شبكة طريق الحرير الصيني الاخبارية/
الأنباط الأردنية/
بقلم: الأكاديمي مروان سوداح
لم تسعَ جمهورية الصين الشعبية، وهي أكبر دولة مجاورة لأفغانستان، لا إلى إعلان العداء لأفغانستان طالبان، ولا لفرض عقوبات على تلك الحركة وتلكم الدولة التي تديرها الحركة، ولا إلى إبراز مطالب ما بوجه قادة أفغانستان كما تفعل بعض الدول التي تفرض رأيها ومسارها ونهجها على دول أخرى كشروط لمد يد المساعدة إليها.
التقارب الصيني الأفغاني أنجز في الساعات الأخيرة من سبتمبر الماضي الدفعة الأولى من المساعدات الإنسانية الطارئة التي تُقدِّمها الحكومة الصينية لأفغانستان، واستقبلها في المطار خليل الرحمن حقان، القائم بأعمال وزير شؤون اللاجئين في الحكومة الأفغانية المؤقتة، ومَن شاهد الصور عن ذلك اقتنع بأن بكين وكابل تسيران ببطء، لكن بثقةٍ، في طريق تطبيع علاقاتهما وتدعيم ركائزها وتفاهماتها ونتاجاتها وتوليداتها السلمية.
تصريحات السفير الصيني لدى كابل وانغ يو، أن بلاده مستعدة لمواصلة المساعدات الإنسانية غير المشروطة لشعب أفغانستان، كان لها وقعٌ إيجابي كبير في العَالَم إذ أكدت سياسة الصين المتوازنة، وحرص بكين على أجواء السلام والتعاون مع كابل بالاتجاهين، وللحفاظ على هدوء واستقرار الحدود مع الجارة الأفغانية التي تحد الصين من الغرب، فضمنت الصين استقرارًا في أقصى غربها الجغرافي، وللحؤول دون أيّ تدخلات لقوى متطرفة في أحوال المناطق الصينية الغربية، وبالأخص في شينجيانغ التي عانت من عمليات إرهابية كثيرة خلال السنوات الماضيات، بغية فرض حالة من التململ الشعبي والقومي الذي قد يَقود الإيغور – كما كان يَعتقد أصحاب الأجندات الخارجية – إلى الانفصال عن الوطن الأم – الصين، وبالتالي تحويل الصين إلى دولة مضطربة يَسهل تفتيتها!
وكالة “خاما برس” الأفغانستانية أكّدت لقاء السفير الصيني مع خليل حقان، ونتج عنه تعهّد الصين بوصول مساعداتها الإغاثية لكابل بحلول فصل الشتاء هذا العام، إضافة إلى أن الصين ستقدم للشعب الأفغاني 15 مليون دولار كمساعدات إنسانية، ومليون جرعة من لقاح كورونا، وتأتي تلك الإغاثة في الوقت الذي يحتاج فيه أكثر من 18 مليون شخص في أفغانستان إلى مساعدات إنسانية مع اقتراب الشتاء.
إضافة إلى كل ذلك، تعمل الصين في إطار نهج التعاون وحسن الجوار مع أفغانستان طالبان على حل المشكلات الداخلية الكثيرة لأفغانستان، والنهوض بها في مجالات عديدة ما يصب في خدمة الأفغانيين وأوضاعهم، وترطيب الأجواء في بلادهم، ونزع فتيل أي اضطراب قد يطرأ على علاقات الدولتين، وتعزيز نقاط التلاقي بينهما إحباطًا لأي تدخل سياسي تخريبي محتمل بينهما، مِمَّا يُخفِّض إلى أدنى درجة نِسب المواجهات المُحتملة بين كابل والعواصم الأخرى، ويعمل على حماية دول آسيا الوسطى السوفييتية سابقا من أية عمليات تخريبية لقوى متطرفة، ويثبِّت أجواء الأمان في تلكم المنطقة الواسعة، وتجذير التعاون الجماعي لتلك الدول مع أفغانستان إزاء قضية التنمية والازدهار، فهو الطريق الوحيد اليوم أمام الشعوب النامية والفقيرة المُهدَّدَةِ بين حين وآخر بالحروب والنزاعات المُفبركة من جانب قوى توسعية تعتاش على موت وخراب غيرها.
صداقة وتعاون بكين مع كابل ستأخذان بأفغانستان إلى فضاءات التطور الاقتصادي والزراعي، الذي يَستند في نجاحه على عوامل التعاون الصيني الأفغاني الوثيق على المساحات الواسعة التي تتيحها صداقة النظامين الأفغاني والصيني في السياسية والاستثمارات واستقرار الأمن والأمان، وفي غيرها من المناحي أيضًا، فتلك المنطقة الآسيوية الإستراتيجية المُعذّبة لا ترغب في تواصل عذاباتها وسيلان دماء شعبها، وها هي تؤكد سعيها إلى التوظيفات الصينية الفلكية في مبادرة الحزام والطريق، بخاصة في عملية إعادة إعمار أفغانستان بعد عقدين من التراجع الحضاري، ولهذا أعتقد بأن السلطات الأفغانية الجديدة واعية لمصالحها، وستعمل على ذلك لتنجح في رفع سويَّة الأوضاع الاقتصادية بخاصة، ما يُعيد لأفغانستان دورها الإستراتيجي والتاريخي المِحوري في أسيا.
خُلاصة القول: الصين وأفغانستان والدول الجارة لهما والبعيدة عنهما ستكون رابحة من التقارب الكبير والتفاهم بين كابل وبكين، وسينسحب ذلك بالتأكيد على كل البشرية، ونتمنى ذلك سريعًا.
*خبير في القضايا الصينية.