شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم / وو فو قوي / عبد الكريم *
*ـ مستشرق وعضو مجمع الكتاب الثقافي الصيني الدولي
ـ عضو معهد العلوم والتقاليد الصينية للثقافية الدولية
ـ كاتب من الصين/ أحد أهم الخبراء في شؤون الشرق الأوسط الصيني
ـ كبير مستشاري الشؤون الثقافية في مركز الشرق الأوسط للدراسات و التنمية
ـ كبير مستشاري الشؤون الشرق الأوسط في دار نشر إنتركوننتننتال الصينية
*ناشر مُعتمد وثابت في موقع “شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية” في الجزائر، وصديق داعم ومُسانِد للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.
أتشرف كثيرا بأن اكتب هذ المقال بمناسبة العيد الوطني اليمني الثاني والثلاثين (32) لقيام الجمهورية اليمنية الذي يوافق 22 مايو 2022 م والذكرى الـ 66 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين واليمن بحلول الـ 24 سبتمبر 2022 م. وبهذه المناسبة اسمحوا لي أن أنقل تحياتي الحارة لفخامة الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس جمهورية اليمن وفخامة الرئيس شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية، وأيضاً أوجه تحياتي لحكومتي اليمن والصين وشعبيهما.
قد فُتحت آفاقا وسعة للتعاون في مختلف المجالات التي بدأت منذ الخمسينيات بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين واليمن بتاريخ 24 سبتمبر 1956 م، وتلى ذلك تقوية علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري والفني بين البلدين.
ومن الجدير بالذكر أن نشيد بالموقف المشرف للجمهورية اليمنية الصديقة الذي اتخذته حيال وحدة الأراضي الصينية، فقد اعتمدت وما تزال تعتمد موقفاً ثابتاً ومؤيداً لوحدة كامل الأراضي الصينية التي تشمل كل من هونغ كونغ وماكاو وتايوان ضمن أراضيها كجزء لا يتجزأ منها، وذلك كما كانت وما زالت جمهورية الصين الشعبية هي الأخرى بدورها تقف موقفاً مؤيداً لوحدة اليمن وقيام الجمهورية اليمنية على مر التاريخ الحديث والمعاصر وتبادل التفاهم والعون والمساعدة، وتوطيد العلاقات بين الدولتين على الساحة الداخلية والخارجية والمساهمة جنباً إلى جنب في حل القضايا الدولية حسب دور كل منهما.
لقد شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً في مختلف المجالات من خلال زيادة التبادل الثقافي والعلمي والتجاري، وقد أدى تبادل الزيارات بين المسؤولين من البلدين إلى تطوير وتعزيز وتقوية العلاقات بين البلدين، ومن أهم هذه الزيارت الزيارة الأولى لفخامة رئيس الجمهورية اليمنية المشير على عبد الله صالح إلى الصين في 24 ديسمبر 1987 م، ومن ثم زيارته الثانية إلى الصين في منتصف شهر فبراير 1998 م، وتلتهما زيارة نائب رئيس الجمهورية اليمنية عبد ربه منصور هادي للصين في 31 مارس 1999 م. وهذه الزيارات زادت من قوة العلاقات بين البلدين وخاصة في المجال التجاري والاقتصادي.
تعتبر العلاقات اليمنية الصينية علاقات تاريخية قديمة، حيث كانت اليمن محطة رئيسية وتاريخية لوصول البضائع من الصين إلى الشرق الأوسط وأوروبا، أي أن اليمن كانت همزة الوصل بين الشرق والغرب في القرون الماضية.
وأقيمت العلاقات الدبلوماسية بين المملكة اليمنية وجمهورية الصين الشعبية بتاريخ 24 سبتمبر 1956 م، وفي الوقت الذي كانت تعاني فيه الصين من محاولة عزلها سياسياً من قوي الغرب، تعتبر اليمن ثالث دولة عربية بعد مصر و سوريا التي أقامت علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية.
وبدأت علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين بتاريخ 12 يناير 1958 م. وبعد قيام الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962، بادرت جمهورية الصين الشعبية بالاعتراف بالنظام اليمني الجمهوري الجديد. وتبع هذا الاعتراف عقد معاهدة الصداقة بين البلدين في شهر يونيو 1964م ( التي حلت محل المعاهدة التي سبقتها) بالاضافة إلى تأييد جمهورية الصين الشعبية لليمن للحصول على الاستقلال من حكم الاستعمار البريطاني في المحافظات الجنوبية من اليمن.
وكما ذكرنا آنفاً، بعد قيام الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962 م و 14 أكتوبر 1963 م، دخلت علاقات البلدين مرحلة جديدة، والتي فتحت آفاق أوسع للتعاون في مختلف المجالات، وقدمت جمهورية الصين الشعبية يد العون والمساعدة والقروض مساهمة منها في تطوير مجالات التنمية في اليمن، ومثال على ذلك:-
مشروع طريق صنعاء – حديدة
مشروع طريق صنعاء – صعدة
مصنعا الغزل والنسيج في كل من صنعاء وعدن، وغير ذلك.
وبالمقابل كانت اليمن من أكثر الدول تأييداً وتعاطفاً مع القضية الصينية، حيث أيدتها وبدون تحفظ في الأمم المتحدة لاستعادة المقعد الشرعي للصين في المنظمة الدولية حتي تم لها تحقيق ذلك في ديسمبر 1971 م، كما تقف الجمهورية اليمنية موقفاً ثابتاً من مسألة تايوان التي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أراضي جمهورية الصين الشعبية، علاوة على ذلك عدم ارتباطها بتايوان بأية علاقات رسمية من أي نوع.
وبدا تطور علاقات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات واضحاً من خلال ازدياد عمليات التبادل التجاري والعلمي والثقافي، وقد أدى تبادل الزيارات بين المسؤلين في كل من البلدين إلى تطوير وتعزيز وتقوية العلاقات بين البلدين، ومن أهم هذه الزيارات الزيارة الأولي لفخامة الرئيس على عبد الله صالح للصين في 24 ديسمبر 1987 م، ومن ثم زيارته الثانية للصين في منتصف شهر فبراير 1998 م التي أدت إلى زيادة قوة العلاقات بين البلدين، وبالأخص في المجال التجاري والاقتصادي، حيث تعمل حالياً في اليمن مؤسسات صينية في عدة مجالات منها مجال الطرق والبناء والبترول، بالاضافة إلى ارسال بعثات طبية صينية كثيرة وغير ذلك.
تستورد الصين البترول الخام من اليمن، بينما تستورد اليمن الصادرات الصينية المختلفة في الوقت ذاته، فمثلاً تستورد اليمن من الصين الأغذية ومنتجات الصناعات الخفيفة ومواد البناء والمعادن والمنتجات الإلكترونية والكهربائية والألات وغيرها. وما زالت العلاقات اليمنية الصينية مستمرة في طريق التطور والاذهار في ضوء هذا التبادل.
العلاقات الصينية – اليمنية: علاقات يرجع تاريخها إلى ألف عام
العلاقات اليمينة – الصينية هي علاقات موغلة في القدم إذ بدأت الاتصالات في القرن الأول الميلادي عندما كان ميناء عدن اليمني يلعب دوراً هاماً في التجارة بين مصر والهند والصين، حيث كان يتم في ميناء عدن مقايضة منتجات الهند والصين بمنتجات مصر والحبشة، كما كان التجار يقايضون مع الصين المرجان والمنسوجات الصوفية بالحرير والديباج والشاي الذي تنتجه الصين.
قد شهدت العلاقات خلال هذه المدة الطويلة أنماط اتصالات مختلفة وتبادلات تجارية ودبلوماسية متميزة. هناك مؤرخون عرب وصينيون تطرقوا في كتاباتهم إلى العلاقات اليمنية – الصينية.
فقد أشار الجغرافي الصيني المعروف CHIA TAN إلى طريق بحري بدأ من ميناء GUANG ZHOU (730 – 805م) ويتجه إلى ملقا ثم غربا الى عدن.
وذكر المؤرخ الصيني CHI CHU FAN في كتابه “سجلات البلاد الأجنبية” CHOU JU KUA (1178م) مناطق عدن يمنية حتي أنه وصف الطرق الداخلية في اليمن، وأشار هذا الكتاب إلى أهم المنتجات اليمنية التي كانت تصدر إلى الصين وهي البخور HUN LU والتوابل والعطور وغيرها. أما البضائع التي كانت تُستورد من الصين إلى اليمن فكانت الحرير والخزف والذهب والفضة والمسك التبتي.
ومن العرب الرحالة العربي ابن بطولة الذي قام برحلته إلى الصين في القرن الثالث عشر الميلادي، حيث ذكر أثناء وصفه لميناءGUANG ZHOU أن هناك جالية يمنية كانت تعيش في هذه المدينة خلال حكم أسرة يوان الملكية في الصين.
ومن الأدلة والمعالم الأثرية على وجود الجاليات اليمينية بالصين في هذه العصور، يوجد حالياً في متحف جامعة شيامن الصينية حجر منقوش عليه كتابات عربية كان جزءاً من بوابة مسجد قديم، وتشير المصادر الصينية إلى أن تاريخ هذا الحجر يعود إلى ما قبل القرن الثالث عشر الميلادي الذي كتب عليه بنى هذا الباب وأحاط الحائط بهذا المسجد المبارك الشيخ التقي النقي/ عمر بن أحمد بن منصور بن عمر الأبيني اليمني تقبل الله منه وغفر له.
وفي مدينة ينتشوان حاضرة منطقة نينغشيا ذات الحكم الذاتي لقومية هوي المسلمة توفي الداعية اليمني/ كمال الدين بن عثمان عام 1628 م، ودفن في منطقة قونغ تشونغ وأقام المسلمون الصينيون ضريحاً ومسجداً عام 1644 م، وذلك تخليداً لهذا الداعية التي قضي أكثر من ثلاثين عاماً في هذه المنطقة لتدريس التعاليم الإسلامية، وقد رفع المسلمون الصينيون في هذا الضريح أعلاماً حريرية ولوحات تقديرية كتب عليها “ترابط القلوب بين الصين واليمن” (المعلم الفاضل للمسلين).
وقد جاء في كتاب “تاريخ أسرة مينغ” أخبار زيارات البحّار الصيني المسلم تشانغ خي (ZHENG HE) الذي أرسله الإمبراطور الصيني تشو لي على رأس أسطول تجاري ضخم لتعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية بين الصين و قارتي أسيا وإفريقيا الذي زار ميناء عدن اليمني عام 1416م مبعوثاً من قبل الإمبراطور الصيني، وقد قام الحكام اليمنيون بالرد على هذه الزيارة بإرسال بعثة يمنية إلى البلاط الصيني مع خطاب وهدايا ثمينة إلى إمبراطور الصين، وقد أوضح الكتاب أن أربع بعثات يمنية زارت الصين خلال حكم أسرة مينغ .
العلاقات الدبلوماسية بين البلدين
جاءت العلاقات الدبلوماسية الصينية – اليمينة امتدادا للعلاقات التجارية القديمة بين البلدين. وقد اتخذت الدبلوماسية اليمنية عدة مواقف تؤكد الموقف اليمني المتعاطف مع جمهورية الصين الشعبية. ففي فبراير 1950م قاوم الوفد اليمني الضغوط الغربية للتصويت لصالح قرار يدين موقف الصين خلال الحرب الكورية، وقد كانت اليمن من أوائل الدول التي تعاطفت مع الصين حيث صرح مسؤل يمني كبير عام 1954م أن حكومته تؤيد بشدة الأصوات التي تدعو إلى الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية.
تقف الجمهورية اليمنية موقفا ثابتا مؤيدا من وحدة كامل الاراضي الصينية (هونغ كونغ وماكاو وتايوان) كما وقفت جمهورية الصين الشعبية موقفا مؤيدا لوحدة اليمن وقيام الجمهورية اليمنية، علماً أن اليمن كانت تدعم بقوة المساعي الصينية لاستعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة كممثل وحيد للشعب الصيني وذلك حتي تحقق هذا الهدف، وكانت اليمن ضمن الدول التي صوتت في 25 / أكتوبر / 1971 م لصالح المشروع الألباني – الجزائري الذي أخرج ممثل تايوان من الأمم المتحدة.
إن الوحدة اليمنية تعني للشعب اليمني الحياة و المستقبل، وفي نفس الوقت تعني الأمن والاستقرار للمنطقة، أي أنها لا تشكل أي خطر على أحد، بل أنها قد سعت لحل خلافات الحدود مع جيرانها بالطرق الحضارية السلمية مثال على ذلك حل الخلافات الحدودية بعد الوحدة بين اليمن وكل من السعودية وسلطنة عمان وإرتيريا وذلك بطرق سلمية تحافظ على العلاقات الأخوية و التاريخية بين اليمن و جيرانها.
وقد كان أول اتصال رسمي في العصر الحديث بين مسؤلين يمنيين وصينيين في إبريل 1955م وذلك خلال انعقاد مؤتمر باندونغ الشهير، حيث نسق الوفد اليمني ضمن مجموعة الوفود العربية موافقة مع الوفد الصيني الذي ترأسه الزعيم الصيني المعروف تشو أن لاي وذلك لعدم حركات التحرير الوطني في آسيا و إفريقيا.
وأول زيارة رفيعة المستوي للصين في تلك الفترة كانت زيارة وفد ضم كبار المسؤلين اليمنيين وذلك في 13 يناير 1958م حيث تم خلال هذه الزيارة إجراء محادثات سياسية هامة و التوقيع على اتفاقية صداقة بين البلدين و التي تعتبر أول اتفاقية صداقة توقعها الصين مع دولة في الشرق الأوسط.
ففي 24 سبتمبر عام 1956 أقامت جمهورية الصين الشعبية العلاقة الدبلوماسية مع المملكة المتوكلية اليمنية، حيث أصبح اليمن ثالث دولة عربية أسست العلاقة الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية. بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، تم تحديد تاريخ إقامة العلاقة الدبلوماسية بين البلدين في 24 سبتمبر عام 1956. يصادف اليوم الذكرى الـ66 لإقامة العلاقة الدبلوماسية بين البلدين، فيطيب لي أن أقدم الشكر الخالص والتحيات الطيبة للأشخاص الذين بذلوا جهودا دؤوبة من كل الفئات والمجالات لتعزيز الصداقة الصينية اليمنية!
على مدار 66 عاما الماضية، نتطرق إلى الأحدوثة الطيبة التي تظهر عمق العلاقة الصينية اليمنية مراراً وتكراراً. في عام 1962 تم بناء طريق صنعاء- الحديدة بمساعدة الصين، وبعد ذلك امتلك الشعب اليمني الطريق الخاص به. في عام 1966 بدأت الصين إرسال الفرق الطبية إلى اليمن. في 25 أكتوبر عام 1971 دعم اليمن بشكل حازم استعادة المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة. في 14 سبتمبر عام 1995 أقامت شانغهاي وعدن العلاقة الودية. قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة اليمن في 24 يونيو عام 2008 عندما كان نائب الرئيس. في 25 إبريل عام 2019 وقعت الصين واليمن “مذكرة التفاهم بين حكومتي الجمهورية اليمنية وجمهورية الصين الشعبية في إطار مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين” خلال الدورة الثانية لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي. إن الأمثلة لا تُعد وتُحصى.
نثق بثقة راسخة بأن العلاقة الودية بين الصين واليمن مثل شجرة التين الشوكي في أرخبيل سقطرى التي أصبحت أكثر عمقاً لجذرها ووفرة لأرواقها وحيوية وقوة لجذعها مع مرور الزمن وبعد اختبارات الرياح والأمطار. عند نقطة الانطلاق التاريخية الجديدة، دعونا نغتنم الذكرى الـ 66 لإقامة العلاقة الدبلوماسية بين الصين واليمن كفرصة لمواصلة تعميق الثقة السياسية المتبادلة وتوطيد الصداقة التقليدية والمشاركة في فرص التنمية وتوسيع التعاون المتبادل المنفعة وتعزيز التطور المستمر للقفزة إلى الأمام للعلاقة بين الصين واليمن.