شبكة طريق الحرير الإخحبارية/
تضافر الجهود لمواجهة التحديات وتسجيل صفحة جديدة للتعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ
— الكلمة الخطابية لرئيس جمهورية الصين الشعبية شي جينبينغ في قمة الرؤساء التنفيذيين لمنظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ
(سان فرانسيسكو، يوم 16 نوفمبر عام 2023)
الممثلون عن قطاع الأعمال،
السيدات والسادة والأصدقاء،
يسعدني أن أحضر قمة الرؤساء التنفيذيين لمنظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) تلبية للدعوة. زرت سان فرانسيسكو قبل سنوات، وترك ما تتميز به هذه المدينة الجميلة من الانفتاح والتسامح والابتكار انطباعا عميقا في ذهني.
قبل 30 عاما، وفي وجه سؤال العالم والتاريخ والعصر بعد الحرب الباردة: “إلى أين تتجه البشرية”، عقد قادة منطقة آسيا والمحيط الهادئ أول اجتماع غير رسمي لقادة منظمة أبيك، تماشيا مع تيار العصر المتمثل في السلام والتنمية، حيث اتفقوا بالإجماع على تجاوز العقلية القديمة من المواجهة بين المعسكرات ولعبة المحصلة الصفرية، وتعميق التعاون والتكامل الاقتصاديين في المنطقة، والعمل سويا على بناء أسرة كبيرة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ تسودها الحيوية والتناغم والازدهار. أسهم هذا القرار الهام في إدخال التنمية في المنطقة والعولمة الاقتصادية إلى المسار السريع، مما جعل المنطقة مركزا للنمو الاقتصادي العالمي ومرساة للتنمية والاستقرار وأرضا خصبة للتعاون في العالم. إن المسيرة الاستثنائية التي قطعها التعاون في المنطقة أتت لنا بعديد من الإلهامات العميقة.
— يعد الانفتاح والتسامح نغمة رئيسية للتعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. تقام التنمية في آسيا والمحيط الهادئ على الانفتاح والتسامح وتبادل الاستفادة والتواصل، بدلا من المواجهة والمجابهة وإفقار الجار وتشييد “فناء صغير محاط بحائط عال”. عملنا سويا على وضع أهداف بوغور ورؤية بوتراجايا، متمسكين بالإقليمية المنفتحة، في سبيل تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار ورفع مستوى التكامل الاقتصادي في المنطقة. على مدى العقود الثلاثة الماضية، انخفض متوسط مستوى التعريفة الجمركية في المنطقة من 17% إلى 5%، وبلغت نسبة مساهماتها في نمو الاقتصاد العالمي 70%.
— تمثل التنمية المشتركة الهدف العام للتعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. تعد التنمية العنوان الأبدي في هذه المنطقة. نركز دوما على التنمية، ونعمق التعاون الاقتصادي والتكنولوجي بشكل متواصل، ونرفع قدرة الأعضاء النامية على التنمية الذاتية. كما خلقنا سويا “أسلوب منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ” المتسم بالاستقلالية والطوعية وتوافق الآراء والتدرج، الذي يحترم الحق التنموي لكافة الأعضاء. خلال العقود الثلاثة الماضية، تضاعف نصيب الفرد من الدخل في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكثر من مرتين، وتخلص مليار نسمة من الفقر، الأمر الذي قدم مساهمة مهمة لتقدم البشرية والتنمية المستدامة في العالم.
— يمثل السعي وراء الأرضية المشتركة مع ترك الخلافات جانبا ممارسة جيدة للتعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. نظرا لأن الاقتصادات في هذه المنطقة تختلف من حيث التاريخ والثقافة والمرحلة التنموية، لا يمكن طلب منها خطو خطوة موحدة لتعزيز التعاون في المنطقة، بل ولا بد من اتباع نهج السعي وراء الأرضية المشتركة مع ترك الخلافات جانبا. على مدى العقود الثلاثة الماضية، تعاملنا مع الأزمة المالية في آسيا والأزمة المالية الدولية وغيرهما من التحديات الكبرى بشكل ملائم، وحافظنا على الزخم الجيد للتنمية الاقتصادية في هذه المنطقة، وذلك يعتمد على أخذ الزخم السائد والوضع العام في الاعتبار، وتكريس روح الشراكة المتمثلة في الوئام واحترام الاختلافات والتعاضد والتساند، ودوامة تحويل التنوع لأعضاء المنظمة إلى قوة محركة للتعاون من أجل تحقيق تكامل المزايا بينها والتقدم المشترك إلى الأمام.
السيدات والسادة والأصدقاء!
يدخل العالم مرحلة جديدة من الاضطرابات والتحولات، ويفتقر الاقتصاد العالمي إلى الديناميكية الوافرة، وتزداد العوامل غير المستقرة وغير المؤكدة والصعبة التوقع. إلى أين سيتجه التعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في السنوات الـ30 القادمة؟ ها هو سؤال العصر الجديد أمامنا. “تعيش المخلوقات بالاعتماد على جوهرها، وتنجز القضايا بالأخلاق والطريق الصائب.” من المهم أن نتمسك بالهدف الأصلي لمنظمة أبيك، ونتذكر جيدا الرسالة التي ناطها التاريخ بنا، ونمضي قدما بالتعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من منطلق جديد.
إن سان فرانسيكو مكان وقع فيه “ميثاق الأمم المتحدة”، ويحمل أمنيات طيبة لكافة الشعوب لإحلال السلام في العالم. لم يأت السلام بسهولة، وما زالت التنمية مهمة شاقة وطويلة الأمد. علينا أن نبذل جهودا مشتركة للحفاظ على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ونلتزم بسبل التعامل المتميزة بالحوار والشراكة بدلا من المجابهة والتحالف بين دول العالم، بما يحافظ على الازدهار والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. لا يمكن ولا ينبغي أن تصبح هذه المنطقة حلبة الصراع الجيوسياسي، ناهيك عن ساحة لـ”الحرب الباردة الجديدة” والمجابهة بين الكتل.
أثبتت مسيرة الازدهار والتنمية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أنه لا يمكن تحقيق التنمية بدون التعاون، ويعد انعدام التعاون أكبر المخاطر، ولا يخدم “فض الارتباط وقطع السلاسل” مصلحة أي طرف. من المهم أن نتمسك بالإقليمية المنفتحة، وندفع بكل حزم بعملية إنشاء منطقة التجارة الحرة في آسيا والمحيط الهادئ، مع احترام القوانين الاقتصادية وتفعيل المزايا النسبية لكل طرف، وتدعيم التفاعل والتمازج الاقتصاديين بين دول المنطقة، وتعزيز المواءمة بين الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الإقليمية والاستراتيجيات التنموية ذات الصلة، بما يبني اقتصادا منفتحا ومتسما بالتعاون والكسب المشترك في آسيا والمحيط الهادئ.
في وجه الجولة الجديدة من الثورة التكنولوجية والتحول الصناعي، من المطلوب أن ننتهز الفرص ونواكب الزخم ببصيرة بعيدة، وندفع بالتنمية التحولية المتسمة بالرقمنة والذكاء والخضرة، ونعمل سويا على تعزيز الابتكار العلمي والتكنولوجي وتحويل نتائجه، والدفع بالاندماج العميق بين الاقتصادين الرقمي والحقيقي. من المهم أن نعمل يدا بيد على استكمال الحوكمة العالمية في مجال العلوم والتكنولوجيا، وتقوية دور الابتكار العلمي والتكنولوجي في دعم التحول الرقمي والأخضر والتنمية المستدامة، وتهيئة بيئة منفتحة وعادلة ومنصفة وغير تمييزية لتطور العلوم والتكنولوجيا.
قبل 10 سنوات، طرحتُ مفهوم الدفع ببناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. وأكدت رؤية بوتراجايا التي وضعتها منظمة أبيك بكل وضوح على بناء مجتمع المستقبل المشترك في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول عام 2040، مما حدد الاتجاه للتعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. بناء على احتياجات العالم الملحة، طرحتُ في السنوات الأخيرة، مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية، بهدف دفع كافة الأطراف للعمل يدا بيد على مواجهة مختلف التحديات العالمية وتعزيز التنمية المشتركة للعالم ورفاهية البشرية جمعاء. يحرص الجانب الصيني على العمل مع كافة الأطراف في هذه المنطقة على تنفيذ هذه المبادرات، وبذل جهود مشتركة لبناء عالم نظيف وجميل يسوده السلام الدائم والأمن للجميع والازدهار المشترك والانفتاح والتسامح.
السيدات والسادة والأصدقاء!
يشهد الاقتصاد الصيني تعافيا وتحسنا مستمرا منذ العام الجاري، ويتصدر الاقتصادات الرئيسية في العالم من حيث سرعة النمو، وتتقدم التنمية العالية الجودة بخطوات متزنة. ما زالت الصين أكبر محرك للنمو العالمي، وستساهم بثلث النمو الاقتصادي العالمي في العام الجاري. كما قال الأصدقاء من قطاع الأعمال إن الصين قد أصبحت مرادفا لأفضل مقصد استثماري، إن المحطة التالية بعد الصين ما زالت الصين، ونرحب بأصدقاء قطاع الأعمال من كافة الدول لمواصلة الاستثمار في الصين وتوظيف إمكانيات أكبر لسوق الصين!
تتمتع الصين بميزة النظام لما لها من نظام اقتصاد السوق الاشتراكي، وميزة الطلب لما لها من السوق الضخمة للغاية، وميزة العرض لما لها من النظام الصناعي المتكامل، وميزة الأكفاء لما لها من عدد كبير من الأيدي العاملة ذات الكفاءة العالية ورجال الأعمال، وتتمتع التنمية الاقتصادية فيها بقوة دافعة داخلية وصلابة وإمكانيات كامنة قوية. تجاوزت الصين في الماضي العقبات والمطباّت من خلال التغلب على المخاطر والتحديات المتتالية، وحققت إنجازات تاريخية. والآن، لم ولن تتغير أساسيات الاقتصاد الصيني المتميزة بالصلابة القوية والإمكانيات الوافرة والمجال الواسع للتحرك والتوجه نحو الأفضل على المدى البعيد. لدينا الثقة بل القدرة على تحقيق التنمية المستقرة والطويلة الأمد، وسنواصل توفير قوة دافعة جديدة وفرص جديدة للعالم من خلال التنمية الجديدة في الصين.
تطبق الصين على نحو معمق المفهوم الجديد للتنمية الذي يتميز بالابتكار والتنسيق والخضرة والانفتاح والتنافع، وتمضي قدما بالتنمية العالية الجودة بعزيمة لا تتزعزع، مما زاد من النوعية والطابع الأخضر للتنمية الاقتصادية. في السنوات الأخيرة، شهدت صادرات السيارات العاملة بالطاقات الجديدة وبطاريات الليثيوم والمنتجات الكهروضوئية التي تعد “الرموز الصينية الثلاثة الجديدة” نموا سريعا، إن سوق التداول الوطنية للخفض الطوعي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي ستُطلق قريبا ستخلق فرصا هائلة في الأسواق الخضراء. سنسرع في بناء المنظومة الصناعية الحديثة، بما يقدم ضمانا مؤسسيا أفضل لكيانات مختلفة الأنماط في تقاسم ثمار التنمية، ويكوّن قوة دافعة جديدة للنمو، ويوفر فضاء أوسع للتنمية باستمرار.
نتمسك ببناء الدولة مع إبقاء البوابة مفتوحة، وندفع بالانفتاح عالي المستوى على الخارج بعزيمة لا تتزعزع، ونواصل توسيع النفاذ إلى السوق، بدليل أننا قد أعلننا عن رفع كافة القيود عن نفاذ الاستثمارات الأجنبية إلى قطاع الصناعة. وعقدنا مؤخرا الدورة السادسة لمعرض الصين الدولي للاستيراد بنجاح، وسنعقد الدورة الثانية للمعرض العالمي للتجارة الرقمية في أواخر الشهر الجاري، بغية مواصلة توسيع الانفتاح وتقاسم الفرص والفوائد التنموية مع كافة الدول.
تنفذ الصين الآن “اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة” بجودة عالية، وتبادر إلى المواءمة مع القواعد الاقتصادية والتجارية العالية المعايير التي وردت في “الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ” و”اتفاق شراكة الاقتصاد الرقمي”، وتعمل على دفع عملية الانضمام إلى هذين الاتفاقين، وتوسيع شبكة مناطق التجارة الحرة العالية المعايير المتجهة نحو العالم. يصادف العام الجاري الذكرى السنوية العاشرة لمبادرة “الحزام والطريق” التي طرحتها.
عقدت الصين في الشهر الماضي الدورة الثالثة لمنتدى “الحزام والطريق” للتعاون الدولي بنجاح، حيث تم التوصل إلى 458 نتيجة، وأنشأت المؤسسات المالية الصينية نافذة التمويل لمشاريع “الحزام والطريق” بقيمة 780 مليار يوان صيني، وتوصلت المؤسسات الصينية والأجنبية إلى اتفاقيات التعاون التجاري بقيمة 97.2 مليار دولار أمريكي، وذلك سيدفع بالتطور العالي الجودة للتعاون في بناء “الحزام والطريق”، وسيضخ قوة دافعة قوية للترابط والتواصل في العالم وتعزيز التنمية والازدهار.
لن تتغير عزيمة الصين على تكوين بيئة تجارية موجهة نحو السوق ومستندة إلى سيادة القانون ومتسمة بالعالمية، ولن تتغير سياسة الصين لتوفير خدمات متميزة للاستثمارات الأجنبية على قدم المساواة بدون أي تمييز، مهما كانت تغيرات الأوضاع الدولية. سنواصل استكمال آلية حماية حقوق ومصالح المستثمرين الأجانب، ونواصل تقصير القائمة السلبية لنفاذ الاستثمارات الأجنبية، ونضمن على نحو شامل المعاملة الوطنية للشركات الأجنبية المستمثرة، ونواصل تعزيز حماية الملكية الفكرية. وسنعمل على إزالة الحواجز التي تقيّد تدفق عناصر الابتكار، وتعميق الإصلاح في مجال الاقتصاد الرقمي، وتعزيز التدفق الحر والمنتظم والقانوني للبيانات. في الوقت نفسه، سنتبنى مزيدا من الإجراءات “الدافئة للقلب”، بما فيها تحسين السياسات المعنية بقدوم الأجانب إلى الصين وبقائهم وإقامتهم فيها، وتركيز الجهود على إزالة العقبات في خدمات المالية والرعاية الصحية والدفع عبر الانترنت التي تستخدمونها في الصين، بما يوفر ضمانا أفضل للأصدقاء الأجانب من قطاع الأعمال في الاستثمار ومزاولة الأعمال في الصين.
أود أن أؤكد أن تجاوز التحديات والتقدم بخطوات متزنة وتحقيق التنمية العالية الجودة للاقتصاد الصيني لأمر يعد متطلبا ضروريا للدفع بالتحديث الصيني النمط. إن الهدف الأول والأخير للتحديث الصيني النمط هو جعل أبناء الشعب الصيني البالغ عددهم أكثر من 1.4 مليار نسمة يعيشون حياة أفضل. أما بالنسبة إلى العالم، فذلك يعني سوقا أوسع وفرص تعاون لا مثيل لها في السابق، وذلك سيضخ ديناميكية قوية للتحديث العالمي.
السيدات والسادة والأصدقاء!
ظل قطاع الأعمال في منطقة آسيا والمحيط الهادئ رائدا للتعاون في المنطقة وفي عملية التنمية العالمية. فنأمل منكم أن تكرسوا روح الابتكار المتمثلة في “مبادرة قبل الغير”، وتقدموا مساهمات أكبر لبناء اقتصاد منفتح في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتحفيز نمو الاقتصاد العالمي. كما نرحب بقطاع الأعمال في العالم للمشاركة النشطة في عملية التحديث الصيني النمط، وتقاسم الفرص الكبيرة التي أتت بها التنمية العالية الجودة للصين.