CGTN العربية/
منذ 25 مايو الماضي، أدى عنف الشرطة في إنفاذ القانون بمدينة مينيابوليس في الولايات المتحدة إلى مقتل جورج فلويد، الأمريكي من أصل إفريقي، مما أثار احتجاجات واسعة النطاق في أنحاء البلاد. ولكن الوضع الوبائي فيها لا يزال خطيرا، فالمظاهرات وما يترتب عليها من التجمعات الحاشدة لا تجلب إلا التأثيرات السلبية على عملية مكافحة فيروس كورونا الجديد.
تفاقم التمييز العنصري في الولايات المتحدة في ظل انتشار الوباء
يعد التمييز العنصري مرضا مزمنا في المجتمع الأمريكي. والتفشي المفاجئ لفيروس كورونا وما يترتب عليه من الأزمات الاجتماعية وخاصة عدم المساواة في توزيع الموارد الوقائية المحدودة زاد من مدى التمييز العنصري ضد الأقليات في المجتمع الأمريكي، وعلى رأسها الأمريكيون السود الذين أصبحت نسبة معاناتهم من كوفيد-19 لا تتطابق مع نسبتهم من إجمالي السكان.
وتظهر البيانات الصادرة عن وزارة الصحة والخدمات العامة بولاية ميشيغان الأمريكية في 2 إبريل الماضي، أن معدل عدد السود فيها هو 12% فقط، أما نسبة الحالات المؤكدة والوفيات، فتصل إلى 33% و40% على حدة. كما تبين الإحصاءات الصادرة عن المراكز الأمريكية للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها، أنه حتى 13 مايو الماضي، فإن معدل السود من الوفيات الإجمالية في الولايات المتحدة بلغ 22.4%، وهو أعلى بكثير من حصتهم البالغة 12.5% من العدد الإجمالي. وفي هذا الصدد، أشار التقرير الصادر عن صحيفة نيويورك تايمز في 14 إبريل إلى أن ارتفاع معدل إصابة السود بالعدوى ووفياتهم يرجع إلى “عدم المساواة في الثروات والفرص تاريخيا”.
هذه الجائحة الكبيرة تؤدي إلي تفاقم التمييز العنصري في الولايات المتحدة، ولا شيء يمكنه عكس قضية التمييز بين ألوان الجلد في الولايات المتحدة مثل “الحياة والموت” في هذا الحظر.
التحديات المزدوجة تكشف مدى الظلم في المجتمع الأمريكي
ضعف أداء الولايات المتحدة في الوقاية من الوباء والسيطرة عليه تسبب في ركود اقتصاد البلاد مما جعل التمايز الطبقي في الولايات المتحدة أكثر وضوحا مع تزايد غضب الجمهور الذي يعيش في قاع المجتمع وعلى رأسهم المتعطلين غير المشمولين بالضمان الاجتماعي. ويعتبر مقتل فلويد فتيلا يؤجج حفيظتهم وغضبهم المكبوت مما يكشف عن عدم المساواة في المجتمع الأمريكي من حيث الطبقات والاقتصاد.
وأشار المقرر الخاص بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فيليب ألستون في 16 إبريل إلى أن “ذوي الدخل المنخفض والفقراء أكثر عرضة للإصابة بالعدوى بسبب الإهمال والتمييز على المدى الطويل، والاستجابة الفوضوية للحكومة الأمريكية فشلت في رعاية مصالحهم”. فالأمريكيون السود الذين يعانون من التمييز ويعيشون في قاع المجتمع يتعرضون لـ”أشد ضربات” من قبل فيروس كورونا الجديد. إذ أنهم أكثر عرضة للقيام بالأعمال الأساسية الضرورية التي تساعد على الحفاظ على العمليات الاجتماعية في الخارج، وبالتالي فهم أكثر عرضة للمعاناة من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وغيره من “الأمراض الشائعة” مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى. ولكن، في مواجهة التكاليف العالية للتشخيص والعلاج، يعجزون عن تحملها، فتخلوا عن تلقي العلاج.
لذلك، فالاحتجاجات التي تتطور باستمرار وعمليات مكافحة الوباء التي تتقدم بمشقة أدت إلى أن تكشف كل منها عن التناقضات المتعددة التي تترسخ في المجتمع الأمريكي مثل التمييز العنصري والفجوة بين الأغنياء والفقراء وعدم المساواة في توزيع الدخل. كما قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول، إن تأثيرات الوباء على مختلف المجموعات متباينة، فالمجموعات ذات الدخل المتوسط أو المنخفض والملونون وغيرهم من المجموعات الضعيفة عانت أكثر من غيرها من الآثار السلبية، وهذا هو عامل رئيسي يتسبب في كثافة المظاهرات والاحتجاجات وانتشارها الواسع.
الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي سيصبح أكثر حدة
تبقى القضية العنصرية من المواضيع الساخنة في الانتخابات الأمريكية، فمن الطبيعي أن تصبح حادثة فلويد التي وقعت في عام الانتخابات ساحة نزاع بين الحزبين الديمقراطي الجمهوري مما قد يجلب التغيرات غير المتوقعة للانتخابات الرئاسية.
يعمل الحزب الديمقراطي بنشاط على دفع مشروع قانون إصلاح الشرطة للحصول على المزيد من التأييد. أما البيت الأبيض، فتعرض لمزيد من التشكيك من بعض الناخبين المحايدين والجمهوريين بسبب موقفه المتصلب تجاه هذا الشأن. وأشارت مقالة نشرتها صحيفة الجارديان البريطانية في 30 مايو إلى أن “استجابات الحزبين لهذه القضية مختلفة، وهذا يدل على أن المناقشات السياسية حول العلاقات العنصرية والعلاقات بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري سيكون فيها اختلافات أكثر في الأشهر المقبلة”.
إذا يُستخدم احتجاجات الشعب الأمريكي على إفراط الشرطة في تنفيذ العنف والتمييز العنصري لخدمة الصراع بين الحزبين، وتصبح مطالب الجمهور وسائل يستخدمها السياسيون لمهاجمة خصومهم، فالطاقة التي تدفع عملية الإصلاح الاجتماعي ستتضرر.
وفي حين لا ينبغي للمسائل مثل مكافحة فيروس كورونا الجديد والانتعاش الاقتصادي والتمييز العنصري أن تصبح أدوات للصراعات الحزبية والانتخابات السياسية، فيتوجب الاستماع إلى أصوات الجماهير والتعامل مع مطالبهم بجدية، وهي ما يساعد على حل التناقضات العنصرية والفجوة بين الأغنياء والفقراء وغيرها من المشاكل الاجتماعية التي تواجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن.