شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
إبراهيم عَيَّاد.. فَارِس الكَنيسة والمَسجد (1)
بقلم: الأكاديمي مروان سوداح
بَعد ظهر يوم السبت، الثامن من كانون الثاني/ يناير 2005، توفي الأب الحبيب، الخوري إبراهيم عيَّاد، المُناضِل التاريخي الشهير، والمُكَافِح العَرمرَم، والنبيل، وصاحب الكلمة المُستقِيمة والحق، وقد دفن في جوار كنيسة “سيِّدة الرُّعاة” في “بيت ساحور”، لينتقل من “المُستشفى الفرنسي” حيث رَقَدَ، إلى قُدسِ الأقداس التي أفنى حياته في سبيلها. شخصياً، فُجعت وبكيت وللآن أبكي “أبونا” العظيم إبراهيم عيَّاد، فهو وقبل أن يكون قريبي بصلةِ الدَّمِ من طرف والدتي، كان سَندي وركيزتي ومُنقِذي من المَهاوي التي تكالبت علي دهراً من “أزلام البيع والشراء”، فكان يَرحمه المولى ويُحسن إليه، الشفيع لي في هذه الدنيا، وسيكون إن شاء الله شفيعي في الآخرة أيضاً.
إبراهيم عيَّاد، مُناضل حقيقي يَعرفه القاصِي والدَّاني، في الوطن الأُردني – الفلسطيني، وفي “الفاتيكان” الذي لم يتمكن من إيقاف نضال “أبونا عيَّاد”، كونه كاهناً طُلِبَ منه “عدم التدخل في السياسة ودهاليزها”، إلا أن “أبونا عيَّاد” المُحب لشعبه، وقوميته، ووطنه، وعروبته، وإنسانيته، ومكانته العالية كرمز كفاحي في الأوساط العربية والعَالميَّة، رفض كل ذلك رفضاً تاماً، وبقي على خط سيره نحو هدفه لتحرير شعبه، وفي سبيل نُصرة المُستضْعَفين في كل أمكنة المَعمورة. وفي السجال الذي نشط بين الأب عيَّاد والفاتيكان، كانت والدتي سُعَاد، تترجم للعربية رسائل الفاتيكان المرسلة إليه، وتكتب باسمه باللغة الإيطالية رسائله الموجَّهة للكرسي الرسولي، والتي رفض فيها التخلي عن قضيته، مؤكداً بأنه رجل دين ومن واجبه الديني والأخلاقي والسياسي والعقائدي أن يكون جزءاً لا يتجزأ من شعبه، وأن يقف بقوة إلى جانب هذا الشعب المَكلوم والمُسْتَعْبَد (بفتح الباء) استعمارياً وصهيونياً.
لم يَكن الأب عيَّاد وطنياً وتحرريّاً فحسب، بل وأممياً أيضاً، وتحرّك لتصليب العلاقات الفلسطينية مع أشقاق وأصدقاء وحُلفاء القضية الفلسطينية في كل رياح العَالم، فقد مخرت سفينته الكبيرة والصلدة كل بحار وفيافياً، وكان جَمَل المَحَامِل الأثقل وزناً، لكنه لم يتراجع عن مبادئه وعقيدته ومسيحيته التي ألزمته صد العدوان عن شعبه والمظلومين، وقد نَفَتْهُ سلطات الاحتلال بعد حرب 1967 إلى خارج الوطن اعتقاداً منها بأن نفيه يمكن أن يُخمِد هِمَّة المناضلين والانتفاضة الفلسطينية، فقد كان الخوري عيَّاد رمزاً مُتألقاً للتآخي الإسلامي المسيحي. جاء في مدونة الصحفي نجيب فراج التالي: ُقلَّد الأب عيَّاد مناصب عديدة خارج الوطن، وكانت من أهم محطاته الأساسية بيروت حيث تعززت علاقته بالرئيس أبوعمار وعيّن بمنصب “مستشار منظمة التحرير للعلاقات مع الفاتيكان”، مِمَّا كان له الأثر المَلموس في تبنِّي الفاتيكان لمواقف مناصِرة ومؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني بفضل الجهود التي كان يبذلها الأب عيَّاد بفضل تواصله المباشِر مع كبار المسؤولين في “مدينة الكرسي الرسولي”، وعيّن الأب عيَّاد كذلك عضواً في المجلسين الوطني الفلسطيني والمركزي وترأس اجتماعه عام 1986 كونه أكبر الأعضاء سناً، وقد ألقى خطاباً وطنياً مؤثراً، وشارك في مؤتمر الجزائر عام 1988 الذي أُعلنت فيه وثيقة الاستقلال.
وفي عام 1974 غادر إلى تونس ليكون المفوض الفلسطيني العام لدول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، والتي ضَمَّت آنذاك 21 دولة. فقام الأب عيَّاد برعاية شؤون المغتربين العرب، وتعميق الروابط مع الشعوب لدعم القضية الفلسطينية في كافة المحافل الدولية، كما شَرَعَ بتنظيم العديد من المؤتمرات الدولية خاصة في “تشيلي” و”البرازيل”، وضرب أروع الأمثلة في التآخي الإسلامي المسيحي، حين قاد حملة لبناء جامع في مدينة فالنسيا في فنزويلا، وشخصياً وضع فقيدنا حَجَر الأساس له. جَسَّدَ الأب عيَّاد في حياته وَحدة الشعب الفلسطيني مسيحييه ومسلميه، إذ حَمَلَ رسالة الوَحدة الوطنيَّة والاجتماعيَّة إلى كل بقاع الدنيا، ومن المواقف المشهورة له بهذا الصدد ما جرى معه في فنزويلا عندما وجد أن المغتربين المسلمين يعانون كثيراً لدى دفن موتاهم، فلا بيوت للموتى لديهم ولا مقبرة خاصة لدفن موتاهم، ولا جامع لإقامة الصلوات، فكان أن قاد الأب عيَّاد بنفسه وبجهوده الذاتية، حملةً نشطة لجمع التبرعات، مجسداً بذلك التآخي المسيحي الإسلامي في أبهى صورة، ووضع بيده حَجَرَ الأساس لبناء هذا الجامع، الذي أُطلق عليه اسم “جامع الأب عيَّاد”. وقال الأب عيَّاد خلال كلمته في افتتاح الجامع رداً على كلمة إمام الجامع الذي أثنى على موقف الكاهن عيَّاد ببناء الجامع: يا شيخنا! يبدو أنك لا تعرف طبيعة شعبنا الفلسطيني، فهو قبل أن يكون مسيحيّاً أو مسلماً فهو فلسطيني حتى النخاع، وهذا التآخي الإسلامي المسيحي ورثناءه عن الآباء والأجداد ..والبقيَّة تأتي.
*المصدر: الأنباط.