاج الطاقة عازمة على انجاح انتقالها الطاقوي مع الحفاظ على الموارد الطبيعية التقليدية لأجيال المستقبل والمضي في استقلالها الطاقوي.