شبكة طريق الحرير الإخبارية/
*دكتور في السياسة الدولية/ اكستر.
يبدو أن روسيا لا يقلقها كثيراً ما يثيره العالم ضدّها من اتهامات بقرب استعمالها أسلحة كيماوية و فشلها في المعركة وخسائرها الجسيمة على يد ” الأوكرانيين الأحرار” وجرائمها البشعة ضدّ المدنيين من قتل واغتـصاب وتهجير، ويبدو بأن روسيا لا تريد أن تُرهق نفسها كثيرا في معارك لاعسكريّة لا تمتلك أدواتها كدول محور أمريكا المهيمن الذي استنفر كلّ أدواته من إعلام وسطوة نفوذ سياسي وعسكري واقتصادي وماديّ ليجعل كثيراً من دول العالم لسان حال الولايات المتّحدة الأمريكية وبريطانيا بأن قيم الديمقراطيّة في العالم باتت تحت خطر دولة ديكتاتوريّة إرهابية.
ربما اختارت روسيا سياسة “أرض المعركة” في هذا الواقع الذي تحاكي فيه سيطرة الولايات المتحدة على الناتو سيطرتها على كافّة أدوات القوّة الأخرى في العالم، بما فيها المنظمة الدولية التي أُسّست لتكون منبراً حراً لكافة أعضائها، ولا يخفي على أحد كيف تنشط زيارات مسؤولي دول عظمى وتتحرّك سفاراتها في العالم تهديداً وتوعداً وترغيباً لمصادرة قرارات دول أو تحييدها أو لتأمين تمرير أو تعطيل قرار في الأمم المتّحدة بمختلف أجهزتها وهيئاتها ووكالاتها.
تقول روسيا كلمتها في أوكرانيا بقوّتها العسكريّة ملتقطة اللحظة التاريخية، سواءً من تجربتها في سورية التي تحاكي إلى حد كبير حربها في أوكرانيا، مزوّدة بأوراق القوّة التي كسبتها منها ، ومستفيدة في الوقت ذاته من غرور أعدائها الذين مدّوا لها الطريق إلى أوكرانيا عندما عملوا على تحويلها إلى قاعدة عداء لروسيا بيمينها المتطرف ونواياها الأطلسية والنووية ومخابرها البيولوجية ومواقفها السياسية العدائيّة. لقد دخل الجيش الروسي إلى أوكرانيا بكامل إصراره على تحقيق أهدافه، والتي كان من المتوقع منذ البداية أن تتطور تدريجياً لتتناسب مع حجم الخسائر التي سيتكبدها الجيش الروسي، سواءً في حربه أو نتيجة العقوبات والحصار الذي فرضه العالم عليها.
لقد وضع الرئيس بوتين سقفاً لمحور أمريكا عندما أعلن وضع السلاح النووي الروسي في حالة تأهب، فلم يبق أمام هذا العالم إلاّ أن يبقى في إطار الدعم السياسي والإعلامي وتقديم أسلحة محدودة ومساعدات إنسانية وتسهيل لجوء وعقوبات على روسيا تكاد تتقاسم معظم دول هذا المحور آثارها السلبيّة معها، وهو يخوض اليوم معركة عسكرية بفائض قوّة يفتح حدود طموحه من هذه الحرب.
وأعتقد أن روسيا يغريها أكثر أن تطول المعركة لأن ذلك سيساعدها على تحقيق أقصى أهدافها، وإذا كانت الأهداف الأولى التي أعلنتها روسيا هي حياديّة أوكرانيا بعدم انضمامها لحلف الناتّو أو امتلاك سلاح نووي، فإننا نلاحظ تطور هذا الهدف نحو استقلال كامل لجمهوريتي دونيتسك و لوغانسك، وصولاً إلى ما صرّح عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف منذ يومين عبر قناة “روسيا 24″ بأن هدف العملية العسكرية الخاصة هو وضع نهاية للتوسيع والنهج المتهّور لهيمنة الولايات المتحدة الكاملة على العالم والدول الغربية التابعة لها في المحافل الدولية”. كما أعلن الوزير صراحة بأن هدف العمليّة الخاصة على أوكرانيا هي اكثر من حياديّة روسيا بقوله “أنّ روسيا والصين وشركاءهما سيتحركون معاً نحو نظام عالمي متعدّد الأقطاب وعادل، بناءً على نتائج المرحلة الخطيرة التي يمر بها تاريخ العلاقات الدولية”.
كان شبه واضح منذ البداية أن عين روسيا ليس على كييف فحسب، فعادة ما تكون سقوط العاصمة نهاية المعركة الرئيسية، وروسيا التي أوحت باهتمامها بدخول كييف كانت عينها على رسم حدود اقليمي دونيتسك ولوغانسك وتأمين الحياة المستدامة لهما ولشبه جزيرة القرم، بالتوازي مع السيطرة عل كامل الشواطئ الغربية لأوكرانيا بما يجعل البحر الأسود وبحر آزرف مياه إقليميّة روسية، وعين روسيا تمتدّ اليوم ما هو أكثر من ذلك بكثير، وهو الأمر الذي عبّر عنه صراحة وزير الخارجية الروسي بعد أن ذهب المعسكر إلى أقصى مداه في الإجراءات ضد روسيا.
أعتقد أن روسيا تشعر بارتياح، بالرغم من تلك الأصوات العالية التي تنهال عليها من كلّ صوب، وإذا كان العالم قد أرهقته العقـوبات التي فرضها على روسيا، فكيف سيكون حاله إذا فرض عقوبات على دول لم تنطوِ تحت الإرادة الأمريكية والبريطانية بإدانة الحرب الروسيّة على أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا، وبالأخص الصين. وإذا كان هذا ما ظهر من مواقف علنيّة فإن ما يجري بالسر يتجاوز بالتأكيد المواقف المعلنة، وهذا من شأنه أن يتطور لينفخ القوّة في دول تقع اليوم تحت هيمنة أمريكا وأدواتها الاستعمارية.
من مصلحة روسيا أن تطول الحرب، طالما أن ميزان القوّة العسكريّة فيها يميل لصالحها، فهذا من شأنه أن يهيئ، ليس فقط الأرض لأي تغيير ديموغرافي متوقّع، بل إلى بلورة محور جديد وخروج دولٍ كثيرة من قفص أمريكا للالتحاق بالأقوى.
*تعبر المقالة عن وجهة النظر الشخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة طريق الحرير الإخبارية.