شبكة طريق الحرير الإخبارية/
مقالة خاصة:
ـ إعداد: يلينا نيدوغينا:
أكاديمية، متخرِّجة من جامعتين: روسية (تخصص هندسة كيمياء تقنية)؛ وأُخرى أردنيَّة (تخصص سياحة)؛ وكاتبة، ومواطنة ثنائية الجنسية – الروسية والأُردنية، وتحمل أوسمة وتقديرات سياسية عالية من عددٍ من الدول الحليفة والصديقة.
ـ الأكاديمي مروان سوداح:
كاتب وصحفي أُردني، وعضو قديم في “نقابة الصحفيين الأُردنيين”، ورئيس منظمات دولية، ومتخصص في الشؤون الكورية، وعضو فخري في “اتحاد الصحفيين الكوريين”، وحامل الأوسمة والشهادات الفخرية من القيادات السياسية لعدد من الدول الحليفة والصديقة، ومواطن روسي الجنسية.
قبل أيام قليلة من مارس / آذار الحالي لهذا العام 2023م، و وفقاً لشاشات المُبَاصَرَةِ الروسية، وعددها لا يمكن عدَّهُ، واستناداً أيضاً لوكالة “وفا” الفلسطينية للأنباء، فقد أعلنت وزارة الخارجية في موسكو، عن مطالبتها بمحاكمة المسؤولين عن الهجوم على قبر السيدة العذراء مريم في كنيسة “الجثمانية” في القدس المحتلة. وبهذا الصدد، صرَّحَت المتحدثة الرسمية باسم الوزارة الروسية، السيدة ماريا زاخاروفا، إن “موسكو تتوقع أن تقدِّم السلطات الإسرائيلية تقييماً لا لُبس فيه لِمَا حدث ضد كنيسة الجثمانية في القدس، وتتخذ إجراءات شاملة لمحاكمة المسؤولين عن هذا الهجوم”.
وأضافت زخاروفا في تعليق نُشر على الموقع الإلكتروني للوزارة الروسية: “هذه السلوكيات المسيئة لا يمكن إلا أن تتسبب بقلق عميق.. نلاحظ وجود وتيرة مُقلقة في الزيادة الأخيرة لعدد الحوادث المعادية للمسيحيين.. في الوقت نفسه، أصبحت الكنائس والمقابر لمختلف الطوائف المسيحية ورجال الدين والرهبان أهدافاً للهجمات.. نحن مقتنعون بأنه لا يوجد ولا يمكن أن يكون هناك مُبَرِّر لِمِثل هذه الأعمال الإجرامية.. ونأمل أن تقدِّم السلطات الإسرائيلية تقييماً لا لُبسَ فيه لِمَا حدث، وتتخذ إجراءات شاملة لتقديم الجُناة للعدالة، ومنع وقوع مثل هذه الحوادث في المستقبل”.
كذلك، جاء في الخبر الذي نشرته “وفا”، التالي: .. في التاسع عشر من شهر آذار الجاري اقتحم مستوطنان هذه الكنيسة، وحاولا تخريب محتوياتها، وإلحاق الأذى الجسدي برجال الدين، وترهيب الزوار والحُجاج.
وكشفت الوكالة الفلسطينية، عن أن هذا الاعتداء هو الخامس من نوعه الذي تتعرض له أماكن عبادة مسيحية في القدس المحتلة من قِبل متطرفين يهود منذ بداية العام الحالي، فقبل ذلك، اقتحم مستوطنون مبنى كنيسة “حبس المسيح” في البلدة القديمة بالقدس، وقاموا بتكسير وتحطيم بعض محتوياتها، وحاولوا إشعال النار فيها، كما تعرَّضت مقبرة الكنيسة الأسقفية لاعتداء، فضلاً عن تعرُّض البطريركية الأرمينية لمحاولات اقتحامها، وكتابة عبارات عنصرية على جدرانها.
تشتهر كنيسة “الجثمانية” بجمالها الآخاذ، وتقول المراجع والصحافة العربية، بأنها كنيسة فائقة الجمال، وهي تقع في وادي قدرون (أسمه الحالي وادي ستّي مريم)، عند ملتقي الطرق بين القدس والطور وسلوان؛ وقد بُنيت فوق “صخرة الآلام”، التي صَلَّى وبَكَىَ عليها السيد المسيح عليه السلام قبل أن يعتقله الجنود الرومان.
ويعود تاريخ هذه الكنيسة إلى سنة 389 للميلاد، وقد تعرَّضت للتدمير في سنة 614 للميلاد؛ ولكن الصليبيين أعادوا بناء هذه الكنيسة في سنة 1924م على يد المعماري الإيطالي انطونيو بارلوزي؛ إذ أسهمت 16 دولة بتمويل بنائها، ولذلك صارت تعرف باسم “كنيسة كل الأمم”، وتضم حديقتها (8) أشجار زيتون ما زالت مِعطاءة ومنتجة عبر الدهور منذ الفترة الرومانية؛ واللوحة المرسومة على واجهة الكنيسة وهي “لوحة يوم القيامة”، تتبع للرسام الشهير ليوناردو دافنشي.
القارىء النبيه لتصريحات السيدة ماريا زخاروفا يُلاحِظ فوراً أن هنالك تغيّرات متواصلة في اللهجة الروسية خلال الشهور المنصرمة حِيال السلطات الإسرائيلية، التي سمحت لاتباعها بتدنيس هذه الكنيسة من خلال الاعتداء عليها، كما سبق وأطلقت أياديهم لتدنيس بعض المواقع الدينية الإسلامية القائمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي تصرفات عدوانية أثارت مئات ملايين المسلمين في شتى بقاع الدنيا، ولا غرو والحالة الراهنة هذه، أنها تصرفات إسرائيلية وقحة وفالتة من عقالها، ولهذا، فقد أثارت أيضاً جهات عليا في الفدرالية الروسية الحليفة التي تحوز على محبة ومساندة وتعظيم العرب لها، ما دفع بهذه الجهات إلى الاحتجاج العلني أمام العالم برمته وفي كل وسائل الإعلام الروسية، واستنكار ما حدث لكونه وقاحة صهيونية، فهو اعتداء على موقع ديني لا علاقة له بالسياسة والسياسيين أيَّاً كانت جنسياتهم وقومياتهم وأفكارهم وأعمالهم.
في الواقع، نالت تصريحات السيدة ماريا زخاروفا، وهي سياسية روسية مخضرمة وشهيرة، حول موضوع هذه الكنيسة، شعبية طاغية وثناءً متواصلاً، ليس في أوساط المسيحيين الأردنيين والعرب فحسب، بل وفي الأوساط الإسلامية العالمية أيضاً، والتي هالها ما حدث من عدوان صهيوني يُدلِل على أن الاوضاع في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عهد بعيد يتم في هذه الأيام تصعيدها على نحو واسع لم يسبق له مثيل، وهو يُدلل على نيَّة الاحتلال الإسرائيلي تهويد مختلف الأماكن المقدسة، وصولاً ـ كما يبدو ـ إلى عملية تصفيها وشطبها من الوجود، ففي تل أبيب يعلمون، بل ويُدركون أيضاً، بأن حلفائهم الكُثر في دول الغرب برمته، وقادة المسيحيين هناك هم مجرد اسماء لا أفعال، ولا مواقف لديهم تنتصر للحق والعدالة وقِيم وحقوق الشعوب، بل على عكس من ذلك تماماً، هم أعداء الأُمم وحقوقها، إذ إنهم لم ولن بنبسوا ببنت شفةٍ للدفاع عن الأماكن والمواقع الدينية للمسيحيين والمسلمين في الأراضي الفلسطينية، والتي تتعرض من حين لآخر للهجوم والعدوان على مرأى ومَسْمَع البشرية جمعاء و “منظمة الأمم المتحدة” التي لم تحرك ساكناً، وربما أيضاً لن تتحرك مُستقبلاً للدفاع عن هذه المواقع الدينية وأصحابها والمُتدينين، فهي جهة ميتة فعلاً وتبتعد عن قول الحق وتتهرب عن إحقاقه.
وضمن هذه الحالة الراهنة، هل سنرى في المستقبل القريب الأماكن الدينية الخاصة بالمسيحيين والمسلمين فارغة من المصلين(؟!)، ليتم منعنا نحن من الدخول إلى تلك الأبنية الدينية في فلسطين بعيداً عن أعين الجميع في هذا العالم النائم نوم أهل الكهف عندما يتعلق الأمر بحقوق الشعوب وحياتها الحرة والكريمة، وصولاً إلى تهويدها وصهينتها بالكامل بعدما وضع الكيان الصهيوني الأُردن بأكمله كجزء من خريطته الجيوسياسية التوسعية…؟!
فهل سيتم ذلك لا قَدَّرَ الله؟ وهل قريباً سنرى بأُم أعيينا تواصل وتلاحق حرق الكتب الدينية الإسلامية والمسيحية، والتي يُقدِّم الرجعيون والمتوحشون والهَمَج في الجيش الأُوكراني؛ المدعوم غربياً وإسرائيلياً، تدمير أركان ومواقع هذه الأديان والحضارة الألفية العريقة في فلسطين الجريحة المحتلة وفي أوكرانيا المعذبة بوحشية زيلينسكي التي يلحقها بشعبه ومواطنيه بإرسالهم للموت المُحتم لمجرد أن يبقى هو على كرسي الحُكم يجمع الأموال الغربية في جيوبه وخزائنه؟! نأمل ونتوسَّل لله العلي القدير والعظيم أن لا يتم الحرق والعدوان على أي موقع وكتاب ديني، ولا على أي مؤمن بالله، ونتطلع إلى أن يتمم الله إالعلي القدير إلحاق القصاص العادل بأعدائه، الذين هم أعداء الإنسان وهِبَة الحياة المُقَدَّسَة التي منحها الرب العظيم لنا وللبشرية جمعاء مَجاناً، مَحَبَةً من لَدنِه لأبنائه نحن، أبناء آدم وحواء؟!