خاص بشبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
*بقلم: وو فو قوي / عبد الكريم
ـ مُستشرق وعضو مَجمع الكتاب الثقافي الصيني الدولي؛
ـ عضو مَعهد العلوم والتقاليد الصينية للثقافة الدولية؛
ـ كاتب من الصين/ وواحد من أهم الخُبراء في شؤون الشرق الأوسط
-صديق قديم للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب أصدقاء (وحلفاء) الصين ولرئيس للاتحاد.
بالنسبة لي كمتخصص عبر العقود بالشؤون الأردنية والعربية الصينية، فإن علاقتي بالمملكة الأردنية الهاشمية الصديقة لم تكن بدايتها في عام 1996، وانما كانت بدايتها قديمة، أشرعتُ ساريتها في عام 1977. أنذاك بالذات، أقام البلدان الصين والأردن علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء والسفارات كاملة، حيث كنّا نقرأ عن الأردن دائماً، وعن أهداف المملكة وقيادتها الخلاقة، وعن زعيمها العملاق جلالة المغفور له باذن الله الملك الحسين بن طلال؛ كذلك قرأنا وما زلنا نقرأ للآن وسنقرأ في المستقبل أيضاً عن صاحب الجلالة الهاشمية؛ الملك الحالي؛ عبدالله الثاني إبن الحسين المعظم، حفظه الله ورعاه، ونقرأ عن الشعارات التي يرفعها في الأعالي من أجل تحقيق أماني شعبه العربي الأردني ومبادئ الثورة العربية الكبرى في التحرّر الشامل والتنمية والوحدة العربية الكبرى المُنتجة تقدماً وتطوراً والمُحرِزة مكانة عالية ورفيعة متميزة.
منذ عام 1977، وحتى الوقت الحاضر، كنت شرعت أنا في العمل البحثي للتبادل الودي بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة الأردنية الهاشمية الصديقة، وها أنا أواصل هذا العمل الشريف لتعزيز الصداقة والتفاهم المشترك بينهما، حيث أتيحت لي الفرصة لزيارة الأردن عدة مرات، كان من نتيجتها تعمّق وتعاظم ايماني بقدرات الشعب الأردني العظيم، وتجلّى ذلك في رسالة المقال التي أعددتها تحت عنوان (العلاقات الصينية – الأردنية: “مسيرة ما يقرب من نصف قرن من الدبلوماسية الناعمة”).
في يوم 7 أبريل / نيسان 1977 أسست الصين والأردن علاقاتهما الدبلوماسية. وحلّت علينا هذا العام الذكرى الـ43 على تأسيس هذه العلاقات. وفي تلك اللحظات التذكارية، وإن التفتنا إلى الأحداث التي مرت بالبلدين في إطار العلاقات بينهما خلال السنوات الماضية، فستلوح أمام أعيننا العديد من المقتطفات التاريخية المشرقة والأحداث المؤثرة.
أما عن العلاقات بين المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية الصين الشعبية، فقد عملت القيادتان الأردنية والصينية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين، في عام 1977، على تدعيم وتمتين أواصر الصداقة والمودة وتطوير وتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية. فقد حرص جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم منذ الأشهر الأولى لتسلم جلالته مهامه الدستورية على زيارة الصين، والالتقاء بقادتها والتباحث معهم حول أفضل السّبُل لتنمية وتطوير العلاقات بين البلدين في المجالات كافة.
كما التقى جلالته العديد من الشخصيات الصينية العليا ومديري كبريات الشركات الصينية في زيارته الأولى إلى الصين بعد تسلمه سلطاته الدستورية – والتي تمت خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) من عام 1999، ورافقته فيها جلالة الملكة رانيا العبدالله، وعدد من كبار المسؤولين، من كبار رجال الأعمال. وهكذا كانت الزيارة الملكية الأولى إلى الصين ناجحة جداً وأدّت الغرض منها، إذ شكّلت زخماً كبيراً ودافعاً لمسيرة العلاقات المباشرة والوازنة للأمام، وعبر سفارة كل منهما لدى البلد الأخر للاستفادة من هذا الزخم والبناء عليه، من أجل نقل علاقات الصداقة الودية بين البلدين إلى فضاء نوعي.
وبعد أقل من تسعة أشهر من الزيارة الملكية الأولى للصين، التقى جلالة الملك عبدالله الثاني مجدداً فخامة الرئيس جيانغ زيمين رئيس جمهورية الصين الشعبية آنذاك، على هامش قمة الألفية التي عقدت في نيويورك خلال شهر أيلول (سبتمبر) من عام 2000، وقد تم التباحث خلال هذا اللقاء الودي بين القيادتين الأردنية والصينية في كيفية تطوير العلاقات الثنائية ودفعها قدماً إلى الأمام، بالإضافة الى ما تم من تبادل لوجهات النظر في قمة الألفية..
وفي كانون الثاني (يناير) من عام 2001 قام فخامة السيد خو جن تاو؛ وكان نائباً لرئيس الجمهورية آنذاك، بزيارة رسمية الى الأردن، التقى خلالها جلالة الملك عبدالله الثاني الذي استقبله في بيته “بيت البركة” في جو أشبه ما يكون بأجواء الأصدقاء العائلية. وقد بحث الزعيمان مجدداً سياق العلاقات الثنائية، وعقدا العزم على تطويرها، كما بحث السيد خو جن تاو مع رئيس الوزراء الأردني آنذاك، السيد على أبو الراغب، العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري والتعاون الاستثماري بين البلدين.
ومرة أخرى، في كانون الثاني من عام 2002، نفّذ جلالة الملك عبدالله الثاني زيارته الثانية إلى الصين، حيث التقي مجدداً فخامة الرئيس الصيني وعدد من كبار المسؤلين. كما زار جلالته في تلك الزيارة مدينتي شانغهاى وجيانغسو، والتقى بالمسؤلين ورجال الأعمال والصناعيين وكبار المدراء التنفيذيين فيهما، كما زار جلالته هونغ كونغ والتقى الفعاليات الاقتصادية والصناعية والتجارية، وكانت الزيارة الثانية أيضاً ناجحة جداً في المنظور السياسي والمنظور الاقتصادي، وعملت على تشجيع وتدعيم التبادل التجاري والتعاون الاستثماري، وخلقت زخماً جديداً أرتقى بالعلاقات الثنائية في كافة المجالات إلى أرقى المستويات وأرفعها.
ولعل نظرة فخامة متأنية إلى ما أسفرت عنه هذه الجهود الخيرة للقيادتين الأردنية والصينية الساعيتين إلى تنمية وتطوير العلاقات الثنائية بين الأردن والصين، تشير بالتأكيد إلى نتائج إيجابية، لعل أهمها تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات القليلة الماضية، كذلك فقد تكثّفت سُبل وعناوين التعاون الاقتصادي والأستثماري بينهما، إذ أرتفع عدد الشركات الصينية المستثمرة في الأردن إلى أكثر من عشر شركات، كما زادت قيمة هذه الاستثمارات بأكثر من النصف. ومن ناحية اخرى فقد ازداد عدد التجار ورجال الأعمال الأردنيين، سواء الذين يستثمرون أموالهم في الصين، أو الذين يزورون هذا البلد الصديق لاستيراد الكثير من البضائع الصينية لسد حاجة السوق الأردنية، إضافة إلى جزء من حاجات أسواق الدول الشقيقة والمجاورة.
كذلك عملت الحكومتان الأردنية والصينية خلال الأعوام القليلة الماضية وبتوجيه من القيادتين، على تدعيم وتكثيف التشاور بينهما في المسائل السياسية الدولية والإقليمية كافة، حيث تلاقت وجهات نظر البلدين وزاد التنسيق بينهما حول معظم هذه المسائل المطروحة على الأجندة الدولية، وفي أروقة منظومة الأمم المتحدة وعلى جدول أعمال المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى.
من ناحية أخرى، فقد تضاعفت الزيارات المتبادلة بين البلدين الصناعية والتجارية والاتحادات المهنية وجمعيات الصداقة والوفود الإعلامية ووفود الكتّاب والأدباء والمثقفين، كما عُقدت عدة حلقات دراسية بين مراكز الأبحاث والدراسات في البلدين، وأُلقيت المحاضرات، وأقيمت الندوات التي تركزت حول العلاقات العربية الصينية والعلاقات الثنائية الأردنية الصينية.
كما اتّسع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وافتتح الأردن خلال عام 2003 الماضي ملحقية عسكرية في بكين، تعمل جنباً إلى جنب مع الملحقية العسكرية الصينية في عمّان، لتمتين أواصر علاقات الصداقة بين جيشي البلدين، وزيادة التعاون بينهما بما يخدم أهداف السلام العالمي والاستقرار الدولي والإقليمي، ووجد الأردن في الصين مصدراً معقولاً ومشجعاً لتلبية احتياجات جيشه غير الحربية من الملابس والمعدات، كما عمل البلدان على تعزيز تبادل الخبرات والتعاون في مجالات الدراسة والتدريب.
أخيراً، وحيث أن العلاقات بين البلدين الصديقين الأردن والصين لاتتسع لها مثل هذه العجالة، أود أن أعيد التأكيد على أن اهتمام قيادتي البلدين وسهرهما على تمتين الصداقة وعرى المودة وتدعيم العلاقات وتعزيزها في المجالات كافة، إنما يُشكّل حجر الزاوية لتحقيق الأهداف والغايات النبيلة التي يتطلع إليها شعبا البلدين الصديقين، ويُعطي زخماً للجهود الجبارة التي تقوم بها حكومتا الأردن والصين من أجل تمتين وتعزيز الصداقة بينهما، والتي أصبحت أقرب إلى الشراكة منها إلى الصداقة، وتقترب يوماً بعد يوم من تحقيق مستوى من العلاقات الودية الطيبة التي تنسجم مع روح العصر وتواكب تطوراته.
وفي الفترة الأخيرة التي تزيد عن ثلاث وأربعين عاماً، تكثف التبادل الصيني الأردني على المستوي الرفيع، فقد زار جلالة الملك عبدالله الثاني الصين 8 مرات. كما أن القادة الصينيين زاروا الأردن أكثر من مرة. وفي سبتمبر من عام 2015 كانت هناك زيارة رسمية إلى الصين التقى جلالة الملك خلالها في بكين فخامة الرئيس شي جين بينغ ورئيس مجلس الدولة لي كه تشانغ وعدد من المسؤولين الصينيين، حيث تم توقيع اتفاقية رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوي الشراكة الاستراتيجية.
أنذاك، وقّع فخامة الرئيس شي جين بينغ مع جلالة الملك عبدالله الثاني بياناً مشتركاً، وهو ما عمل على رفع العلاقات الثنائية الى مستوى الشراكة الاستراتيجية. وقد أكد الجانبان مرة أخرى خلال هذا البيان على الدعم المتبادل في القضايا المتعلقة بمصالح الطرف الآخر, وأعتقد شخصياً أن ذلك يمثل أساساً ومقدمة لضمان استمرار العلاقات الثنائية وتمتعها بالعافية والاستقرار، وهو أمر يحتاج إلى أن نثمنّه ونعتز به أيّما اعتزاز.
أما جلالة الملك عبدالله الثاني إبن الحسين فينظرون إليه نظرة خاصة، تتمحور حول ديناميكيته وفاعليته، إذ تتميز شخصيته بالنشاط المليء بالقوّة والحيويَّة، لا سيّما في اختيار المشاريع المشتركة بين البلدين، ولإشرافه المباشر على إدارة المفاوضات الخاصة باتفاقياتها، ومتابعته الحثيثة لتنفيذها، والوقوف على تفاصيل سير العمل فيها. كما يرون في جلالته رمزاً للقيادة الشابة المتحفزة والناضجة التي تميل الى التوازن في العلاقات والحسابات.
إن الصينيين يعرفون أن جلالة الملك عبدالله الثاني إبن الحسين هو أكثر زعماء المنطقة العربية في زياراته للصين. وقد حضر جلالته شخصياً فعاليات المعرض الصيني العربي أكثر من مرة. وتبادل مع المسؤولين الصينيين الأراء حول العلاقات الثنائية، وقضايا أخرى مختلفة. كذلك، زار جلالة الملك المعرض الصيني العربي في عام 2013، وأشرف على المعرض بالمشاركة في فعاليات الافتتاح التي جرت في مدينة ينتشوان بمقاطعة نينغشيا عام 2015، باعتبار المملكة الأردنية الهاشمية ضيف الشرف في هذا المعرض، الأمر الذي أدى إلى دفعة قوية للعلاقات الثنائية، وضخ فيها دماً جديداً وأملا جديداً
باختصار، انها لسعادة غامرة أن أُعرب عن اهتمامي الخاص لتسارع دوران عجلة تطور وتنامي العلاقات الصينية الأردنية في السنوات الأخيرة، وهو ما قمنا بتناوله وتوضيحه ضمن هذه المقالة. أما بالنسبة للمواقف السياسية، فهناك تفاهم كامل بين الطرفين الصيني والأردني حول ما يجب إتّباعه لإعادة الأمن والاستقرار في منطقة (الشرق الآوسط)، ولإقامة نظام سياسي اقتصادي دولي عادل، وهو الأمر الذي أوضحه القادة الأردنيون وإلى جانبهم القادة العرب، والأمين العام لجامعة الدول العربية، والقادة الصينيون كذلك، في مناسبات مختلفة.
وفي هذه العُجالة، بودي التأكيد على إن ما يدعونا للتفاؤل بمستقبل واعد ومتواصل الانتاج في كل الحقول للعلاقات الصينية الأردنية، هو الشعار الباهر والواقعي والواعد الذي يرفعه الطرفان الآن، ألا وهو: “لنكن شركاء في السلام والتنمية في 21 القرن”.
نحن مُفعمون بالثقة للآفاق الجميلة للعلاقات الصينية – الأردنية انطلاقا من المناسبة التاريخية للذكرى الـ43 عاماً لإقامة العلاقات الدبلوماسية الصينية – الأردنية.. فلنتقدم يداً بيد ونرث الصداقة ونخلق المستقبل بالإخلاص والتعاون.
*التدقيق اللغوي والتحرير الصحفي: الأكاديمي مروان سوداح.
*المراجعة والنشر: الاستاذ عبد القادر خليل.
مقال ممتاز ومتكامل اعجبني كثيرا
نريد مزيدا من هذه المقالات الموضوعية والثرية.
مقال مهم للغاية للاستاذ الشهير وو فو عبد الكريم المكرم لم يسبق له مثيل وهو باحث ومتخصص صيني بشؤون الصين والاردن
الى الامام استاذ وو بمقالات جديدة لتغدو شهيرا بالصحافة الاردنية……..