شبكة طريق الحرير الإخبارية/
المنطاد وأمريكا.. منطق غير منطقي..!
كتب الأكاديمي مروان سوداح
ـ مؤسس ورئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والأعلاميين والكتَّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين -الأردن.
من غير الواقعي لدولة كبرى، ذكية وقوية عسكرياً، وتتمتع بمختلف أسلحة الدمار الشامل، على مِثال جمهورية الصين الشعبية الحليفة، أن تطلق قمراً صناعياً عسكرياً وتطيّره في الأجواء الأمريكية من شرق قارة العَم سام إلى غربها. ففي جانب من اللامنطق الأمريكي، هو أن الصين لا يمكنها أن تُهدي المَجمع الصناعي العسكري الأمريكي هدية مجانية، هي منطاد تجسـس يحمل تقنيات متطورة في حين تشهد علاقات بكين وواشنطن مسابقة تكنولوجية دهرية، يسعى كل طرف فيها للتفوق على الآخر، وليفوز بأسواق العالم، وتأييد شعوبه، فلم تشهد السنوات الطويلة المنصرمة حادثة كهذه، ومن الطبيعي والمنطقي أن تقوم أي دولة بإسقاط مثل هذا المنطاد بصواريخها ومدفعيتها وطائراتها الحربية حال دخوله الأجواء السيادية لها، لكن واشنطن لم تشرع بالتصدي للصاروخ فترة طويلة، ما أدَّى إلى استغراب الرأي العام العالمي، ناهيك عن الخبراء والمتخصصين العسكريين وقادة الدول المختلفة.
لا يمكن، بل ومن عاشر المستحيلات لأي دولة أن تُهدي دولة أخرى، أو دول ما، هدية تقنية متطورة بلا مقابل، ناهيك عن أن تلكم الدولة المعنية هي معادية للصين تاريخياً، وتهددها عسكرياً، وتعمل على محاصرتها اقتصادياً بشتى السُبل المتاحة لها، وتشن عليها حرباً إعلامية شنيعة، زد على ذلك أن “العَم سام” يتحيّن الفُرص للإساءة للصين دولياً، وهو أمر يستمر منذ عشرات السنين، أي قبل وخلال وما بعد الحرب الكورية (1950-1953).
التصريحات الأمريكية بشأن المنطاد متناقضة، وأولها أن واشنطن لم ترغب في إسقاطه فوق أراضيها إدعاءً من “خشية” أن المنطاد قد يكون حاملاً لكمية ضخمة من المتفجرات وأسلحة الدمار الشامل، التي تستهدف بالدمار أمريكا والأمريكيين! وثانيها أن واشنطن إدَّعت بأنها تعمل على حماية أراضيها ومواطنيها من انفجار المنطاد الذي “قد!” يكون يحمل المتفجرات. منطق العم سام مُضحك، وطفولي، وهجومي، ولم يَسبق له مثيل في تاريخ الولايات المتحدة، وهو كذلك غير واقعي، ومضحك جداً، ليس للعسكريين فقط بمختلف رُتَبِهِم ونياشينهم، بل وللسياسيين أيضاً، وكذلك لضُعفاء العِلم ب “هَمْبَكَات” السياسة الدولية للعم سام، وعلاقات الدول ببعضها البعض.
في بيانها، أعلنت وزارة الخارجية الصينية، أمس الأحد، “أن الصين أعربت عن استيائها الشديد ومعارضتها لاستخدام الولايات المتحدة القوة لمهاجمة المنطاد المدني الصيني غير المأهول”. واستطرد البيان: “إن الجانب الصيني أطلع الجانب الأمريكي تكراراً، بعد التحقّق، على الطبيعة المدنية والسلمية للمنطاد، وأكد البيان بأن دخول المنطاد إلى أجواء الولايات المتحدة كان بسبب قوة قاهرة، ولم يكن متوقعاً أبداً، مُشيراً إلى أن الجانب الصيني كان طالب من الجانب الأمريكي التحلي بوضوح التعامل بشكل صحيح مع هذا الأمر، وبطريقة هادئة ومهنية وضبط النفس.
وفي السياق ذاته، أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، يوم الجمعة الماضي، رداً على استفسار ذي صِلة، إن المنطاد المدني يُستخدم لأغراض بحثية، ولا سيَّما الأرصاد الجوية، وبتأثير من الرياح الغربية والقدرة المحدودة على التوجيه الذاتي، انحرف المنطاد بعيداً عن مساره المخطط له.
ووفقاً لبيان أدلى به قبل تفجير أمريكا للمنطاد، أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن المنطاد لا يُمثل تهديداً عسكرياً أو جسدياً للأشخاص على الأرض، وهذا البيان يَنسف كل إدعاءات واشنطن التي تمحورت تصريحات بعض جِهاتِها مؤخراً حول خطورة المنطاد، وطبيعته العسكرية والهجومية على أمريكا، وهو ما يؤكد أن هذه التصريحات الأمريكية المتناقضة إنما تكشف عن وجود تباينات حادة وعدم انسجام بين القيادات الأمريكية المختلفة، ليس بشأن المنطاد فقط، بل وفي السياسة الدولية للولايات المتحدة، وفي النهج الأمريكي تجاه الصين وروسيا ودول عديدة أخرى، وهو علامة على وجود صراع سياسي وحزبي وغيره بين اللوبيات ومراكز الضغط السياسية والاقتصادية، ولدى الاحتكارات الأمريكية وأطراف وجهات أخرى متعددة وذات مصالح شتى، بخاصة أن شخصيات أمريكية بارزة، وجماعات الضغط، ومنظمات وهيئات وأطراف أمريكية متعددة المصالح، تسعى إلى تعكير علاقات واشنطن مع بكين، أي أن بعض القيادات الأمريكية تعارض التقارب مع الصين، وبعضها يخشى عودة جزيرة تايوان للصين الأم، فتفقد أمريكا بالتالي قاعدة عسكرية “متقدمة” لها تُهدِّد الصين، إذ طالما أعلنت هيئات وشخصيات أمريكية عالية المستوى في واشنطن، أن تايوان هي “المنطلق الأنسب!” لبدء الهجمات الأمريكية على الصين، إذ أن واضعي السياسة “هناك” يتحينون الفُرص لتفعيل القوة ضد بكين، اعتقاداً منهم أن “عمو سام” ما زال في كامل قواه الحربية وسويته العقلية!!!
وفي ظل هذه الظروف الدقيقة، فإن استخدام الولايات المتحدة للقوة هو بمثابة رد فعل مبالغ فيه بشكل واضح، وانتهاك خطير للممارسات الدولية، و”التهديد الأكبر” للنظام الدولي والسلام العالمي، فقد أكدت برهنت الصين وأبرزت بأنها ستعمل بحزم على حماية الحقوق والمصالح المشروعة لها، وستحتفظ بالحق في تقديم مزيدٍ من الردود إذا لزم الأمر. يتبع.