الأنباط – الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح
تطبيقًا لأوامر الدفاع، أعلنت في منزلي منذ بدء الهجوم الكوروني السافر، التزامًا تامًا بالتباعد العائلي، اتساقًا بالتباعد الاجتماعي الشامل والامتناع عن التقارب في عين المكان، في مَسعى محمود لإبعاد هجمات الفيروس المستورد عن عائلتي، ومنع تحوراته من التوطّن في أسرتي الصغيرة التي أحبها وأدافع عنها، فقد بذلت في سبيل حمايتها ورفعتها عشريات طويلة من عمري الذي بدأ بالانحسار، ولم يبقَ منه سوى القليل من شهيق وزفير.
في البيت، نجلس زوجتي وأنا متباعدين ومتقابلين، فلا يمكن وهذه الحالة أن يَصِل زفيرنا إلى بعضنا البعض، فالمسافة طويلة بيننا حتى في الغرفة الواحدة لكأنها مسافة كونية ما بين كوكب عُطارد وكوكب الشمس الساطعة، أو بينه وبين كرتنا الأرضية. فعطارد هو واحد من بين خمسة كواكب متميزة يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وهذا بسبب قربه الشديد من الأرض والشمس في نفس الوقت، مما يَجعله من أكثر الكواكب النادرة بقسماتها.
هذا الوضع مشابه تمامًا ليوميات عائلتي الأممية الجميلة والمتعددة القوميات والألسن، إذ يُمكن لأي مُدقِّق رسمي أو علمي وطبي التأكد من ذلك، بخاصة حين نجلس متباعدين لمتابعة الأفلام والأغاني الأردنية والعربية والروسية من خلال شاشة المُبَاصَرة، التي غالبًا ما صارت في زمن كورونا تتوقف بسبب سوء أحوال بث الإنترنت المحلي الذي باتَ العدو الأول لنا وليس الفيروس اللعين الذي فشل فشلًا في كل محاولاته المُخادِعة، لتتعطل طبائعه وفنّياته وتقنيّاته عن العمل، وفشل في مساعيه لأن يَعلق بملابسنا وعلى جلودنا ورفضته أجسادنا وأرواحنا وعقولنا القابضة على جَمْرِ القانون والإرشادات الرسمية.
صراحة أقولها وبكل ألم وحسرة وغضب، لا يعجبني أبدًا، وأستغرب كثيرًا، عندما أرى جماعات من الشبيبة من الجنسين، مُتكاثرة أعدادها وتترنح أجسادها كما لو كانت في فضاءات غرب أوروبا في الأيام العادية وخلال العطلات الأسبوعية، وعائلات كثيرة يُرافقها أطفالها ترفض التباعد الجسدي، بخاصة في الأماكن العامة ضمنها المطاعم والمُتنزهات، الشوارع والمَحال والسوبر والميني ماركيتات إلخ.
فإذا كانت حلقات الأقارب والأنسباء تخجل من التباعد الجسدي، نزولًا عند رغبة العادات والتقاليد، وتحافظ على سلوكيات تاريخية عامة تشرّبها الكبير والصغير، عندها سيَجد “السيد كوفيد/19” زوايا وثقوبًا دافئة يتدثّر بها في بيوتاتنا وعَمائرنا.
ختامًا، في “عصر كورونا المستجد” من الضروري بمكان التباعد بين الأزواج، فولادة مواليد جدد خطر على هؤلاء الأطفال وعلى عائلاتهم وربما من الصعب حمايتهم من مراميه القتّالة، فالفيروس غير مرئي، وهذا هو أخطر ما في الأمر.