خاص بشبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
الصين والقضية الفلسطينية.. ديمومة الرؤية الحكيمة
أ.م. احمد موسى نصار
*الكاتب باحث ومتخصص فلسطيني في الشؤون الصينية والفلسطينية – (الإسرائيلية) – الصينية، وصاحب أطروحة علمية متميزة في هذا المجال، وعضو ناشط من المجموعة الأولى المؤسسة للإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين. مًقيم في الصين، ويُمثل (الاتحاد الدولي) في جمهورية الصين الشعبية في عدة فضاءات.
لا يختلف المتابعون للقضايا الدولية على دور الصين المركزي والمؤثر في العالم، وتتركز السياسة الصينية الخارجية تجاه قضايا المنطقة العربية على عدالة هذه القضايا بما يسمح بتحقيق مصالح الشعوب والتأكيد على أمنها واستقلالها والحفاظ على الأرواح ونبذ العنف واللجوء للحلول السلمية، ولعل على رأس هذه القضايا الدولية في المنطقة العربية التي يسميها الاستعمار الدولي التقليدي بِ (الشرق الأوسط) القضية الفلسطينية، والتي تبلورت رؤية الصين تجاهها منذ زمن بعيد، ولم تتغير هذه الرؤية المعتدلة مع تغير العوامل والمؤثرات سواء في فلسطين او في العالم على حد سواء.
في الحقيقة ان الصين لم تكن بمنأى عن الاحداث الأخيرة التي نشبت في القدس المحتلة وقطاع غزة في مايو ٢٠٢١، حيث أكد الرئيس الصيني شى جين بينغ ومعه قيادات الحزب الشيوعي الصيني في العديد من المناسبات واللقاءات مع القيادة الفلسطينية تأييد بلاده لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة على أساس حدود عام ١٩٦٧، وأن القضية الفلسطينية يجب أن توضع على سلّم الأولويات، وإن دعم الشعب الصيني للشعب الفلسطيني صادق ومن أعماق القلب، وستؤيد الصين بثبات قضية الشعب الفلسطيني العادلة، ودعت الصين أكثر من مرة لرفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، وقدمت العديد من المساعدات والاعانات للشعب الفلسطيني خلال العدوان (الإسرائيلي) على القطاع ابان حروب ٢٠٠٨، ٢٠١٢، ٢٠١٤، وحتى عام ٢٠٢١، ونلاحظ في هذا الصدد تعاطف الاعلام الصيني مع حجم الدمار والتخريب الذي لحق بغزة في الحرب الأخيرة، فقد فتحت الصين منصاتها الإعلامية لمتابعة المجريات هناك، وتبنت الرؤية الفلسطينية الصادقة بأن ما حدث ما هو الا محاولة (إسرائيلية) لوأد أي حراك او محاولة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
إن الرؤية الصينية الثابتة والواضحة للقضية الفلسطينية تؤكد على حكمة هذه الرؤية وعدالة قضيتها في نفس الوقت، فالصين – الدولة الاقتصادية العظمى والأولى في العالم – وعلى الرغم من مصالحها المرتبطة بالعديد من الدول التي لا تتبنى رؤيتها تجاه فلسطين، فإنها تؤكد على أن جذور الصراع بين (إسرائيل) والفلسطينيين تكمن في بقاء القضية الفلسطينية عالقة دون حل، وفي هذا الصدد تدعم الصين حق فلسطين في إقامة دولة مستقلة، مع ضرورة توفير المساعدات للشعب الفلسطيني، وكذلك فإن الصين دائماً ما تدعو (إسرائيل) الى الالتزام بالقانون الدولي والمعاهدات الدولية ذات الصلة، كما دعت بذلك في مجلس الأمن في الجلسة النقاشية المفتوحة بتاريخ ١٦ مايو ٢٠٢١.
توّجت هذه الرؤية الصينية بالمبادرة الصينية للسلام والمكونة من خمس نقاط لتعزيز الأمن والاستقرار في جغرافية المنطقة العربية، وكانت هذه المبادرة طرح للصين في الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني، حيث طرح وزير الخارجية الصيني خلال الاجتماع الذي عقد افتراضياً بنود هذه المبادرة بالتأكيد على دعم الصين لجهود دول المنطقة العربية بالدفاع عن سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها، والدعوة للاحترام المتبادل والانصاف والعدالة، وحل القضية الفلسطينية بما يكفل حقوق الشعب الفلسطيني ونشر حالة الأمن والاستقرار، مع الدعوة لمؤتمر دولي في هذا الشأن، وتحقيق عدم انتشار السلاح النووي وتسريع وتيرة التنمية والتعاون، والعمل المشترك لتحقيق الأمن الجماعي، الأمر الذي رحب به وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في اجتماعه مع سفير جمهورية الصين الشعبية لدى فلسطين.
إن مكانة جمهورية الصين الشعبية دوليًا وتأثيرها كدولة عُظمى يجعلنا نتوقف لدراسة هذه المبادرة الشجاعة بكل تفاصيلها، وتدعونا هذه الجهود المتميزة من الصديقة الصين لاستغلال الفرصة المميزة لتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته، فالصين التي عانت من ويلات الحروب عبر تاريخها تعي جيداً ان الاستقرار هو الخيار الأمثل للمنطقة العربية وفلسطين على وجه الخصوص، ومبادرتها الأخيرة للسلام تؤكد بما لا يترك مجالاً للشك ان الصين دولة تسعى لتحقيق مصالح الشعوب واستقرارها دون التدخل في شؤونها الداخلية، وهنا لا يمكن وصف هذه الرؤية الصينية والدعم المستمر للشعب الفلسطيني إلا بديمومة حكيمة من السياسة المتزنة التي تخدم مصالح الجميع.