شبكة طريق الحرير الصيني الاخبارية/
الأنباط/
حِوار المُتدينين والُمثقفين لتوافقِ الأفكار وسَلامِ الإنسان
بقلم: يلينا نيدوغينا
يبدو لي، أن روسيا ومنذ بدء العَهد البوتيِني، شرعت بإصرار ونجاح منقطع النظير في تعميق، وتجذير، ونشر، وتوسيع وتأصيل الفعاليات التي تتصل على وجه التحديد بالحوار الهادف والبَنَّاء في مختلف المجالات، وخاصة تلك التي تتصل بخير الإنسان، وتقارُب الشعوب والقوميات والإثنيات والمتدينين والألسن من بعضهم البعض. وبالتالي، ها هي تعطي المَثل الذي يُحتذى للآخرين في هذه المجالات التي تُعتَبر بحق الأهم في عالمِنا المُعَاصِر، كونها تأخذ بالبشرية إلى جادّة السلام الاجتماعي، والإخاء الأممي، وتعمل على تعبيد المَسارات العالمية صَوب التفاهم المُشترك. وبالتالي، وتأسِيسًا على ذلك، إنجاح فَعَاليات ومبادرات صَون السلام الشامل، ونشر آليات الاستقرار الإقليمي والكوني، وتثبيت السِّلم كونه هبةً إلهية، وقيمة بشرية وإنسانية هي الأسمى، إذ أن هذا كله من شأنه أن يُمَهِّد لِبني آدم جميعًا حياة رغيدة في ظل التفاهم العام، والتعاون المشترك في مجتمع بشري واحد، وإيجاد الحلول لمشكلاته، من خلال نقاش وتنسيق جماعي.
وفي هذا السياق، لفت انتباهي بشِدَّةٍ هذا العام، إعلان مُتميّز أطلقه مسؤول كنسي روسي، عن أن برنامج المَاجستير في (الدراسات الإسلامية) سيَظهر في العام الدراسي الحالي مع دراسة اللغة العربية بمدرسة اللاهوت الأرثوذكسية في قازان. إضافةً، إلى تأكيد رئيس اللجنة التعليمية للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ورئيس الأساقفة مكسيم كوزلوف، افتتاح برنامج الماجستير في الدراسات الإسلامية في مدرسة قازان اللاهوتية على مرحلتين، بما أن دراسة كامل التقاليد الدينية الإسلامية إنما يقود نحو معرفة معمَّقة للغة العربية. لهذا، سيُخصص برنامج الماجستير بشكل أساسي لدراسة اللغة العربية، والدراسات العربية بالمعنى الواسع للكلمة، وسيرتبط العامان الأكاديميان التاليان، بدراسة العقيدة ومصادر التقاليد، والسياق التاريخي والثقافي للإسلام في العَالم وفي روسيا، سيّما وأن القرآن الكريم نُشر لأول مرة باللغة الروسية في عام 1878، مُتَرجَمًا على يد المُعلِّم اللاهوتي، المُستشرق غوردي سابلوكوف.
وفي هذا الفضاء الواسع، قرأتُ كذلك تصريح السيد دامير مخيتدينوف، رئيس معهد موسكو الإسلامي، والنائب الأول لرئيس المديرية الروحية لمسلمي (الاتحاد الروسي)، إلى أن (الأكاديمية الإسلامية البلغارية) مُنخرطة في “حوارٍ بين الأديان”، في ضوء الزيادة الطارئة على عدد السكان المسلمين في روسيا، وللتعاون في هذا المنحى مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
يتّصل كل ما تقدم من وقائع بـِ (مجموعة الرؤية الإستراتيجية: روسيا – العالم الإسلامي)، وبعملها اليومي في مسارب تخصُصيّة بحت، وهو ما أفضى بها إلى الشهرة العَالمية، وعلى صُعد عدَّة في العالمين العربي والإسلامي، بل وفي عوالم أخرى أيضًا، وهو نجاحٍ تَمَخَّض عن التزام هذه (المجموعة) بكامل مبادئها المُعلن عنها على الملأ، في سبيل تعزيز مصفوفة حقوق الإنسان الدولية، والأخذ بالبشرية، كل البشرية، وبكل أديانها وثقافاتها واختلافاتها إلى جادة التفاهم في المُشتركَات، بعيدًا عن أحقاد الحروب والنزاعات والخلافات، بغض النظر عن ألوانها، وأشكالها، ونماذجها. “مجموعة الرؤية الإستراتيجية” نجحت في روسيا وخارج حدودها أيضًا، وأحرَزت الشهرة الأُممية بكونها رافعة سلمية وحوارية ناجحة للتقريب بين الشعوب صغيرها وكبيرها في كل القارات.
ها نحن نقرأ في المِثال الروسي، عن فعاليات ومبادرات متتالية للمجموعة، تتمثل بها مبادرات لجهات ومؤسَـسَات دينية ومدنية، تتسق مع مبادئ (مجموعة الرؤية الإستراتيجية)، وتتناغم معها في الأساسيات، ذلك أن الأساسيات هي بالذات، وليس الفرعيات، التي تَبني المُجتمعات الواعية، وتُغْنِي الأفكار، وتُشيّد أركان الكون، وتُخَاطب العقول باتزان وحِكمة، فالحكمة إنّمَا تعني أن نَعِي وأن نَعْلَم، وتهذيب النَّفس، وتحقيق الحقِّ والعَمَل به، والصدِّ عن اتِّباع الهوى والباطل، وهي لَعَمْرِي مزدهرة في روسيا بوتين، وفي هذه المجموعة الإستراتيجية الرئاسية الروسية المتخِصصة، والتي تفعّل جهودها لجَمعِ الروس والعَرب والمسلمين والمسيحيين والعُقلاء من مختلف البلدان حول مُشتركاتهم، انْطِلَاقًا من رغبة متأصلة لتعظيم الحياةِ وقُدسيّتها، ما يَفتح الأبواب صَوب المَزيدِ من المُبادرات البوتينية الروسية للتفاهم الشمولي، لتجذير مفهوم الإنسانيّة العالمية المُزدانة بعقلية وازنة نابهة في سياق ما تحدثتُ عنه في الواقع الروسي، في بداية هذه المقالة.
*إعلامية وكاتبة روسية / أردنية، ومؤسسة ورئيسة التحرير المسؤول لجريدة ملحق الرؤية الروسية.