جريدة الدستور الأردنية/
الاكاديمي مروان سوداح
يُعتبر وزير الخارجية الأمريكي بومبيو شخصاً وسيماً وصاحب هيبة طاغية. ونظرة على شخصيته تجذبك لسبرِ أغواره، أفكاره وسياساته.. وطبيعة علاقاته مع أصدقائه وأحبابه.
إلا أن نظرة أخرى على تصريحاته التي أقوم عادة بتوثيقها تُذهلني، بخاصة لجهة تضاربها الواضح برغم تقاربها زمنياً. السيد الوزير مَعذور، فهو ربّان الدبلوماسية الخارجية لدولة هي الأقوى، ومن المحتمل أن انشغالاته لا توفّر إليه ولو فسحة كافية من نومٍ عميق وليراجع تصريحاته اليومية الكثيرة.
في أرشيفي قرأتُ إعلان الوزير عن تقديم بلاده 225 مليون دولار كمساعدات لمكافحة وباء (كورونا)، إذ صرّح بأنه «لا يمكن لأي دولة أن تكون سخيّة مثل الولايات المتحدة»! ولكن التساؤل الأهم: كيف يمكن تفعيل هذا السخاء؟ في الفاتح من فبراير المنصرم، أماط العزيز بومبيو اللثام عن أن حكومته «ستقدم 100 مليون دولار للصين ودول أخرى لمكافحة الوباء». وفي ختام مارس الراحل، ذكّر الوزير الرأي العام العالمي، مرة جديدة، أن بلاده «ستسحب نحو 274 مليون دولار من المساعدات الخارجية»! وفي رد المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الصينية نقرأ: «لم نرَ دولاراً واحداً من المساعدة الأمريكية الموعودة لهذه اللحظة».. وإلى جانب ذلك، لم تتلقَ الصين أي مساعدات أخرى كانت وعدت بها «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية»!. وبرغم كل ما تقدّم وغيره، يواصل السيد الوزير الهمّام توزيع مساعدات يبدو أنها لفظية، و.. يؤكد أن المبالغ المرصودة أمريكياً لتمويل الحرب العالمية على (كورونا) تتجاوز مبالغ الصين بكثير!
استعرضتُ ردود إذاعة الصين الدولية على تصريحات الوزير الأمريكي وهي تتسم بمفردات هادئة. أشارت الإذاعة إلى أن سلسلة عروض بومبيو منذ تفشي الفيروس لم تركّز على آليات العناية المجرَّبَة وتعزيز التعاون الدولي لمحاصرة الوباء. وكبديل عن ذلك، يتم توظيفها واستخدامها لكسب رأس المال السياسي وتحقيق طموحات سياسية أكبر.. وفي مواجهة الأزمة لم يكن سلوك السيد بومبيو وبعض زملائه مُنصبّا على الوقاية من الوباء ومكافحته، وبدلاً عن ذلك «كانوا قلقين فقط من أن الولايات المتحدة ستفقد الهيمنة العالمية».
في صورة مغايرة، نتابع كيف انتصرت الصين على الفيروس، وكيف شغلت المركز الأول بشحن المساعدات لأكثر من نصف بلدان العالم المعادية لها والصديقة على حد سواء. كما شرعت الهيئات والشركات الصينية بتسليم تبرعات وازنة للشعوب، ضمنها هِبات بمليارات الدولارات مصدرها الملياردير الصيني الشهير (جاك ما)، الذي يترأس صندوق خيري دولي. هذه الهبات ترتكز على مفهوم إنساني لإنقاذ ملايين أرواح البشر من موت كاد يكون مُحققَاً، كما «بشّرنا!» به بعض الساسة الغربيين الذين لم يخرجوا بعد عن سكّة الحربين الباردة والساخنة، لتشويه سمعة المساعدات الصينية وواقع تنامي العلاقات الدولية مع بكين. إن مرد كل ذلك إنما هو العقلية الأمريكية بالذات التي ترفع شعار الكسب لأمريكا ومَجمعها الصناعي العسكري فقط، دون الكسب «للأغيار» الذين يُلزِمُهم «الكاوبوي» البقاء في إطار قبضته، ولو أدّى بهم (كوفيد/19) إلى الموت وتآكل سيادة دولهم وهدم مقومات وجودها.
الخَلاص من أزمة (كورونا) يَكمن في مكافحة عالمية جادة له، وتجذير روح الصداقة والتعاون الدولي، والتوقف عن تطيير تصريحات خفيفة، وضرورة إلزام الأغنياء بمساهمات خيرية للمجتمع البشري الواحد، بعيداً عن الحسابات السياسية والمالية الضيقة على حساب المَحزونين. ونأمل أن يُراجع السيد الوزير بومبيو تصريحاته السابقة، وبأن ينشط بتفعيلها بعيداً عن أجواء مريخية حيث لا بشر ولا (كورونا).. قبل فوات الآوان.