شبكة طريق الحرير الإخبارية/
عن/الانباط الأردنية/
38 سنة للبيريسترويكا الصهيوتخريبية وفلسطين
بقلم: الأكاديمي مروان سوداح
أعادتنا العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا إلى أيام البيريسترويكا التخريبية للاتحاد السوفييتي التي مضى على بدايتها 38 سنة تحت شعار “إعادة البناء” الخادعة. حينها، شرع الغرب وطابوره الخامس بعملية موازية لقبر الدولة السوفييتية، وعلى رأس هؤلاء كان الصهيوني غوباتشوف وزميله الصهيوني باروخ (بوريس) إلتسين (يلتسين). آنذاك، انتشر المستشارين السياسيين الغربيين في جهاز الكرملين ومؤسساته، وتم توظيفهم برواتب مجزية لقاء إفناء البلاد السوفييتية الأُم، وتقسيمها، وتصدير الحرب الأهلية إلى مختلف قومياتها وشعوبها في كياناتها الاتحادية الـ15، تسهيلاً للتخلص من جميعها، كما اعترف بكل ذلك الغرب السياسي ومشايعيه بعد تمكُّنهم من ترسيخ عملانيتهم القتَّالة هذه.
شهدت البيرويسترويكا منذ ظهورها الأول “الخجول نوعاً ما”، في العام 1984، تسارعاً تدميرياً للدولة السوفييتية دون رقيب أو حسيب، واستمر هذا التصدع العميق مروراً بديسمبر 1991 على يد العميل الدولي المدسوس غورباتشوف، الذي إدَّعى زوراً بأن فكرته الجديدة إنما هي “محاولة جادة للإصلاح”. شخصياً، أنا أذكر تلك الحقبة جيداً، إذ كنتُ شاهداً على التوسع الهدَّام للبلاد السوفييتية، فقد أُطلقت أيادي المنظمات الصهيونية في كل اتجاهات أراضي “الاتحاد” المُنهَار، وكان انتشارها كثيفاً ومنظَماً في شوارع موسكو ولينيننغراد وفي روسيا عموماً، حتى تهيأ للمراقب أنه يقبع في “إسرائيل” وليس في بلاد السوفييت، إذ حاولت الصهيونية التي تشكِّل الذراع الضاربة للغرب في روسيا نخر هذه الدولة من داخلها وخلخلتها ثم هدمها بعد إعطابها الشامل، لكن روسيا الرئيس فلاديمير بوتين الجديدة لم ولن تستسلم للعدو الأجنبي وستبقى حادية الركب، وتحافظ على كيانها التاريخي والجيوسياسي، وصداقتها للجمهوريات المنفصلة عنها.
أفضت البيريسترويكا “الغوربيلتسينية” إلى تهجير طويل الأمد ومبرمج ليهود روسيا صوب تل أبيب، على يد الكثيرين من الوسطاء والعملاء للأجنبي من أصحاب الياقات الحمراء “التقليديين”، الذين تدثروا بأردية السلطة الروسية الجديدة الفاسدة ذات التوجهات التفتيتية. هؤلاء عملوا على متوالية واضحة لتضخيم عدد المهاجرين اليهود إلى “الكيان” تعزيزاً لقدراته العسكرية الدفاعية والهجومية، فقد تم مضاعفة حجم قواته مرات ومرات على مدار سنوات تهجير اليهود الروس والسوفييت إلى فلسطين المحتلة.
آنذاك، وصل عدد المهاجرين اليهود لفلسطين في أبريل من العام الأول للبيريسترويكا إلى 50 ألفاً، وأزداد هذا العدد شهرياً بعدة أضعاف على مدار السنوات اللاحقة، إذ كانت العناصر الصهيونية الإسرائيلية تدعو علناً وفي حرية كاملة لهجرة اليهود لفلسطين، وذلك خلال انتشارها الحر في المواقع الرئيسية في موسكو ولينيننغراد والمدن الروسية الأخرى، وتوزيع صحفها وشعاراتها الصهيونية علناً، بعدما كانت قبل البيريسترويكا منشورات سرية ومحظورة رسمياً، وكان كاتب هذه السطور شاهداً في روسيا على كل ذلك.
أذكر أيامها أن جلالة الملك المرحوم الحسين بن طلال طيب الله ثراه، قد عمل جاهداً للتحذير من مخاطر هذه الهجرة المتزايدة، وأن الصورة المقابلة لها ستكون التهجير القسري للمواطنين الفلسطنيين الأصليين، وسيكرِّس هذا التهجير ضم الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس بشكل نهائي، وهو يُشكِّل إجهاضاً للديمغرافيا العربية في فلسطين، ولفت الحسين إلى أن “إسرائيل” تمتلك مُخطَطَاً مُفصَلاً للتوسع على حساب العرب، وأن هناك مَن يساند هذا المخطط بالمال والسلاح والدبلوماسية على صعيد عالمي. آنذاك، نَبَّهَ الحسين إلى تَضَخُّم موجات الهجرة اليهودية المتزايدة من روسيا ودول أوروبا الشرقية أيضاً، وتمددها الديمغرافي، وبأنها تؤدي إلى موجات هجرة جديدة للفلسطينيين إلى الأردن، ونادى بعملٍ منظمٍ يستهدف حماية كامل التراب الفلسطيني ولجم أي عدوان توسعي جديد.
يعيش الكيان الصهيوني في حالة حرب دائمة مع الشعب العربي برمته، فهو يُدرك أن لا مبرر منطقي ولا تاريخي ولا قانوني له في فلسطين، ولا مجال جيوسياسي في شريط فلسطيني ضيق لمجموعتين سكانيتين في آن واحد، فلن يكون أي سلام حقيقي بينهما، وما يجري اليوم إنما يشهد على أن النضال الفلسطيني يتواصل بمختلف الوسائل المبتكرة وينجح بامتياز برغم سقوط الشهداء، وأنهار الدماء الزكية التي تنهمر من أجسادهم لتسقي بحرارتها الحياة وأشجار الزيتون الفلسطينية المُعَمِّرة والشامخة والمِعطاءة بالخيرات لشعبنا العربي الفلسطيني منذ أيام سيدنا يسوع المسيح عليه السلام وللآن.
يجب أن يُدرك العدو المدعوم من المافيات الرسمية الغربية واحتكاراتها، أن لا مكان له في فلسطين كنعان، وأن الواقع والمستقبل والوقائع تؤكد ذلك، وها نحن نشهد انتفاضات شبيبة التحرير والاستقلاليين الفلسطينيين الذين يتقاطرون إلى جِنان النعيم السماوية لينعموا بعطية الحياة الأبدية. وفي المقابل، أُودِعت أرواح المستعمِرين الصهاينة في جهنم أزلية… “فِي الظُّلْمَةِ البَرَّانِيَّة، فهُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ”، وفقاً لتحذيرات سيدنا المسيح له المجد.