اطلبوا السلم والتعاون ولو في الصين
حققت الدبلوماسية الصينية إنجازا جديدا تمثل فى طي صفحات الماضي وفتح صفحة جديدة ناصعة البياض بين السعودية وإيران تحت عنوان “اطلبوا السلم والتعاون ولو في الصين”.
التقى عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني تشين قانغ، مع نظيريه السعودي والإيراني يوم الخميس في بكين وشهدوا استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، ما فتح الصفحة الجديدة تحت عنوان “اطلبوا السلم والتعاون ولو في الصين”.
متطلبات داخلية وحوافز خارجية وراء المصالحة
وأشار وو يي هونغ، باحث بارز في معهد تاي خه للبحوث، إلى أن هناك العديد من العوامل التي تسببت في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بما في ذلك متطلبات داخلية وحوافز من البيئة الخارجية، موضحا أن المواجهة بين البلدين استهلكت مواردهما الاستراتيجية وقوتهما الاقتصادية بشكل كبير، الأمر الذي أعطى اللاعبان المهمان في منطقة الشرق الأوسط دافعًا داخليًا قويا لتغيير اتجاههما الاستراتيجي السابق والسعي بنشاط إلى المصالحة ومسار التنمية السلمية.
في معرض إشارته إلى أن وزيري خارجية السعودية وإيران كانا يعبران في المناسبات المختلفة عن تطلعات بلدهما إلى التضامن والصداقة وحسن الجوار في المنطقة، أكد أن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لا تلبي الاحتياجات الداخلية لكل منهما فحسب، بل تصب في مصالح الأمن والتنمية الإقليميين.
كما قال وو سي كه، مبعوث الصين الخاص الأسبق إلى الشرق الأوسط لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه في السنوات الأخيرة، يتم تعزيز الاستقلال الاستراتيجي لدول الشرق الأوسط بشكل مطرد، وتسعى لاختيار مسار التنمية الذي يتماشى مع مصالحها الحيوية طبقا للظروف الوطنية الخاصة بها، مما وفر الظروف المواتية لدول شرق أوسطية للتحول من العزلة والمواجهة إلى المصالحة والتعاون.
بالإضافة إلى ذلك، مع التطور المتسارع لتغيرات الأوضاع الدولية واستمرار الصراع الروسي الأوكراني، تدرك دول الشرق الأوسط عموما أن الاصطدامات والمواجهات لن تؤدي إلا إلى الأذى والخسائر، فقط الشرق الأوسط الذي يسوده السلام والاستقرار يمكن أن يفيد حقا كل دولة في المنطقة، وإن السعي لتحقيق السلام والتعاون والتنمية المشتركة هو المفتاح الذهبي لحل المشكلات، على حد تعبيره.
وأكد تشن جيه، الأستاذ في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة صون يات-صن، أن تأثير الحوافز الخارجية مثل التعافي المتعثر للاقتصاد العالمي في حقبة ما بعد كوفيد-19 والسياسات النقدية الأمريكية المتطرفة لا يمكن تجاهلها.
وأوضح أن منطقة الشرق الأوسط تأثرت بالصراعات والنزاعات منذ فترة طويلة، فأصبحت البلدان في المنطقة بحاجة ماسة للتنمية والأمن من أجل حل مشاكلها التنموية، كما هناك حاجة ملحة إلى بيئة خارجية سلمية ومستقرة.
وتابع قائلا إن تفشي كوفيد-19 قيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم، بينما أدت السياسة النقدية غير المسؤولة للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى الضغوط الإضافية على الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، بما في ذلك العديد من بلدان الشرق الأوسط، نظرا للظروف المعقدة، فالمواجهة والعزل لا يصب في مصالح أي طرف، على العكس تخدم الوحدة والتعاون الشواغل الرئيسة لكل الأعضاء.
مفاهيم صينية تقدم مثالا يحتذى به لعلاج الخلافات العالقة
ذكر وو يي هونغ أن الصين أخذت زمام مبادرة رغبة الطرفين في المصالحة، وأقامت منصة حوار سلمي بين البلدين، مما مكنها من النجاح في رعاية المصالحة وإعادة تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، ما أثبت أن مبادرة الأمن العالمي التي اقترحتها الصين لا تلبي احتجاجات البلدين للأمن والتنمية فحسب، بل تتوافق مع تيار التنمية السلمية في الشرق الأوسط.
وأضاف الباحث البارز أن المصالحة ستقدم مثالا يحتذى به لعلاج القضايا الإقليمية العالقة مثل قضية اليمن والقضية السورية …إلخ، في الوقت نفسه، قد تساعد على فتح الباب أمام بعض الدول العربية لتشجيعها على التوصل إلى اتفاقيات ذات صلة مع إيران، الأمر الذي يعزز التكامل والوحدة الإقليمية ودفع عملية السلامة لبعض القضايا العالقة الأخرى.
من جانبه، أشار الأستاذ تشن جيه إلى أن دول الشرق الأوسط سلكت طريقا وعرا في استكشافها للتحديث، واليوم تسير الصين على طريق تحقيق التحديث الصيني النمط، هناك الكثير من الأرضية المشتركة بين الجانبين.
وأضاف أن “بصفتها دولة كبيرة مسؤولة، تعمل الصين بنشاط على تعزيز محادثات السلام في النزاعات الإقليمية، مما يوفر الطاقة الإيجابية الصينية في حل الأزمات وتعزيز الوحدة، وتلقت ترحيبا واسعا النطاق في المجتمع الدولي بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط”.
واستطرد قائلا إن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران يعد تجسيدا حيا لتنفيذ ناجح للمقترحات الصينية تتمثل في مبادرة الحضارة العالمية ومبادرة التنمية العالمية ومفهوم بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، ما يسلط الضوء على قيمة الحوار والتشاور في تخفيف النزاعات وحل الخلافات، ويقدم نموذجا مرجعيا للدول الأخرى في المنطقة للتعامل مع الخلافات، وأثبت مجددا أن السلام والتنمية ما يزالان يمثلان موضوعين عصريين يخدمان مصالح الشعوب من جميع البلدان.
كما أكد وو سي كه أنه مع مرور الوقت، يرى العالم بوضوح طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والتى خلقت صراعات من أجل ترسيخ هيمنتها وضمان مصالحها، مشيرا إلى أن استمرارية وديمومة قضية سوريا وتعثر عملية إعادة الإعمار في العراق دلت على أن التنمية والتقدم والتطور لا يمكن أن تأتي بتقليد الغرب، وأن مفتاح السعي إلى التنمية هو اختيار مسار التنمية الذي يتناسب مع الظروف الوطنية، بدلا من التقليد بشكل أعمى.
وتابع الدبلوماسي المخضرم قائلا القرار فى منطقة الشرق الأوسط بيد شعوبها، لن تسعى الصين إلى مناطق نفوذ، ولن تدعم عملاء، تتعامل الصين مع جميع الدول على قدم المساواة، وتعمل بصدق على تعزيز السلام والاستقرار الإقليميين من التوجيهات رفيعة المستوى إلى ممارسة الدبلوماسية، لذا تكتسب المفاهيم الصينية الدبلوماسية من أجل السلامة ومسار التنمية الصيني القائم على السلام والتعاون، استقبالا كبيرا واعترافا واسعا في المنطقة، وترتفع مصداقيتها بشكل ملموس فى المنطقة والعالم.
كما قال وو يي هونغ “تعد المصالحة بين السعودية وإيران انتصارا للحوار والسلام، نثق بأن الصين ستتعاون بشكل أوثق مع دول الشرق الأوسط في سبيل تعزيز الوحدة والتضامن، والحفاظ على السلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والعالمي، والمساهمة في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة”.