شبكة طريق الحرير الإخبارية/
في الذكرى الكفاحية ألـ50 للطيارين الأُمميين الكوريين
بقلم: الأكاديمي مروان سوداح
مع انطواء شهر أُكتوبر 2022، نكون قد دلفنا إلى الذكرى الخمسين للمساعدة الأممية التي قدَّمَتها جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية الحليفة لمصر وسورية، في حرب أكتوبر 1973 التحريرية.
نصف قرن إنقضت على موافقة الزعيم العظيم، الراقد كيم إيل سونغ، على ابتعاث هؤلاء الطيارين لهاتين الجبهتين العربيتين، في مسعىً واضح لتعميد العلاقات الكفاحية الكورية العربية بالدم وشراكَة المبدأ والعقيدة على نطاق دولي، بعيداً عن الإقليمية والمكانية المتحوصلة على ذاتها، فكان التحرك الكوري صوب سوريا وإزاء مصر فورياً ودون أي تردد، ونقلة نوعية لم يسبق لها مثيل في تآخي الدم بين عالمينا: الكوري القائم في أقصى شرق آسيا، والعربي المُستقر في أقصى غربها وفي شمال إفريقيا.
للأسف، سواد المواطنين العرب لا يعرفون هذه الحقائق لأسباب متعددة لا مجال لتعدادها هنا، إلا أن المثقفين والمتابعين السياسيين يعرفون عنها بإتِّساع. بالطبع، كان الالتحام الكفاحي العربي الكوري صلد إلى أقصى درجة، وبه أكدت كوريا كيم إيل سونغ الاشتراكية، وما تزال كوريا كيم جونغ وون الزوتشية تشدّد حتى اللحظة على استعدادها للقتال كتفاً إلى كتف مع الجيوش العربية، في سبيل ترجمة المبادىء المشتركة على أرض الواقع اليومي، ولتوطيد متواصل لجبهة المقاومة للاستعمار العالمي، ولأجل انعتاق شعوبنا وتحررها مِن كل ما مِن شأنه ممارسة الأجنبي إملاء شروطه التدميرية علينا.
في مذكرات القادة المصريين يتم الحديث عن أن التضامن العربي الكوري تجسَّد بصور نادرة في حرب أكتوبر، وها نحن في ذكرى نصف القرن على هذه المأثرة نَمحي الغُبار الذي تراكم على هذه المساعدة الأممية الكورية من خلال استحضارها وحديثنا عنها، ونسجل التعريف بها كما فعل الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، خلال تلك الحرب، إذ إنَّهُ أحد أبطالها العُظماء الذي وفَّرَ للقارىء العربي وأجيال العرب حقائق مذهلة في هذا المجال.
في مذكراته يتحدث “الشاذلي” عن كوريا الديمقراطية، “الشمالية”، التي ساندت مصر بطيارين مقاتلين أكِفَّاء، ويَسرد كيف بدأت هذه المسألة من خلال زيارة نائب رئيسها إلى مصر، وزيارته للجبهة ومع تبادل الرأي في الاستعداد للمعركة، وانتهز الشاذلي الفرصة ليسأل نائب الرئيس الكوري عن إمكانية إمداد مصر بطياري “ميج 21″، ووافق الرئيس السادات على الفكرة، وسَاَفَر الشاذلي إلى العاصمة الكورية بيونغ يانغ للاتفاق على التنفيذ.
في أوائل يونيو 1973 كان الطيارون قد بدأوا بالوصول إلى مصر من كوريا، واكتمل تشكيل السرب الذين يعملون فيه خلال شهر يوليو. يقول الشاذلي: أرسلت كوريا لمصر 30 طياراً، و8 موجهين جويين، و5 مترجمين، و3 عناصر للقيادة والسيطرة، وطبيباً، وطباخاً، وكانت القاعدة التي خدموا فيها تضم 3 آلاف مصري، يديرون شبكات الرادار والدفاع الجوي والدفاع الأرضي عن القاعدة، وجميع الشؤون الإدارية الخاصة بالسرب، وكانت العلاقة بين المصريين والكوريين تسير على أحسن ما يرام، و”كان الكوريون بالنسبة لرجالنا شخصيات غريبة، فهم يعتمدون على أنفسهم في كل شيء، ينظفون أماكن سكنهم بأنفسهم، ويُشغِلون أنفسهم دائماً بشيء ما، فأحدهم إمَّا أن يكون في مهمة تدريبية، أو أنه يقوم بالدراسة، أو بأعمال رياضية. ليس لديهم وقت للفراغ، ولا يعانون من أيّ متاعب إدارية يشكون منها. ويؤكد الفريق الشاذلي على أنه وقعت اشتباكات بين الطيارين الكوريين والإسرائيليين قبل حرب أكتوبر، ووقع الكثير خلال الحرب نفسها. ويستطرد الشاذلي، إنه يَحكي القصة حتى يعرف المصريون كل مَن وقف معهم وقت الشدِّة، وأن أمريكا و”إسرائيل” والاتحاد السوفييتي آنذاك، كانوا يعلمون حقائق الدعم الكوري لمصر. فالطيارون أثناء تدريبهم اليومي كانوا يتحدثون باللاسلكي باللغة الكورية مع أعضاء التشكيل ومع الموجهين الأرضيين، وفي استطاعة أي جهاز مخابرات أجنبية أن تسجّل هذه المحادثات.
في اعتراف الاحتلال الصهيوني بوجود الطيارين الكوريين وقتالهم الماهر على الجبهة المصرية، كتبت اليهودية “نحماه دويك”، في جريدة “يديعوت أحرونوت”، بتاريخ 23-12-2011، تقول: “أنه في 15 من أُغسطس 1973 التقطت المخابرات “الإسرائيلية” بث شبكة اتصال مجموعة من الطيارين في طائرات ميغ 21 مصرية، كانت تُحلِّق في السماء. لم يتحدث الطيارون باللغة العربية ولا بالروسية. لم يستطع أحدأ فهم أو معرفة أي لغة يتكلمون. ولكن مساهمة هذه البعثة كانت أكبر وأعظم من عددهم. اشتبكوا مع طائرات “إسرائيلية” في الجو مرتين أو ثلاثة مرات في أغسطس وسبتمبر.. جميعهم من ذوي الخبرة. لأغلبهم أكثر من 2000 ساعة طيران”.. في سبتمبر 1973 أسقط الكوريون طائرة إسرائيلية. في اثناء الحرب حدثت بعض الاشتباكات معهم. وللحديث بقية.