شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم: الدكتور مختار فاتح بي ديلي
*طبيب- باحث في الشؤون التركية وأوراسيا
الحقائق التاريخية لمدينة شوشا الأذربيجانية استنادًا إلى الوثائق التاريخية المكتوبة والتي تعكس الادعاءات والأكاذيب الأرمينية التي لا أساس لها من الصحة، تلك الادعاءات التي كانت تستند إلى أكاذيب مفادها بأن منطقة قره باغ، هي منطقة أرمينية وأن سكانها هم من الأرمن. غير أن التاريخ يفضح ويكذّب ادعاءاتهم، ذلك أن الأرمن قد جلبوا إلى منطقة ناغورني قره باغ نتيجة لاتفاقية تركمانشا المبرمة بين روسيا وإيران، حيث مارس الأرمن بعد ذلك أبشع أنواع البطش والتنكيل والتهجير بحق السكان المحليين من مسلمي أتراك أذربيجان، وارتكبوا أفظع المذابح الوحشية ضدهم، وقاموا بتدمير المعالم المعمارية ذات القيمة التاريخية وطمسها، كل ذلك من أجل مسح تاريخ شوشا الأذربيجانية وإكساء المدينة صبغة أرمينية.
مدينة شوشا الأذربيجانية المحررة، هي أقدم مركز للثقافة والأدب والشعر والموسيقى الشعبية الكلاسيكية في أذربيجان. ويحظى تاريخ قلعة شوشا الواقعة في شمال المدينة، والتي شُيدت لصد هجمات الأعداء، بأهمية خاصة.
تأسست مدينة شوشا في منتصف القرن الثامن عشر وفقًا لمصادر تاريخية،أمر مؤسس خانات أذربيجان في قره باغ عام 1747 باناهالي خان قره باغ (1693-1763)، ببناء قلعة شوشا عام 1752 لحماية المدينة من الهجمات الخارجية، لكن أي من هذه الحصون لم تستطع حماية الخانات من الحروب والهجمات المستمرة (وكانت القلعة تسمى أيضًا بـ باناه أباد قلعه سي، وتم صك عملة فضية تخليداً لذكرى مؤسس القلعة حسب المصادر التاريخية).
حسب المؤرخين الأذربيجانيين الذين درسوا تاريخ قره باغ، يكتبون أن المدينة تقع على ارتفاع يصل إلى 1300-1600 مترًا فوق سطح البحر. فالهضبة هذه مرتفعة، وتحيط بها منحدرات شديدة الانحدار من ثلاث جهات. فقد بنى باناهالي خان المدينة هنا على الرغم من تسمية المدينة في الأصل باسم (باناه أباد) تكريمًا له، إلا أنها سميت فيما بعد بـ “شوشا”.
في عهد الحاكم الثاني لقره باغ، إبراهيم خليل خان (1721-1806)، كانت القلعة محاطة بحاجز دفاعي حصين، وتم تأسيس العديد من ورش الحرف والحدادة وصناعة الأسلحة في هذا المكان. كانت الحرف اليدوية والأسلحة التي ينتجها حرفيو شوشا مطلوبة بشدة في البلدان القريبة والبعيدة في تلك الفترة.
على لوحة شعار مدينة شوشا وكما هو الحال في جميع المقاطعات الساحلية لبحر قزوين، توجد صور للنمر الذي يرمز إلى النار والقوة، وحصان قره باغ الأصيل في الوادي الأخضر.أسماء جميع مناطق وأحياء مدينة شوشا، التي تتكون من 17 مقاطعة، ترمز الى الأصول الأذربيجانية التركية. حيث توجد في كل حي من أحياءها حمامات ومساجد ونوافير.
تحولت المدينة ابتداء من القرن الثامن عشر، إلى واحدة من أهم المراكز الثقافية في أذربيجان ، وبدأت تعرف باسم “باريس الصغيرة”، و”معبد الفن القوقازي” ، و “مركز الموسيقى الأذربيجانية”، و “مهد للموسيقى في جنوب القوقاز “، كلها تشير إلى أذربيجانية المدينة، إذ لم يتم العثور على أي كلمة أرمينية في المصادر الأدبية والتاريخية المكتوبة التي تصف تلك الفترة.
فقبل الغزو الروسي للمنطقة، لم يكن بالإمكان العثور على الأرمن وأثارهم في خانات قره باغ ، حيث كانت الإدارة هي للأتراك الأذربيجانيين . وقع بافل سيسيانوف وإبراهيم خليل خان، القائد العام للقوات العسكرية الروسية في القوقاز ، اتفاقية كوريتشي بتاريخ 14 مايو 1805، والتي سمح بموجبها بدخول الإمبراطورية الروسية إلى منطقة قره باغ.
أكدت المادة 10 من الاتفاقية على حرمة حدود الخانات بأن تكون مدة العقد دائمة غير قابلة للتغيير. وقد جاء ذكر توقيع إبراهيم خليل خان في الوثائق باسم “إبراهيم خان من شوشا، قره باغ”.
نتيجة للحرب الروسية – الفارسية ضُمت خانية قره باغ (إلى جانب خانات أخرى شمال نهر أراز) إلى الإمبراطورية الروسية في أوائل القرن التاسع عشر. ووفقًا لمعاهدة تركمانشاي المبرمة في ١٠ فبراير ١٨٢٨، بدأ الأرمن الذين استقروا في قره باغ بالمطالبة بأراضي شوشا وغيرها من الأراضي الأذربيجانية وفقًا لسياسة التوطين وتنصير السكان التي اتبعها القيصر الروسي آنذاك. وبعد تعيين فاليريان غريغوريفيتش ماداتوف، الجنرال الروسي ذو الأصول الأرمنية قائدًا لـ شوشا، تسارعت وتيرة توطين الأرمن في هذه المناطق، واكتسب ذلك استمرارية على المدى الطويل.
وبحسب المؤرخين، انتقل 40.000 أرمني من إيران، و 84.000 من تركيا إلى جنوب القوقاز فيما بين أعوام 1828-1830 في مسعىً لتغيير التركيبة السكانية لـ ناغورني قره باغ خلال عهد الإمبراطورية الروسية. ويقول المؤرخون إن الأرمن عاشوا في شوشا في القرن التاسع عشر مع الأذربيجانيين.
في السنوات الأولى للدولة السوفيتية في أذربيجان عام 1921، تم تحديد شوشا كمركز لمنطقة ناغورني قره باغ المتمتعة بالحكم الذاتي المنشأ حديثًا. إلا أن هذا القرار تغير في عام 1923 وتم نقل المركز إلى مدينة خانكندي. كانت شوشا تعتبر منتجعًا في العهد السوفيتي نظرًا لطبيعتها وهوائها النقي وقيمتها العلاجية. وكانت هناك كنائس ومساجد وقوافل ومتاحف. ويعود تاريخ مسرح شوشا إلى نهاية القرن التاسع عشر. في الحقبة السوفيتية كانت شوشا المدينة الوحيدة التي تصنع ألة الكمانشا والعود والطبول وغيرها من الآلات الموسيقية، فكانت المدينة مصنعًا للآلات الموسيقية الشرقية الوطنية. كما كانت المدينة تحتوي قبل الاحتلال على عشرات المتاحف وعلى العديد من مؤسسات التعليم الثانوي والعالي والمدارس والمكتبات.
أما المثقفين ومشاهير الفنانين الأذربيجانيين في المدينة فهم كثر ومنهم؛ عزير حاجبكوف، بلبل، خان شوشينسكي، فيرودين بك كوتشارلي، عبد الرحيم بك فازيروف، عبد الرحيم بك هاجفيردييف، خورشودبانو ناتافان، حميدة خانوم جافانشير، أحمد باي أغاوغلو، وكلهم في الأصل من شوشا. أقام الرسام الروسي الشهير فاسيلي فيريشاجين، الذي زار مدينة شوشا في مايو 1865 مدة 3 أشهر تقريبًا في هذه المنطقة. وبعد عودته إلى باريس رسم سلسلة من اللوحات عن مدينة شوشا، حيث تثبت هذه الصور أن شوشا، هي مدينة أذربيجانية خالصة. ويمكن فهم ذلك بسهولة من أسماء اللوحات التي رسمت كـ “مسجد شوشا”، و”شهر محرم في شوشا”، و”مدرسة إسلامية”، و”منزل قاعة ريتش التتار (الأذربيجانية) في شوشا”، و”ريتش تاتار سلام في شوشا” … إلخ. وهذه اللوحات كلها محفوظة في متحف “هيرميتاج”.
بعد احتلال القوات العسكرية الروسية – الأرمنية في 8 مايو 1992، سعى الأرمن إلى تدمير آثار الثقافة الأذربيجانية في شوشا، إذ أقدم الأرمن على تدمير ما يقرب من 600 أثر ومعلم تاريخي معماري أذربيجاني منها؛ قصر بيناهالي خان، ومسجد يوكاري جيفر آغا، منزل أشهر شاعرة من الشرق، ابنة خان هورشدبانو ناتافان، نصب الوزير الأعظم لخانات قره باغ، الشاعر الشهير ملا بيناه فاجيف، منزل زاير حاجي بيلي مؤلف أول أوبرا ومؤلف وملحن أغنية البحر الأسود، ومنزل المطرب الشهير بولبول، ومنزل الموسيقار والرسام مير موفسون نيفاب، حيث نهبوا أكثر من 10 آلاف تحفة من مقتنياته المعروضة، وكذلك متحف الحرف اليدوية الحكومي، كذلك تمت سرقة ونهب ما يقرب من 100 قطعة أثرية من متحف ولاية قره باغ التاريخي، ونقلها إلى أرمينيا، في حين دُمرت المقبرة الإسلامية القديمة في المدينة وسويت بالأرض.
وأخيرًا وجدت العدالة والحق مكانهما الطبيعي بعودة الاراضي المحتلة لأصحابها الأصليين.
وعلى مدى 28 عامًا من الاحتلال الأرميني للأراضي الاذربيجانية، كانت أذربيجان وشعبها يتوقان وبشوق إلى عودة مدينة شوشا التاريخية الى حضن الوطن. إذ طوال فترة الاحتلال تم اتباع نهج سطحي من قبل المجتمع الدولي وخاصة من قبل مجموعة منيسك، والتي كانت مسؤولة عن حل القضية ولكنها طوال فترة الاحتلال لم تتوصل إلى إيجاد أي حل بشأن هذه القضية، وبالعكس فقد تواصل الهجوم الأرميني على المدنيين الذين يعيشون في تلك المنطقة على الدوام.
وفي النهاية، وبعد فشل المحادثات الطويلة المستمرة بين الطرفين بوجود الوسطاء من مجموعة منيسك، صرح الرئيس الأذربيجاني والقائد العام للقوات المسلحة إلهام حيدر أوغلو علييف، بأنه ليس هناك بديل عن الحل العسكري، وأعرب أن الحل العسكري لا مفر منه في سبيل استعادة الوطن لأراضيه المحتلة.
في فترة الاحتلال الأرميني لمدينة شوشا الواقعة على بعد 373 كيلومترًا من العاصمة الأذربيجانية في 8 مايو 1992، استقر سكان المدينة الأصليين الذين هاجروا من مدينتهم في مناطق مختلفة من أذربيجان كنازحين. وبحسب البيانات الرسمية الأذربيجانية، قُتل أثناء احتلال شوشا 195 شخصًا وأصيب 165 آخرين، ونتيجة لذلك، نزح حوالي اكثر من 25 ألف أذربيجاني مسلم من أرضه.
واعتبارًا من 27 سبتمبر 2020، بدأ الجيش الأذربيجاني بقيادة القائد العام المظفر إلهام علييف باستعادة الأراضي قرية تلو قرية، وبلدة تلو بلدة، ومدينة تلو الأخرى، والتي دمرها الغزاة الأرمن طوال عقود الاحتلال، وقد رفع العلم الأذربيجاني ذو الثلاثة ألوان مرفرفًا في سماء تلك المنطقة من جدي.
وفي الثامن من نوفمبر، استعادت أذربيجان شوشا التي كانت تتوق إليها … يوم ١٠ نوفمبر هو يوم النصر، يوم وحد الأراضي الأذربيجانية.
المراجع:
مارغولين م. شوشا // قاموس موسوعي لبروك هاوس وإيفرون 1890 -1907.
بوتو ب. أ. (الدفاع عن قلعة شوشي) أ. بيريزوفسكي، 1900- 32 ص – (مكتبة سولداتسكاي ).
أ. م. بروخوروف (الموسوعة السوفيتية العظمى)- ط. الثالثة، 1969-1978.