شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم: الأكاديمي مروان سوداح
منذ بدايات هذا العام 2022، تشهد العلاقات الروسية الصينية تسريعاً غير مسبوق لأجل تعميقها كما لم يكن من قبل، ولإنتاج عملانية وأرضية ثابتة للتفاهم المشترك بين قيادتي الدولتين، وقد غدا كل ذلك وغيره لافتاً ومتميزاً، ولم يَسبق له مثيل على مختلف المستويات، وبخاصة الأمنية والعسكرية، والتفاهمات والتنسيق في حقول السياسة والدبلوماسية، وتوحيد مواقف الدولتين في الملفات الأممية، لتتسق وتتناغم، ولتُشكِّل رافعة واحدة ضاغطة وحقيقية، تتيح للشعوب نيل العدالة المُتوخاة في قضاياها المصيرية التي تآمر الاستعمار عليها قروناً.
إضافة إلى ذلك، ترنو الصين وروسيا صوب التعاون المشترك الشاسع في مجالات البحث والتطوير المتعدد العناوين، زد عليها التجارة الواسعة المتبادلة. وكذلك بالطبع على أصعدة الطاقة، والاقتصاد الرَحيب، والاستثمارات على مساحتيهما ومديات العَالَم الصديق لهما، وتدعيم وتوطيد التجارة البينية، وسَبر أغوار الفضاء الخارجي. ويمكن للمراقب، وبكل سهولة، اكتشاف وملاحظة الاندفاعات المُتسارعة في نقلات هذا التنسيق الإستراتيجي ووتائره المتزايدة بين العاصمتين بكين وموسكو، ما يُثير الانتباه عالمياً ويكشف في الوقت ذاته عن أن الجيرة التاريخية بين الدولتين والشعبين الجارين ثابتة القواعد والمداميك، برغم ما اعتراها في حقبة سابقة قديمة من سقطات، ما لبثت أن تلاشت تماماً بعد أن تم معالجتها بحكمةٍ، وسكن مكانها العصر الروسي الصيني الجديد الذي يبزغ نوره حالياً، ويفتح آفاقاً متجددة أمام كل البشرية، ويعمل على ترجمة المساواة والعدالة فعلياً وعلى أرض الواقع اليومي في كل المَعمورة.
في أواخر مارس هذا العام 2022، زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جمهورية الصين الشعبية، وفي تصريحاته المدوية التي تابعها بدقة واهتمام رؤساء دول العالم وشعوبه، أكد بأن موسكو وبكين تقودان العالم نحو نظام “أكثر عدلاً”. وخلال هذه الزيارة الأولى له إلى الصين، منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في دونباس، أعلن على الملأ أن العَالَم “يعيش مرحلة بالغة الخطورة في تاريخ العلاقات الدولية.. سنمضي وإياكم نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، عادل وديمقراطي”.
الملاحظ هنا، بأن أهمية إعلان الشراكة الروسية – الصينية إنما تتمحور على “حقبة جديدة” في العلاقات الدولية، وفقاً للبيان المشترك الصادر عن قمة شي – بوتين، إذ أكد هذا البيان على تجديد دعم الصين للمطالب الأمنية الروسية، بهدف حل الأزمة الأوكرانية، ونوَّهَ لافروف إلى انضمام بكين إلى موسكو في معارضة توسع حلف الناتو مستقبلاً، وبيّن بأن حلف شمال الأطلسي يتبنّى أيديولوجيا الحرب الباردة، وطالب بوضع حدّ للهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، وبالتمسك بمبدأ “أمن واحد لا يتجزّأ”، والذي تستند إليه روسيا، وطالب بانسحاب حلف الناتو من الأراضي المحيطة بالفدرالية الروسية.
تصريحات لافروف في الصين نالت تأييداً شاملاً على مستوى عالمي، ذلك أن شتى دول كوكبنا تتوق إلى تطبيق النظام المتعدد الأقطاب، والذي من شأنه أن يُفضي إلى تقهقر النظام الكولونيالي القديم الذي ساد طويلاً وأتعس الشعوب، ومارس سياسة الهراوة والجزرة بحق الدول الضعيفة وجماهيرها المظلومة، ونَهَبَ خيراتها بالجُملةِ لأجل تطوير الاقتصادات الإمبريالية وفولذة القبضة الأميركية التي غدت ترتخي وتَخور خطوة في إثر خطوة تحدي روسية صينية، مِمَّا يفتح الأبواب، بالتدريج، على مصاريعها لميلاد أقطاب عدة منها، قطب أُممي آسيوي – أوروبي – عالمي بجهود مُنسَّقة صينياً وروسياً؛ وقطب شرق ووسط أوروبي؛ وثالث صيني يُمثِّل شرق آسيا؛ ورابع روسي يمثل وسط وشرق آسيا وشرق أوروبا والخ.
من المؤكد، وفقاً لتطور الأحداث على صعيد أوروبا والدنيا، أن هذه الأقطاب الجديدة التي ستتبلور وتبرز لتصبح مجموعات ضغط دولية، ستأخذ بالحسبان الدقيق مصالح البشر أجمعين بغض النظر عن قومياتهم وأعراقهم وألسنتهم، فكلهم سواسية كأسنان المشط في نظر القوى الرئيسية العادلة وعلى رأسها الصين وروسيا، في مقابل هبوط العالم الغربي وتراجعه السياسي وتقهقر تأثيره العسكري رغماً عنه، وبضغط من الأزمات التي نالت وتلك التي ما زالت تنال من هذا الغرب، سواء الطاقة، أو لانحسار روافعه السابقة المهترئة، وتأثيراته الكونية المتهالكة، وللانفكاك التدريجي للشعوب عن هذا النظام الذي غدا كهلاً متهالكاً يُعاني من أمراض وفيروسات قاتلة تضرب بُنيانَه ليلاً ونهاراً، وهو بالطبع تحصيل حاصل تاريخي لا سيّما مع بروز أزمة الدولار، ومصائبه الضخمة وأولها تواصل طباعته دون رصيد من الذهب، ولاستشراء جائحة كورونا في عموم الغرب، أضف إلى ذلك، وليس آخره، تسلل الصقيع لمنازل الأوروبيين والأمريكيين، وبدء تفشي البطالة وتمَدُّدِها، وشحّ التوظيفات الجديدة في الأعمال لسبب واضح ومرئي للصغير والكبير: زيف السياسات الغربية، وبُعبع بالون التضخم الذي يسير حتماً نحو انفجار فقاعته..