شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
محمد بن الحبيب*
لا يمكن للحياة في هذا العالم أن تستمر دون قوانين وأعراف تحكم معاملات الفرد والمجتمعات والدول، وهذا مُسَلَم به طالما سعت البشرية إلى الالتزام بقيم ومبادئ وأدوات ووسائل متفق عليها من حيث توافرها على العدل والمساواة والقيم الإنسانية والأخلاقيات، وخاصة ما يتعلق بصدقية الالتزام بهذه القيم والإيمان العميق بها مما يذلل الصعوبات التي قد يواجهها الإنسان.
فالقرارات الأممية والاعتراف الدولي بالتزاماتها، وحقوق الإنسانية وقيم الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية، والمعايير المتعلقة بتنظيم التجارة وما يتعلق بها من السلع والخدمات ومن شهادات الجودة وأنظمة ورسوم وضوابط تقييد التجارة وتحريرها. فهل هي مجرد مساعي للمصلحة المشتركة أم تحمل وراءها ابعد من ذلك، وهنا أستحضر دعوة نائب ممثل جمهورية الصين الشعبية الدائم لدى الأمم المتحدة “وو هاي تاو” في فبراير الفارط المجتمع الدولي إلى العودة إلى روح ميثاق الأمم المتحدة وتجديد روح التعاون ومحاربة الأحادية والحمائية.
وقد تناول بعض الباحثين مدى صدقية المعايير الدولية المعتمدة في تنظيم علاقات ومعاملات المجتمع الدولي في السياسة والإقتصاد، وخاصة في الأزمات سواء تعلق بمدى عدالتها وعدم وقوعها في مكاييل مزدوجة بين الدول المهيمنة والدول الأضعف في العالم من جهة أو من حيث الإلتزام بها في ظروف الرخاء والسلم وإمكانية تجاوزها في حالات الشدة والصراع من جهة أخرى. بحيث تتحول الوسائل من هدفها النبيل إلى النقيض كما يحدث مع الإستغلال السلبي للتكنولوجيا والتعامل الغير أخلاقي في الإعلام وخطاب السياسيين، على غرار ما حدث في أزمة كورونا التي نعيشها في هذه الفترة العصيبة، والذي أحدث إرباكا كبيرا في العلاقات والتي لا يمكن أن يتجاوزها إلا الملتزمون بالمصالح المشتركة للشعوب بصدق، الأمر الذي أبرزته جمهورية الصين الشعبية بكل احترافية وشفافية، خاصة كونها كانت أول المتضررين من وباء COVID-19 وواجهت صعوبات تجاوزتها بحوكمة التسيير وصرامة وعزم الأمة الصينية حكومة وشعبا. وفي الوقت ذاته كانت أيضا أول المبادرين بالمساعدة بالمعدات والخبرات وتوجيه المعلومات المفيدة للدول، رغم سقوط بعض الإعلاميين في المجتمع الغربي والأمريكي وحتى الرئيس الأمريكي ترامب في تصريحات غير مسؤولة، لم تثني جمهورية الصين عن مواصلة مسؤولياتها الأخلاقية وإستعدادها للتعاون مع الجميع بما في ذلك مصلحة الشعب الأمريكي.
لقد مر العالم بمحطات وأزمات عدة ومختلفة من حيث المقدمات والأسباب وحتى نمط وأسلوب التعامل، وشهدنا الكثير من القرارات التي تجاوزت الأعراف الدولية ولكنها لم تشكل هزة عنيفة للمعايير الدولية بنفس القدر الذي شهدناه في هذه الأزمة العالمية بسبب إنشار فيروس كورونا المستجد والمتسبب في الإلتهاب الرئوي القاتل COVID-19. فقد شهدنا كيف وقعت بعض الحكومات في سلوكات مشينة تكاد تشبه القرصنة البحرية والجوية للمعدات والوسائل الطبية، وتجاهل الكثير من الأصوات التي كانت تنادي بالمساعدات حتى بين الدول المتجاورة والتي تجمعها مواثيق قوية على غرار الإتحاد الأوربي، حيث راح بعض الإيطاليون ينزلون أعلام الإتحاد الأوربي ويرفعون علم جمهورية الصين الشعبية.
ولعلنا جميعا نذكر تصريح الرئيس الصربي “ألكسندر فوتشيتش” في مارس الفارط، والذي وصف التعاون الأوربي بأنه حبر على ورق واصفا استجابة الرئيس الصيني “شي جين بينغ” السريعة في إرسال المساعدات اللازمة لجمهورية صربيا بأنها كفيلة بإعادة النظر في الكثير من الإجراءات الحمائية التي تتخذها الدول الأوربية التي لا تخدم المنتجات الصينية في حين انه في مثل هذه الأزمات لا تفيدنا تلك الإدعاءات الأوروبية بشيء.
أعتقد أن أزمة فيروس كورونا المستجد والمسبب لوباء COVID-19 لم يكن اختبارا للأنظمة الصحية في العالم فحسب، بل كان اختبارا لكل المعايير الدولية ومدى صدقية الكثير من الأنظمة في تقديم المصلحة المشتركة للشعوب أولا. ولعل من الأقدار جاءت ببداية القصة من جمهورية الصين الشعبية لتؤكد دعوتها المتجددة إلى العمل سويا وفق المنفعة المتبادلة للشعوب، وتجاوز المصالح الضيقة للهيمنة السياسية وأعمال الشركات العالمية ورؤوس الأموال الخاصة.
*#محمد_بن_الحبيب#عضو في الفرع الجزائري للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب أصدقاء (وحُلَفُاء)الصين، كاتب وعامل وطالب دكتوراه في مجال التسويق السياحي- عضو الجمعية الجزائرية الوعي والتنمية الاجتماعية.
*التدقيق اللغوي: الأكاديمي مروان سوداح.
*المراجعة والنشر: أ. عبد القادر خليل.