شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم: أحمد عبده طرابيك
شكل تأسيس جمهورية أذربيجان حدثاً سياسياً مهماً ليس في منطقة القوقاز وحسب، بل في العالم الإسلامي بشكل عام، باعتبارها أول جمهورية برلمانية حديثة في العالم الإسلامي. فبعد انهيار الإمبراطورية الروسية خلال الحرب العالمية الأولى، أصبحت أذربيجان جنباً إلى جنب مع أرمينيا وجورجيا جزءاً من الجمهورية القوقازية الاتحادية الديمقراطية. وبعد الإعلان عن حل تلك الجمهورية في مايو 1918، أعلنت أذربيجان استقلالها في 28 مايو 1918، باسم جمهورية أذربيجان الديمقراطية.
ما زاد من أهمية جمهورية أذربيجان الديمقراطية أن برلمان هذه الجمهورية الوليدة منح المرأة حق التصويت ما جعلها أول دولة إسلامية تمنح المرأة حقوقاً سياسية مساوية للرجل، حيث سبقت في ذلك بريطانيا والولايات المتحدة. كما أنشأت جامعة باكو الحكومية كأول جامعة حديثة تأسست في الشرق الإسلامي. ولكن بحلول مارس 1920، كان من الواضح أن روسيا السوفيتية ستهاجم باكو حيث قال فلاديمير لينين أن هناك ما يبرر الغزو السوفيتي حيث أن روسيا السوفيتية لا تستطيع البقاء على قيد الحياة بدون نفط باكو.
جاء في إعلان استقلال المجلس الوطني لجمهورية أذربيجان الديمقراطية أن شعب أذربيجان يتمتع بالسلطة من خلال جمهورية أذربيجان المستقلة التي تغطي جنوب شرق القوقاز، والتي تسعي لإقامة علاقات ودية مع جميع الدول وخاصة دول الجوار. كما تقدم جمهورية أذربيجان الديمقراطية الحقوق السياسية وحق المواطنة لجميع مواطنيها، بغض النظر عن قوميتهم أو طوائفهم أو دينهم.
تبنَّى المجلس الوطني الأذربيجاني في مدينة تفليس إعلان الاستقلال بعدما الحصول على 24 صوتاً، فتم الإعلان الرسمي عن تأسيس جمهورية أذربيجان الديمقراطية؛ وتم اعتماد أول دستور للبلاد. وفي 27 مايو 1918 عقد أعضاء المجلس الوطني اجتماعاً منفصلاً في تفليس وأعلنوا استقلال أذربيجان. ومن ثم تم انتخاب هيئة لرئاسة الجمهورية ورئيس المجلس الوطني لأذربيجان. حيث أُنتُخب محمد أمين رسول زاده كرئيس للمجلس الوطني. وفي 28 مايو عُقد اجتماع آخر للمجلس الوطني الأذربيجاني برئاسة حسن أجاييف. بحضور 26 عضواً، منهم حسن أجاييف، رئيس المجلس. مصطفى محمودوف، السكرتير. فيتالي خان خويكي. خليل حمادوف، نسيب يوسوبايوف، ناريمان ناريمانوف، سلطان ماجد جانيزاده، حميد بك شاختاختينسكي، فيرودان بي كوشارلي، خسروف باشا سلطانوف، وغيرهم. حيث تم اعتماد وثيقة الاستقلال.
وقد سبق انعقاد جمعية رجال الأعمال، تشكيل الحكومة المؤقتة التي تكون مسئولة أمام المجلس الوطني المنتخب من قبل الشعب عن إدارة وأمن وسلامة أذربيجان. وقد وافق المجلس الوطني على تشكيل أول حكومة مؤقتة لجمهورية أذربيجان الديمقراطية برئاسة فتالي خان خويكي. والتي تكونت من فتالي خان خويكي، رئيس مجلس الوزراء ووزير الشئون الداخلية. خسروف باشا باي سلطانوف، وزير الدفاع. محمد حسن هاسينسكي، وزير الخارجية، نصيب بي يوسوبيوف، وزير المالية ووزير التعليم. خليل باي خماسماموف، وزير العدل. محمد يوسف جعفروف، وزير التجارة والصناعة. أكبر آغا شيوليسلاموف، وزير الزراعة والعمل. خداديات بك مالك أصلانوف، وزير الطرق ووزير الاتصالات والمعلومات. كامو بك هاسينسكي، مشرف الدولة.
بعد العمل في تبليسي لمدة عشرة أيام، انتقل المجلس الوطني إلى كنجه التي أصبحت مقر الحكومة المؤقتة. وبعد معارك عنيفة في 15 سبتمبر 1918 قامت أجزاء من جيش القوقاز الإسلامي بقيادة جمهورية أذربيجان الديمقراطية الشعبية ونوري باشا بتحرير مدينة باكو من القوات البلشفية والأرمينية والبريطانية، ومن ثم انتقلت الحكومة إلى باكو بعد ذلك. وعلي الرغم من أن جمهورية أذربيجان الديمقراطية الأولى لم تستمر سوي 23 شهراً فقط، حيث سقطت في 27 أبريل 1920 نتيجة لتدخل الجيش الحادي عشر السوفيتي البلشفي. إلا أن هذه الجمهورية حققت الكثير من النجاح على صعيد بناء الدولة والتعليم وإنشاء جيش، والاستقلال المالي والاقتصادي ونيل الاعتراف الدولي، حيث أقامت علاقات دبلوماسية مع العديد من الدول، كما أعدت دستورها المبني على المساواة في الحقوق والواجبات.
بعد 71 عاماً وبالتحديد في عام 1991، استعادت أذربيجان استقلالها، وأنشأت جمهورية أذربيجان الجديدة المستقلة المزدهرة تحت قيادة زعيمها الوطني حيدر علييف، الذي تحتفل أذربيجان بالذكري المئوية لمولده هذا العام. فقد قاد حيدر علييف شعب أذربيجان لتجاوز مضاعفات فترة الاستقلال عقب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وبعد أن كادت أذربيجان تنزلق إلي حرب أهلية خاصة مع احتلال أرمينيا بدعم من روسيا وبعض القوي الغربية إقليم قراباغ الذي يشكل نحو 20% من مساحة أذربيجان، فعمل علي وقف الحرب وترتيب أمور دولته وبناء مؤسساتها، وفي مقدمتها جيش أذربيجان الوطني الذي استطاع تحرير أراضيه عام 2020 من الإحتلال الأرمني في ملحة عسكرية علي مدار 44 يوماً.
حرص حيدر علييف علي استعادة شعب أذربيجان لهويته الإسلامية والثقافية والقومية، لأنه كان علي يقين بأنه عندما يفقد الإنسان هويته فإنه يفقد معها شخصيته وكيانه، وعندما تفقد الأوطان والشعوب هويتها فإنها تفقد مستقبلها، فقد أكسبه عمله في أعلي سلطة الحكم بالاتحاد السوفيتي ما كان يحاك لوطنه من مكائد، ولذلك فقد عمد الأرمن عند احتلالهم لإقليم قراباغ الأذربيجاني إلي تدمير التراث الحضاري والإسلامي الذي يشير إلي الهوية الأذربيجانية والتراث الذربيجاني في تلك المناطق.
كان حيدر علييف يؤمن بأن العلم هو السبيل الوحيد للنهضة والتقدم، ولذلك كان يقول “شعب غير مثقف لن يستطع أن ينجح في الحياة” فعمل علي تطوير بلاده من خلال المؤسسات التعليمية المختلفة في كافة المجالات، وحرص علي إعداد الكوادر الوطنية ذات الكفاءة العالية في مجالات التعليم والصحة والثقافة والاجتماع والعلوم واهتم بصفة خاصة بميدان البحث العلمي الذي يعد أساسا لنهضة المجتمع وتطور البلاد.
واليوم تخطو أذربيجان نحو المستقبل بخطي ثابتة وهي أكثر قوة وازدهاراً، فقد تغيرت النظرة إليها باعتبارها دولة تمتلك قدرات وامكانيات كبيرة، حيث يتجلي ذلك من خلال ما حققته من تطور ونجاح وانتصارات وازدهار.
*أحمد عبده طرابيك- باحث في شئون آسيا والعالم التركي