ولطالما شكلت هذه المجازر التي تبقى من أبشع ما اقترفته فرنسا الاستعمارية, محطة كبرى في تاريخ نضال البلدين وحدت مصيرهما المشترك, لرمزيتها في إرساء التلاحم بين أبناء الجزائر وتونس, و تمجيدا لتاريخهما المشترك بامتزاج دماء شهدائهما, حيث لم تزد هذه الأحداث أبناء تونس حينها إلا إصرارا على الوقوف إلى جانب إخوانهم الجزائريين.
وما زال تاريخ 8 فبراير من كل سنة, يوما مشهودا في علاقات البلدين, يعكس مدى وحشية الاستعمار الفرنسي الذي قصف آنذاك منطقة ساقية سيدي يوسف التونسية بحجة ملاحقة مجاهدي جيش التحرير الوطني من جهة, ويعطي دافعا قويا في تقوية العلاقات الثنائية التي أخذت صفة الصلابة والمتانة من خلال التمسك بمنظومة القيم المشتركة بين البلدين ونضالهما الموحد من جهة أخرى.
ولا يختلف اثنان في التأكيد على أن ما حدث في ساقية سيدي يوسف يمثل بحق حلقة مضيئة في التاريخ المشترك بين الشعبين الجزائري والتونسي وأن استذكار هذه المجازر اليوم يبعث في نفوس الطرفين الشعور بالرضا والاعتزاز بهذا الماضي المجيد وأن الدماء الطاهرة التي امتزجت أعطت للمشككين والمتآمرين درسا في وحدة المواقف وانسجاما في الرؤى والتحاما بين الشعبين.
يعتبر الفضاء الجغرافي لساقية سيدي يوسف وما حدث فيها, إضافة إلى المرجعيات التاريخية الواحدة بين الشعبين وعاء لحمل قيم النضال المشترك والتضامن والتآزر, حيث أصبحت الاحداث نبراسا ومرجعية لانسجام المواقف الجزائرية-التونسية من خلال تخليد مآثر الأسلاف واستشراف المستقبل على ضوء الرهانات والمتغيرات والتحديات التي تعترض الشعبين حاليا.
وفي هذا السياق, يدعو مؤرخون إلى ضرورة مواصلة البحث في مجال التاريخ من أجل حماية ذاكرة الأمة وتمرير رسالة الشهداء والمجاهدين للأجيال الصاعدة في كلا البلدين.
استهدف الهجوم الفرنسي البشع على ساقية سيدي يوسف مدنيين جزائريين وتونسيين وسخرله المستعمر 25 طائرة أسفر عن سقوط 79 شهيدا من بينهم 14 طفلا و20 امرأة و إصابة 130 آخرين بالإضافة إلى تدمير القرية.
وقد شكلت هذه المجزرة من خلال تضحيات الجزائريين والتونسيين مصدر إلهام للأجيال القادمة تستقي منها المعنى الحقيقي للأخوة والتلاحم والتفاني ونصرة الأخ وكذا محفزات تقوية المصير المشترك وتعزيز أواصر التعاون والتكامل المبنية على الإرادة الصادقة التي تطبع التعاون الموجود بين البلدين و المعبر عنها في العديد من المناسبات الرسمية بين القيادتين.