جريدة الدستور الاردنية/
الاكاديمي مروان سوداح*
تغلغل (كوفيد/19) بكثافة في دول محدّدة يُولّد الحِيرة في العقول، ويؤشّر على أن هذا الفيروس لا يَعرف حدوداً، فهو ينتشر بسرعة فائقة، ويصيب الأغنياء والمسؤولين قبل الفقراء! ولهذا، يجب على كل الحكومات توحيد جهودها بدعم المنظمات الدولية المحايدة العاملة على محاصرته، للارتقاء الجماعي إلى مستوى الإجراءات والتحديات فاحتوائه للقضاء عليه.
مؤخراً، وقع في يدي بالصدفة عدد من مجلة (الهلال) المصرية من إرث والدي، المرحوم موسى سالم سوداح، يعود بتاريخه إلى أول مايو/1955/ (رمضان1374). طالعت فيه بذهول مقالة خطيرة وبشعة، أُعيد نشرها عن «مجلة ريبورتر»، بعنوان (سلاح جديد في الحرب الباردة.. بالونات تغزو المعسكر الشيوعي). تتحدث عن يد خفية تتدخل بوقاحة في شؤون دول معيّنة، اشتراكية تحديداً؛ لا تتفق سياساتها مع دول غربية تنتشر فيها قواعد عسكرية أمريكية، أُقيمت في خواتيم الحرب الكونية الثانية. هذه العملية التدخلية الواسعة استمرت عدة عقود، وأدارت ظهرها تماماً لحقوق ومصالح المواطن البسيط، ورفضت الارتقاء في نظرتها «للآخر» على أنه إنسان يتمتع بكيان مُقدّس، وجب احترامه وتفهّم تطلعاته ورغباته بحياة هادئة وهانئة في وطنه.
المقالة تؤيد جهات ضمنها «لجنة أوربا الحرة» التي درجت على إرسال «بالونات» متطورة تقنياً، مُحمّلة بمنشورات وأجهزة راديو مرتفعة الثمن كـ»هدايا!» تكون جاهزة للاستخدام «الفوري!». وذات مَرة دُفع بمائة ألف بالون أنتجتها مصانع في المانيا الغربية نحو دول شرق أوروبا. «اللجنة» إيّاها طالبت حكومات فرنسا وإيطاليا وغيرها بمزيدٍ من (المساندة لإطلاق بالونات مُحمّلة بملايين النسخ من المنشورات التي تُصدِرها «اللجنة» كل أسبوعين!). هذه وتلك المنظمات شبه العسكرية والإستخباراتية بقيت إلى اليوم على هدف واحد: استلاب تفكير «العدو» وتجييشه ودفعه للانتفاض على حكوماته الوطنية والاشتراكية بعد احتلال عقله بقصصٍ خيالية، تدفع به لارتكاب حماقات وجرائم قتل وعمليات تخريب يتم تصويرها كَ»نضال»، و»متطلبات دينية»، و»مآثر على «دكتاتوريات»! وهنا بالذات يتكشّف الهدف الرئيس لتلك «اللجان» التي «تحيا» وتتكاثر كتكاثر كورونا إلى يومنا هذا على حساب الأُميين عقولاً وسياسة ووعياً.
زعماء هذه «اللجان» ليسوا ملائكة ولا رجال ديانات أو دُعاة رحمة، ولا يبشرون بأخلاق وقِيم عُليا. هؤلاء لا يعرفون السّماء سوى عندما يَدق الجرس لتطيير بالوناتهم القاتلة صوب «المُخَالِفين». إنهم يتقاسمون المَغانم مع شياطين ومجرمين، ويصطفون إلى جانب انتهازيين و»زعران» تنشط بتصنيعهم وتركيبهم نفسياً وعقلياً ومالياً «بأيديولوجية القطيع» جهات عميقة، تختار عادة السواد غير المُثّقف القابع في قَعر المجتمعات، وتوجِههُ للإطاحة بدول وأنظمة وثقافات ومشاعر إنسانية وقِيم الشرف والأُسرة، وتغتال الدول والتاريخ والبشر واقتصاداتهم وسياساتهم وقادتهم الطليعيين، وتدخِلهم في أفخاخها الإجرامية الشمولية التي وُلِدت تاريخياً في الغرب الجغرافي، الذي يُقدّس المادّة والانحرافية، التوتاليتارية والفاشية والنازية، ويشجّع الفساد المادي والمعنوي، وهدم العائلة، مُدّعياً بأن كل ذلك نيلاً لحرياتٍ ومثالاً للديمقراطية!
في بداية دراستي العليا في الاتحاد السوفييتي، كنت استغرب فرض الحَجر الصّحي بين حين وآخر على مساكننا الطلابية، وتبيّن لي أنذاك أن هنالك «فيروسات جديدة» تنفجر فجأة بوجه المجتمع. وفي الوقت نفسه كانت السلطات تلقي القبض على سُيّاح ومُتدخلين سريين أجانب يفعلون أفاعيلهم في «العدو السوفييتي!». فهل ما نشهده اليوم بانتشار الفيروس الجديد هو إحدى صور التّدخل السافر في يوميات ومستقبل عددٍ من الدول الشرقية الآسيوية والغربية الأُوروبية، التي تسير نحو تعدّدية قطبية، بعيداً عن أُحادية القيادة الدولية، وتتأهب لاستبدال تحالفاتها الأُممية؟!
وإِنّ غَداً لنَاظِرِهِ قَرِيبُ جِدَّاً..!
*صحفي وكاتب أردني.