شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
الغرب ومخطط شيطنة روسيا و”العَالم المُخالف”
بقلم: الدكتور نيازي كتاو
ناشط شركسي أردني وخريج الاتحاد السوفييتي
ما نشهده اليوم في العالم من تعديات على الشعوب والامم وحقوقها، ونشر الأوبئة والفيروسات وغيرها الكثير من الفواجع، إنما هو مخطط دولي قديم محكم الفواصل، يتواصل لإبادة الشعب الروسي وشعوب الأرض بالملايين، بهدف محو روسيا و “الأخرين” من الوجود، ومنعًل تكرار أية نسخ مناضلة من تلك الامم والشعوب وقادتها الوطنيين.
منذ القرن التاسع عشر ومرورًا بالقرن العشرين والى يومنا هذا، تُمارِس النخب الحاكمة في الغرب عدوانها على الشعب الروسي، حيث نتج عن التدخل الغربي المتمثل اليوم بالدول الاوروبية وأمريكا، وكندا في الماضي وفي الحاضر، سقوط الملايين من أبناء الشعب الروسي نتيجة التدخل الاستعماري في حروب مباشرة، أو من خلال التدخل بالشؤون الداخلية لروسيا، وفي الحروب الاهلية، وتمويل الجماعات الارهابية ضدها، بل أن الأمر وصل إلى شن التهديدات النووية الأمريكية الموجهة صوب روسيا. لقد تمت صياغة نقلات هذه الحروب لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية في إطار مشروع مانهاتن، عندما كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حليفين!
وفقًا لوثيقة سرية مؤرخة في 15 سبتمبر 1945، فقد “كان البنتاغون يتصور تفجير الاتحاد السوفييتي بهجوم نووي منسق موجه ضد 66 منطقة حضرية رئيسية، إذ تم إدراج جميع المدن الرئيسية في الاتحاد السوفييتي في قائمة 66 هدفًا “استراتيجيًا”. تصنف الجداول كل مدينة من حيث المساحة بالأميال المربعة، والعدد المقابل للقنابل الذرية المطلوبة لإبادة وقتل سكان المناطق الحضرية المختارة وفقًا لخطة عام 1956، حين كان تم إعداد سيناريو استخدام القنابل الهيدروجينية ضد “أهداف ذات الأولوية” في الاتحاد السوفييتي والصين وأوروبا الشرقية، بما في ذلك برلين الشرقية! إذ كان للاهداف “الرئيسية” “أولويات عالية” في “التدمير المنهجي” بالقنابل الذرية الأمريكية، و لِـ 1200 مدينة من “الكتلة السوفييتية”، التي كانت ممتدة جغرافيًا من ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) إلى الصين، و1000 مدينة روسية.
كل هذه المخططات إنما تدل على وحشية الغرب الذي تسبب بقتل الملايين من الروس، وها هم يريدون ويخططون مجددًا لانهاء الباقي من تلك الدول وشعوبها، من خلال شن الهجمات النووية والحروب البيولوجية، حيث قامت المختبرات العسكرية الامريكية بدراسات عميقة للجينات الروسية والقوقازية، وما زالت تقوم بهذه الدراسات، تمهيدًا لشن حروب بيولوجية لتدمير وتقسيم روسيا، وإعادتها كما يدعون الى “روسيا التاريخية”.
تتم اليوم مساعي متواصلة لإثارة واستفزاز روسيا لإنهاكها في القطب الشمالي، وفي دول البلطيق، وفي دونباس، والبحر الاسود، والقوقاز، وفي جمهوريات آسيا الوسطى، أي أن الهدف هو محاصرة روسيا بالارهابيين وبالحروب على حدودها لاحتوائها وتدميرها، لكون هذا مخطط قديم – حديث ومتواصل للغرب. أما بخصوص دونباس، فعلى الاوكرانيين أن لا يثقوا بهؤلاء الغربيين ولا بوعودهم الكاذبة لأنه عند وقوع الحرب لن يطلقوا طلقة واحدة دفاعًا عنهم، وسيهرب الغربيون، وان وجدت قوات أمريكية على أرض اوكرانيا، فلن تدافع عنهم، وسوف يتم تحييدهم بطريقة مفاجئة. والغربيون، سوف يحاولون ان يستخدموا الاوكرانيين كأدوات موت في حربهم الجيوسياسية ضد روسيا، والخاسر الوحيد هو الشعب الاوكراني ذاته، الذي خسر الملايين من ابنائه في القرن الماضي بسبب تدخل الطغمة المالية الغربية في روسيا واوكرانيا وافتعال حروب اهلية.
يجب ان تعلم الادارة الاوكرانية ان روسيا لن تسمح بتحول دونباس الى “سربرينتسا” جديدة، والامبريالية الجديدة لا تستهدف الشعب الروسي والاوكراني فحسب، بل وتستهدف أيضًا شعوب العالم. انظروا الى غرب آسيا وشمال أفريقيا، أينما حلوا هناك الحروب والدمار وموت الملايين والتهديد باستخدام الاسلحة النووية لمحو شعوب وأمم من على وجه الارض، وازالة دول من هذا العالم، والغرب يخدع الشعوب والامم بحقوق الانسان وغيرهما وهي هذه الغربية ذاتها من اكثر الدول التي تنتهك حقوق شعوبها وشعوب العالم.
القارة العجوز وامريكا العجوزة تترنح. وها هي وباعتراف مفكريها وقادتها في طريق الافول والانهيار والتقسيم، لأن حركة التاريخ هي التي تعمل، وافتعال الحروب والارهاب النووي لن تحل المشاكل ولن تطيل من عمرها، والتي يحلها إنما هي الاعتراف بحقوق الشعوب والتعاون السلمي بين الامم وتطبيق القوانين الدولية وتطويرها لخدمة الانسانية.
ان الولايات المتحدة بما تمتلك من قوة علمية ومالية واقتصادية وتكنولوجية تستطيع ان تكسب اكثر في تعاملها السلمي مع كل الامم بدون حروب، فليأخذ الغرب العبرة، ولا ينسى ان الحرب العالمية الاخيرة قد كلفته الضحايا بالملايين، وتدمير المدن، وقبل ذلك الانسان. وبالنسبة لامريكا، أصبحت اقرب الى العنف الداخلي والتقسيم، وهناك مدن امريكية أُبيدت على أيدي الغربيين انفسهم، وهذا ممكن ان يتكرر. كما ان الادارات الامريكيةما زالت تتدخل في الدول وفي الاقليات الدينية والعرقية، مُثيٍرة الحروب الاهلية وعدم الاستقرار في العالم.
لذا، يجب أن تعلم الولايات المتحدة والغرب بأن لديها اقليات دينية وعرقية قابلة للاستخدام لتفتيت الدول الغربية نفسها من الداخل، ويمكن استخدامها من الدول الاخرى دفاعًا عن أمنها القومي، والغرب الذي يتبجح بهزيمة النازيين والدفاع عن حقوق الانسان، يجب ان يتذكر أولًا تضحيات شعوب الاتحاد السوفييتي الذي انتصر الجميع به وبجهوده في الحرب العالمية الثانية.
في الحروب العالمية الاولى والثانية والحرب الباردة الطويلة سقط 74 مليون انسان. ولهذا، لا يجب ان لا تتكرر هذه الفاجعة، وما قبلها من فواجع انسانية، وعلى روسيا ان لا تثق بالغرب بعد قرون من الغدر، وان تتخذ إجراءاتها النافذة في البحر الاسود، لتذليل الحصار والعقوبات المفروضة على المؤسسات الروسية والافراد الروس لكون هذه إنما هي واحدة من أسلحة الحرب ضد روسيا، ويجب تفتيتها قبل شروعها بالهجوم على موسكو وشقيقاتها.
اليوم، أمام روسيا مسالك متعددة، يمكن ان تختار منها ما هو مناسب لشعبها. فإما أن تهلك روسيا، أو أن تؤمن نخبتها، وللسير من جديد على طريق تطهير جسدها الداخلي، خصوصًا تخليص روسيا من بعض الروس، وبخاصة من “النخب” الروسية المزعومة، وبعضًا من كبار الطبقة الوسطى المغرمين بأمريكا في أعماق أنفاسهم المريضة، فهؤلاء عائق أمام تطوير روسيا أولاً، وثانيًا ضرورة رفع مستوى معيشة المواطنين الروس وأبناء قوميات روسيا جميعًا، و تشجيعهم على الالتفاف حول الكنيسة الارثوذوكسية، وكل حسب معتقده.. وعلى الكل – دولة كبيرة وشعبًا روسيًا وأفرادًا – حماية الوجود الروسي. ان الحرب تستهدف وجود الاتحاد الروسي برمته، لذلك، على روسيا أن تبرز أنفتها وتطالب بالتعويضات نتيجة قتل الاسرى الروس بأيدي “الحلفاء الغربيين” في الحرب العالمية الثانية.
على روسيا أن تحاول طمئنة دول الجوار، وعليهم هم ان يطمئنوا إلى أن روسيا لن تستخدام اراضيهم. أما بخصوص اوكرانيا، فيجب ان تتعظ من تاريخها وان تتجنب المغامرات وان تحل مشاكلها سلميًا مع دول الجوار، فداء لارواح الملايين من شهداء اوكرانيا الذين قضوا نحبهم في القرن الماضي، وان لا تنسى ان الغرب كان احد اسباب وقوع الملايين من الشهداء في اوكرانيا، فكانت النتيجة ما كانت، أما الغرب فالتغيّر والتلوّن فيه كسياسة الشيطان، وبعضهم يريد حُكم العالم عبر العولمة، وبغيرها من الادوات.
في القادم من الايام والسنين ستدور الدوائر على الغرب نفسه إن استمر في انتهاج الطريقة العدائية نفسها ضد الشعوب. في حركة التاريخ ينبغي ان نعيش جميعًا كبشر سلميين وتحت مظلة القيم الانسانية والأخلاقية لبني الإنسان، وفي ظلال سلام قائم على العدل والمساواة والحرية لكل الشعوب.
لا للحروب.. لا للحصار.. لا للعدوان.. لا للعقوبات الاقتصادية.
*ملاحظة المحرر: تعكس المقالة وجهة النظر الشخصية للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي شبكة طريق الحرير.