المسار منذ الدورة الاولى للألعاب العربية الاسكندرية 1953 كان طويلا وعسيرا لكنه مثمرا, بالنظر الى التحديات التي واجهتها البلدان العربية في تلك الحقبة الزمنية .
فالطبعة الاولى من الالعاب العربية جرت في فترة كانت فيها الدول العربية تعاني من ويلات الاستعمار, بما فيها فلسطين التي بدأت سمائها تتعتم شيئا فشيئا بسبب توسعات الكيان الصهيوني.
فتنظيم دورة الالعاب العربية الاولى بمصر, ساهم بشكل من الاشكال في اعادة احياء و تقوية مشاعر الانتماء الى الامة العربية التي كانت تواجه آنذاك لوبيات صهيونية و امبريالية لم تتوان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في اعداد مخططاتها الدنيئة للاستلاء على الخيرات الطبيعية للدول العربية وعلى راسها”الذهب الاسود “, وهو الوقت الذي كانت فيه الجزائر قد شرعت في رسم طريقها و مسارها السياسي و العسكري من اجل الاستقلال و طرد المستعمر الفرنسي الغاشم.
وجاءت دورة الالعاب العربية الثانية ببيروت سنة 1957, لتعزز مشاعر الوطنية السائدة في البلدان العربية و كان صيت هذه الالعاب اكبر بكثير من سابقتها, حيث اعطت بعيدا عن طابعها الرياضي على غرار الالعاب الاولمبية او كاس عالم, جوابا صريحا للمستعمر الاجنبي الذي عمل بكل الطرق للسطو على البلدان العربية ونهب خيراتها.
وعرفت هذه الدورة مشاركة عشرة بلدان عربية وكانت,متبوعة بدورات منتظمة كل اربع سنوات و التي عرفت في سنة 1961 مشاركة رمزية للجزائر المكافحة التي كانت لا تزال تقاوم أعتى قوة استعمارية في العالم.
ومنذ دورة الاسكندرية 1953, اصبح هذا الحدث الرياضي الكبير, بمثابة ملتقى سياسي للشباب العربي من المغرب والمشرق. وعلى غرار الجمعيات السياسية الجهوية الكبرى, تمكنت الجامعة العربية رغم كل العراقيل و الصعوبات و الاجندات السياسية من الحفاظ على هذا الموعد الرياضي الذي كان يقام بانتظام والذي اخذ مع الوقت طابعا تاريخيا بامتياز.
و من منطلق ان الالعاب العربية كانت قد اطلقت قبل ظهور اكبر المنظمات السياسية و الاقتصادية و الدفاعية , منها منظمة حلف شمال الاطلسي (1949) و الاتحاد الاوروبي (1957) الذي ضم المانيا وفرنسا و هولندا و لوكسمبورغ و بلجيكا و ايطاليا, يمكن للبيب ان يستنبط التقدم السياسي للبلدان العربية مقارنة ببقية التجمعات الجهوية عبر العالم .
الالعاب العربية …. فكرة اطلقها عبد الرحمان حسان عزام ……
ويكفي ان ندرك ان منافسة رابطة الابطال الاوربية لكرة القدم, التي باتت تدر ملايير الدولارات على منظميها وتستقطب متابعة جماهيرية قياسية عبر مختلف انحاء العالم, انطلقت عام 1956 تحت تسمية “كاس الاندية البطلة الاوروبية”, بمعنى ان ولادتها جاءت بعد ثلاث سنوات كاملة من انطلاق الالعاب العربية ما يدل بصفة قاطعة على عراقة هذه الالعاب العربية .
وما يزيد من قيمة هذه الالعاب, هو انها تمكنت رغم كل الصعاب و العراقيل من الصمود و الثبات, و الحفاظ على تنظيمها دوريا في مختلف البلدان العربية التي تداولت على تنظيمها وعرفت من دورة لأخرى مشاركة رياضية كبيرة للوفود الممثلة للبلدان المنخرطة في الجامعة العربية.
و تجسيدا لانتمائها العربي, كانت الجزائر مستضيفة طبعة 2023, دائما حاضرة في الموعد الرياضي العربي, منذ استقلالها و فكها لقيود مستعمر غاشم تفنن في استعمال كل اساليب البطش و التعذيب ضد شعب صامد كان سلاحه الوحيد ايمانه بقضيته و قناعته ان الحرية تأخذ ولا تعطى.
ففي الدورة الرابعة التي نظمت بالقاهرة المصرية سنة 1965, نجح الوفد الرياضي الجزائري في اول مشاركة رسمية له من احراز ست (6) ميداليات, منها واحدة ذهبية و ثلاث فضيات وبرونزيتين .
ومنذ هذه الدورة ما فتئ حصاد النخبة الجزائرية في الموعد العربي يتضاعف, ليرتفع من ست (6) ميداليات في المشاركة الرسمية الاولى في دروة 1965 الى 97 ميدالية في دورة 1985 ثم 122 ميدالية منها 38 ذهبية في دورة 1997 . وفي مجموع الميداليات المحققة في كل المشاركات منذ سنة 1965 حققت الجزائر 881 ميدالية متفوقة على تونس ب(801) و المغرب (971), و بلغ عدد الميداليات الذهبية في جميع المشاركات 255 ميدالية , فيما تتصدر مصر بمجموع(1422 ميدالية), هذا الترتيب العام.
و الاكيد ان دورة الجزائر2023 ستكون محطة اخرى, للشباب الرياضي العربي للالتقاء والتنافس في حوالي عشرين اختصاصا رياضيا, بما فيهم فئة ذوي الاحتياجات الخاصة, في مسابقات ستقام عبر خمس مدن (الجزائر,وهران, عنابة, قسنطينة , تيبازة), وذلك من خلال السعي لإحراز اكبر عدد من الميداليات و اهم من ذلك كتابة جزء آخر من قصة الالعاب العربية التي بدأت فكرة إقامتها عام 1947 عندما تقدم عبد الرحمان حسان عزام الأمين العام لجامعة الدول العربية في ذلك الحين, بمذكرة إلى الهيئة العربية يطلب فيها الموافقة على إقامة دورة رياضية عربية تشترك فيها الدول الأعضاء بالجامعة العربية وغيرها من الأقطار العربية, لكن هذا الطلب لم يتحقق ونامت الفكرة في كواليس الجامعة العربية.
وفي عام 1953 بعثت الفكرة من جديد وتبناها المهندس أحمد الدمرداش طوني (عضو اللجنة الأولمبية الدولية آنذاك) وأجرى اتصالات مع مختلف الأقطار العربية ولقيت الفكرة كل ترحيب من الدول الأعضاء وعرضت على مجلس الجامعة العربية في 9 أبريل من عام 1953 فوافق عليها وعهد إلى مصر بتنظيم أول دورة رياضية عربية.