جريدة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح
قرار إعادة «خدمة العَلم» صحيح ووطني، ومطلوب بقاؤه في كل الأوقات بدون استثناء وبغض النظر عن الأوضاع المالية للبلاد. الخدمة العسكرية يجب أن تكون ثابتاً لا تغيير فيه، فهي مصنع الرجال، ومدرسة الانضباط، وعنوان الكرامة والاستقلالية، وفي العائلة العسكرية يتعلم الشاب صناعة مستقبله بنفسه، ويجد لكيانه مكانةً لائقة اجتماعياً ومنتِجة مهنياً ضمن الجيش الذي ينفتح بكليّته على المواطن، ويمارِس دوره التربوي والفكري والبيداغوجي.
الحكومة فَعَلت خيراً بإعادة خدمة العَلم لقطاع الشبيبة، فلا يجوز أن يَخدم الوطن في القوات المسلحة جزءٌ من الشعب، والجزء الآخر لا يَخدم. وبالتالي، فإن مَن لم يخدم لا يَعرف الكثير عن معنى الجُندية والتضحية وشعار «الفرد للجميع والجميع للفرد».
الأوضاع السياسية والحروب الإقليمية التي تجتاح المَعمورة تهيئ الأمم لخوض حروب عالمية، والتحديات المصيرية للألفية الثالثة تشدنا لضروة تطبيق الخدمة العسكرية بمواجهة تحديات وتعديات العولمة التي تكّسر الحدود السياسية والتميّز القومي والتطلعات الشعبية، وتعمل على إفقاد الأمم هوياتها الوطنية.
كنت وسأبقى أحد المتحمسين لإلزامية خدمة العلم واستمراريتها، لأنها تبني شخصية وطنية في الشباب، وترسخ وتثري المعنى العميق الشريف لخدمة الوطن والتضحية في سبيله، وهي خِصالٌ لا يتمتع بها سوى «الإنسان الإنسان» الذي صُقل في تدريبات الجندية خلال سنين بلياليها، ليصبح ركيزة للأمة تستند عليها في نضالاتها، وها نحن إذ نتصدى لتطلعات الهيمنة الصهيونية الوقحة، من الضروري أن نخلق جيلاً مخلصاً وواعياً وعلى أهبة الاستعداد للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الأرض والوطن والإنسان والعائلة والمستقبل الآمن.
قبل شهرين ونصف نشرتُ مقالة في «الدستور» عنوانها «لنتجيّش بمواجهة الجوائح» جاء فيها، أن الوطن في حاجة لجميع الشباب لرفع سويتهم العقائدية والسياسية والوطنية، وليتجيشوا بإرادة الذود عن الأمة للتخلص من عدو ماكر يُهدّد باحتلالنا بدبابتين وخلال ثلاث ساعات وخسيء مَن يدّعي ذلك. وأشرت إلى أن المهمة الأساسية تكمن في اعتبار خدمة العَلم واجباً وقاعدةً لنجاحاتنا المختلفة، وضمن ذلك تدريب الطلبة في المدارس، والانتقال بالشبيبة إلى فاعلين وطنيين بعيداً عن الأفكار الدخيلة واللامبالاة تجاه الوطن حين تتقاذفهم تخريفات استفزازية تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي.
لن أنسى التدريبات العسكرية التي شاركتُ فيها على ساحات مدرستي (الكلية البطريركية الوطنية)، المجاورة لمسجد أبو درويش التاريخي في جبل الأشرفية بعمّان، فقد ارتفعت معنوياتي إلى السماء، وشعرت فعلاً رغم طفولتي أنني رجل ولا كُل الرجال، إذ صَلَّبت التدريبات والدروس النظرية والعملية المرافقة لها شخصيتي، وتعرفّت ضمنها على عالمٍ جديد واسع تابعته من خلال الوطن بألوانه وتاريخه ومصالحه، وأدركت لزوم الدفاع عن البلد والشعب في عالمٍ متلاطم ومتضارب ومتحارب ومتعادٍ لا يرحم الضعفاء، بل يَقضي عليهم دون هوادة أو رحمة. وأما في سنتي خدمتي العسكرية؛ بعد إنهائي دراساتي في كلية الصحافة بجامعة سانت بطرسبورغ والعودة للوطن؛ فقد انتظمتُ في دروس للعلوم العسكرية، وتمرنت على أنواع عديدة من السلاح، انتقلت بعدها للعمل، ضمن الواجب في مجال الإعلام والصحافة العسكرية.
الأوضاع والتطورات الدقيقة التي تواجه الأردن والأمة العربية تحتم ثبات خدمة العَلم الإلزامية بعد سنوات طويلة من توقفها، بهدف تكتيل المجتمع، وتحويله إلى رجل واحد وقبضة واحدة قاضية على كل جهة عابثة ومستهتِرة بالأمن الوطني ومصالح الشعب واستقلالية وسيادة الدولة الأردنية.