جريدة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح*
«على هامش كورونا» تبرز سلوكيات إيجابية، ترافقها ظواهر لافتة وأُخرى مُستنكَرة. وبرغم خطورة الجائحة، إلا أن مواطنين كُثر تحلّو خلال منع التجَوّل بِرُقِي مشاعرهم تجاه عائلاتهم ومجتمعهم، بصورٍ لم أشهدها سابقاً في الحياة اليومية.
لفت انتباهي أحدهم. راقبته وجهدتُ فهم سلوكياته. هو شاب أنيق في مُقتبل العمر، دأب على اصطحاب إحداهن «للتمشي». لا أدري إن كانت زوجته أو حبيبته. المهم في أمره، رقي مشاعره تجاه الجنس الآخر. فَ هَا هو ومنذ عيد الفصح المجيد، وبعد أن أعياه التعب في البحث عن متجر بيع ورود، دأب يُدقّق في كل فضاءٍ عَلّه يقطف وردة حمراء هنا، وأُخريات ملوّنات هناك، لإهدائها لمحبوبته. ليس لدى هذا الشاب نوايا استعراضية أو انتهازية، ويبدو جلياً أن مُرافِقته الأجنبية هذه تحترمه بعمق وتحبه حباً جمّاً، وتستمتع بالورود، فتصرفاتها تؤكّد نشوة كُبرى في مشاعرها تجاهه، إذ أن الأقل من شبابنا يدركون أن للغة الورد والزنبق والدحنون ألقاً خاصاً ومعنًى مميزاً. أغبط هذا الشاب لمشاعره الجيّاشة التي تُعيدُني لأيام الشباب والدراسات العليا.
في سلوكٍ لافتٍ ومحمودٍ آخر، تفرّد صاحب أشهر متجر للمواد الغذائية في جبل عمّان، بإفساح المجال لأصحاب الإعاقات الخاصة بدخول متجره الكبير دون وقوفهم في صفوف طويلة. أضف إلى ذلك، نراه يقف على مدخل المتجر يوزّع بنفسه القفازات على الزبائن، مانحاً بذلك المَثل والقدوة لموظفيه، ولغيرهم، للتمثّل به.
وفي ثالثة، يَنبري شرطي شهم ولطيف المُحيا لإيقاف السيارات المُسرعة، مُفسحاً المجال لمَن يُعانون من إعاقة؛ ككاتب هذه السطور؛ للوصول إلى الجانب الآخر من الشارع بيسرٍ وآمان، عِلماً أن عدداً غير قليل من السائقين لا يَسلكون سلوكيات حميدة كسلوكيات رجل الآمن هذا. شخصياً، أنقذني المولى عدة مرات من سائقين مُتهوّرين؛ وهم كُثر؛ كادوا ينهون حياتي لاستهزائهم بحيوات البشر وقوانين السّير. لذلك، ما أزال أحلم بضوابط حكومية أكثر صرامة، تُنهي خطايا المُتحدّين للقانون عن قصدٍ وإصرار، من خلال تغليظ المخالفات بحقّهم.
في إضاءة صورة مُبكية، لفت أنتباهي في أحد صباحات الجائحة، نِسوة محترمات وأنيقات بأرديتهن البسيطة، يَجمعن الأعشاب بصعوبة مِن على سفحٍ حادٍ لجبلٍ عمّاني. النِّسوة لم يَجمعن الكثير، لذلك كان أمرهن واضحاً: الأعشاب مُعدّة للطبخ.. لعوائلهن! المَشهد كان مُبكياً حقاً.. ولو كنت غنّياً لقدّمت لكُلٍ مِنهن شقةً، وبحثت لهن عن عملٍ محترم، برغم أن هذا الأمر هو من مهام مؤسسات الدولة.
ذات يومٍ مضى، عَجِبتُ لأمر سيارة تقف أمام منزلٍ ونوافذها سوداء سواد ليل بهيم! الزجاج الأمامي للسيارة مُغطّىً (تماماً) بموانع لأشعة الشمس، ويُخيّل للمرء وهذه الصورة أن المركبة إمّا مهجورة، أو أن خللاً فنياً داهمها. لذا، تركها صاحبها في موقعٍ لا يمت لشخصه بصِلة!
تلاشت عدة دقائق بدت هادئة، إلى أن توقّفت سيارة جديدة بجانب «تلك السوداء». ترجّلت منها فتاة جميلة وأنيقة. أخرجت الفتاة هاتفاً من حقيبتها الفخمة، وسارعت بإجراء مكالمة مع شخصٍ ما، وسألتهُ عن مكانه.. وقالت له أنها لا تراه! رحلت ثوانٍ قليلة، وتبيّنت السيدة أن صديقها يجلس بانتظارها في ذات السيارة «السوداء المهجورة!».. وبجانبها هي! صُدمتُ للمشهد المُحيّر. انتظرت قليلاً.. إلا أن شيئاً لم يحدث! أخرجت نظارتي من جيبي، وباشرت “أُحدّق علناً..!» بالسيارة السوداء التي سارعت «والحالة هذه» لمغادرة الموقع!
*كاتب وصحفي أردني