*جريدة الشروق أونلاين/
يؤكد القائم بأعمال جمهورية أذربيجان بالجزائر، إلهام علييف، متانة وقوة العلاقات الثنائية بين البلدين، ويتحدث الدبلوماسي الآذري في هذا الحوار مع الشروق بمكتبه، عن ازدياد عدد السياح الجزائريين إلى أذربيجان، بعد الإجراء المتخذ والمتمثل في منح تأشيرات إلكترونية. وفي الملفات الدولية، يؤكد أن بلاده تدعم حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشريف، وأن أذربيجان منخرطة وبشكل فعال في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب. ويعرج إلهام علييف في حديثه، عن الداخل الأذري، وكيف استطاعوا الحفاظ على إسلامهم وهويتهم وتقاليدهم، وعن النزاع الحدودي مع الجارة أرمينيا.
كيف تقيمون العلاقات الثنائية بين أذربيجان والجزائر؟ وما هي أولوياتكم كسفارة وكحكومة لتعزيز العلاقات بين البلدين؟
في ما يخص العلاقات الآذرية الجزائرية، بودّي أن أقدم معلومات عن بلدي، أذربيجان تسمى بوابة الشرق، لكونها بين أوروبا والشرق، وهي أيضا جزء من العالم الإسلامي، فأول مسجد في بلدي أقيم سنة 743 ميلادي، والمؤرخون من القرون الوسطى، يقولون إنه في القرن 11 ميلادي كانت أذربيجان وكارا باخ مركز الخلافة العربية.
وبعد إعادة استقلالها الأول عام 1918، كانت أول جهورية ديموقراطية في الشرق، وعاشت هذه الجمهورية 23 شهرا، وبعدها جاء النظام السوفياتي، وصرنا واحدة من الجمهوريات السوفييتية، وبعد أن انهار الاتحاد السوفياتي نلنا استقلالنا، وحققنا إنجازات كبيرة في شتى المجالات.
سياسيا، نحن جزءٌ لا يتجزأ من العالم الإسلامي، وحظينا بدعم كبير من العالم الإسلامي والجزائر، لما تعرضنا للعدوان الأرميني على كارا باخ، كلهم دعموا وحدة ترابنا، ونحن نعمل ونبذل الجهود لتعزيز علاقاتنا مع العالم الإسلامي.
لدينا علاقات استراتيجية مع روسيا وإيران وتركيا، ونخصص جزءا كبيرا من جهودنا لتعزيز العلاقات مع الدول العربية، ولنصرة القضية الفلسطينية، نحن ندعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ونحن نقدِّم المعونات الإنسانية والمادية لفلسطين، وهذا شرفٌ عظيم لدينا، ونتشرَّف بوجود سفارة فلسطينية في العاصمة باكو.
كما لنا علاقات مهمة مع دول في منظمة عدم الانحياز، معتمدين مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول، وتشرّفنا باستضافة القمة السنة الماضية، بمشاركة الرئيس عبد القادر بن صالح، وكانت زيارته تاريخية، وكانت الزيارة الأولى من نوعها بين البلدين، وتمت مقابلة بين الرئيسين.
في الستينيات والسبعينيات، الكثير من خبرائنا اشتغلوا في الجزائر، وحاليا بعضهم يدرِّسون في جامعة بومرداس ولديهم مؤلفاتٌ بالروسية.
بخصوص العلاقات مع الجزائر، خاصة أن الإسلام يجمعنا، هي علاقات تاريخية من فترة الاتحاد السوفياتي، الكثير من الإطارات الجزائرية تلقت دراستها في أذربيجان، وأذكر هنا مدير أوبيرا الجزائر، وغيره من الطلبة الذين تابعوا دراستهم في أذربيجان في مجال الطب والبحرية.
أنا أشعر بدعم كبير من الجزائر، هنالك تسهيلات حكومية في نشاط السفارة، العلاقات السياسية في أعلى مستوى، السنة الماضية احتفلنا بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأهمّ شيء تعيين سفير الجزائر في العاصمة باكو، ويتعلق الأمر بالسيدة سليمة عبد الحق، ويحدونا الأمل والإصرار على تعزيز العلاقات، وأول شيء الأطر القانونية، نجهز الآن بعض الاتفاقيات، وأهمها تأسيس لجنة حكومية بين البلدين، ويشمل عملها جميع المجالات.
نطمح كذلك إلى أن يشمل التعاون مجالات التعليم، نودّ تجديد العلاقات في هذا الجانب، في السنة الماضية تم التوقيع على تعاون بين جامعة آدا في أذربيجان والمعهد الدبلوماسي الجزائري، وشارك الوفدُ الجزائري في تدريبات بأذربيجان، بمِنحٍ على حساب حكومتنا.
أتحدّث عن نفسي، سنة وأنا في الجزائر، رزقي الذي قدّره الله لي متأت من إتقاني اللغة العربية، أقولها بصراحة: لقد أعجبتُ كثيرا بالجزائريين، وأقول هذا دون مجاملة، هذا الشعب بسيطٌ ومضياف، وبطل وشجاع، وأعتقد أن هذا راجع إلى أنّ الجزائر أرض الشهداء، أو راجعٌ إلى الحقبة العثمانية، أو إلى ارتباط الجزائر بالشرق والغرب، لكن ما هو مؤكد أنه متعلق بالإسلام.
تحول بلدكم، في السنوات القليلة الماضية، إلى وجهة جديدة للسياح الجزائريين، ما هو عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين السنة الماضية، ولماذا هذا التوجه؟
نحن بلد السياحة، وإمكاناتُنا كبيرة، هنالك 11 نوعاً من المناخ الإقليمي في العالم، 9 منها في أذربيجان، ونودّ أيضا التعاون في هذا المجال مع الجزائر، هنالك إمكاناتٌ كبيرة للسياحة.
بخصوص دخول أذربيجان، عدد سكان الجزائر أزيد من 42 مليون نسمة، وتم وضع تأشيرة إلكترونية لفائدة الرعايا الجزائريين، لا قيود على دخول بلدنا، وهذا الإجراء لم يشمل دولا عربية أخرى كمصر والمغرب وليبيا.
لا أحوز حاليا إحصائيات بخصوص الجزائريين الذين زاروا أذربيجان، لكن المؤكد أن عددهم يزداد من سنة إلى أخرى، في الجانب الآخر، مواطنونا يودُّون زيارة الجزائر، وتحدثنا في الموضوع بخصوص التأشيرة، وأبلغتني السيدة السفيرة، أنه سيتم اعتماد خدمة قنصلية، المواطنُ الآذري عليه الحصول على التأشيرة الجزائرية من إسطنبول التركية، وهذا الأمر معيقٌ نوعا ما.
هل توفرون مِنحا دراسية للطلبة الجزائرية، ما هي الشروط الموضوعة؟
في الفترة الماضية، وصلتنا اتصالاتٌ كثيرة من طلاب جزائريين بخصوص وجود مِنح دراسية في أذربيجان، والأمر أن رئيسنا السيد إلهام علييف، قرر منح دول منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز، 40 منحة دراسية، وهذه المِنح لجميع الدول، وليست للجزائر فقط، على أن تكون النفقات على حكومتنا، والدول التي استفادت من هذه المنحة، خلال السنة تُستثنى السنة المقبلة، لإعطاء فرصة لدولٍ أخرى، لكن تم الإبقاء على منحة الجزائر.
عانت دولٌ كثيرة من ظاهرة التحاق مواطنيها بتنظيم داعش الإرهابي، في أذربيجان أعلن رئيس جهاز أمن الدولة أن نحو 900 مواطن انضموا إلى صفوف الإرهابيين في سوريا والعراق بتأثير من عناصر متطرفة، ما هي الإجراءات التي وضعتها حكومة بلدكم، لمحاربة التطرف وظاهرة الإرهاب؟
– أذربيجان دولة تعرَّضت للعدوان الإرهابي من أرمينيا، وقعت أعمالٌ إرهابية في مدينة باكو، وتم تفجير حافلات في بداية استقلال أذربيجان، وكذلك في المدن الأخرى، نحن ضد الإرهاب، ونحارب الإرهاب والتطرف.
نحن مع مبدإ رفض التدخل في شؤون الدول، ونتابع المتورطين في الأعمال الإرهابية وفق القانون، بعض المنخرطين في تنظيمات إرهابية بحسب إفاداتهم التي قرأتُها يقولون لم نكن نعلم لماذا سافرنا إلى سوريا، وبعضهم أخذ العائلة ويقول إنه لا يعلم لماذا سافر إلى سوريا، أذربيجان إلى جانب مواطنيها لكن ضد مواطنيها الذين ينخرطون أو يمارسون أعمالا إرهابية، أذربيجان ضد الإرهاب والتطرف، داخل أذربيجان وفي الخارج.
أوضح التقرير الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية سنويا حول التدابير التي تتخذها بلدان العالم في مكافحة الإرهاب أن أذربيجان شاركت بشكل فعال في مكافحة الإرهاب خلال عام 2018، ماذا تعني تزكية الإدارة الأمريكية لجهود بلدكم في مجال محاربة الإرهاب؟
ليست الإدارة الأمريكية وحدها التي تؤكد أن جهود أذربيجان قوية وفعالة في محاربة الإرهاب، أذربيجان كما قلت ضد الإرهاب، وتساعد الدول بجميع الوسائل في محاربة هذه الظاهرة، نحن منخرطون في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب.
جنودُنا يشاركون في قوات حفظ السلام بأفغانستان، وعموما وفي أي مكان نحن مستعدون أن نشارك في عمليات ضد الإرهاب، لهذا الإدارة الأمريكية تقر بجهودنا، هنالك جهود وتنسيق مع الإدارة الأمريكية ومنظمة الحلف الأطلسي وغيرها من المنظمات الدولية.
ينص الدستور في مواد واضحة بعلمانية الدولة، وبصرف النظر عن كونها كانت أول بلد مسلم دخله المسرح وعرف السينما في فترة مبكرة، فنظام الحكم في أذربيجان اليوم من أكثر الأنظمة التي تدعم التوجُّهات العلمانية، وتذهب بعض التحليلات إلى أن هذا التوجه جعل بيئة التطرف محدودة للغاية في البلد الذي تتعاظم أهميته الجيوسياسية يومًا بعد يوم في منطقة القوقاز، ما حقيقة هذا الاستنتاج؟
نحن بلدٌ قديم، وهنالك تسامح، أذربيجان بلدٌ مسلم، هنالك شيعة وسنة، عندنا مساجد والشيعي والسني يصليان في نفس المسجد، أنت في الشارع أو المسجد لا يمكن لك تمييز مذهب هذا المواطن.
أتذكر أن رئيسا عربيا كان في زيارة إلى أذربيجان، وكنت أتولى الترجمة لفخامة الرئيس إلهام علييف، وضيفُنا الرئيس العربي سأل رئيسَنا: كيف نميز بين السنة والشيعة؟ فأجاب رئيسنا بشكل ملموس وواضح: أنتم تشاهدون كل الوزراء وأعضاء البرلمان، وأنا لا أعرف من هو سني أو شيعي.
في أذربيجان يعيش المسيحيون ويهود الجبال، ولكن لا فرق بين المواطنين على أساس ديني، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى أبو عبد الله غلام الله له علاقة جيدة مع أذربيجان، ويشارك في مؤتمر رؤساء الأديان في أذربيجان، ويعرفه فخامة الرئيس، ورئيس مسلمي القوقاز، لما استضفنا اجتماع وزراء ثقافة الدول الإسلامية، تمت دعوة وزراء الثقافة من أوروبا، ومن منظمة حركة عدم الانحياز، حتى تكون هنالك علاقة بين أوروبا والعالم الإسلامي. ونفس مظاهر التسامح أشاهدها في الجزائر.
أذربيجان جارة وقريبة لعددٍ من الدول التي تسعى بصورة واضحة إلى تصدير نماذجها الثقافية؛ (إيران، وتركيا، والسعودية، ودول أخرى في الشرق الأوسط)، كيف تمكنتم من وضع نموذج خاص هنالك في الجانب الإسلامي والثقافي، ما يحفظ- كما يقول المتابعون- علمانية الدولة؟
في بداية حديثنا قلت إن أول مسجد في بلادي بُني عام 743م وهذا المسجد في مدينة شماخي، على بعد 120 كم عن العاصمة باكو، هذه المدينة دمّرها الزلزال مرتين في التاريخ، ولم يبق منها سوى المسجد، وهذا المسجد تم ترميمه على مر الزمن، وفي عام 1918 قبل الجمهورية الديموقراطية الشعبية لما دخل الأرمن، السكان وخوفا منهم دخلوا المسجد، وقام الأرمن بغلق الباب وإحراق الناس، وفي الحقبة السوفياتية بقي دون استغلال، واليوم، الحمد لله جرى ترميمه وجميع المساجد، ويسمى مسجد الجمعة، ونحن فخورون بإسلامنا، وقد حافظنا على إسلامنا طيلة 70 سنة من الحقبة السوفياتية.
وعنّي شخصيا، تعلمتُ العربية وبدأت أقرأ القرآن خفية، لأن المصحف لم يكن متاحا في البيوت، كما كان المسؤولون يأتون ويستفسرون إن كانت الناس تصوم أم لا حتى يتم إبلاغ السلطات في موسكو، واليوم الحمد لله تغيرت الأمور ونحن مسلمون ونمارس شعائرنا الدينية بكل حرية، وحافظنا على ديننا ولغتنا وتقاليدنا.
ماذا عن المناهج الدراسية في أذربيجان؟
يمكن للأطفال بين 4 و5 سنوات الالتحاق بالمدارس التدريبية، ويتم تعليم الأطفال تاريخ أذربيجان والتاريخ بصفة عامة، وهنالك الكثير من الجامعات في بلادي لها سمعة دولية مرموقة، قبل مجيئي إلى الجزائر اشتغلت في الأردن، وهنالك تقدّمٌ كبير في مجال الطب، لكن هل تعلمون أن عددا من الطلبة الأردنيين يزاولون دراستهم في جامعات الطب بأذربيجان، وعددهم حاليا نحو 50 طالبا؟ إضافة إلى المستوى العلمي الرفيع في تخصصات النفط والكيمياء، نحن نودّ أن يكون المواطن الآذري مُلمّا وعارفا بتاريخه ولغته وثقافته ودينيه وشتى العلوم.
لا يزال الخلاف بينكم وبين جارتكم أرمينيا، ما هي سبل تجاوز الخلاف الذي عمَّر عقوداً طويلة؟
أرمينيا تحتلّ 20 بالمئة من أراضينا، جميع الدول بما في ذلك الجزائر، والأمم المتحدة تعترف بالحدود الآذرية، وأنها تحت سيادتنا، لكن رئيس وزراء أرمينيا يزور أراضينا ويزعم أنها تحت سيادتهم، نحن نودّ حل الأزمة بطريقة سلمية.
الإدارة الأمريكية عرضت ما يُسمى “صفقة القرن” كآلية لحل النزاع الفلسطيني مع الصهاينة، كيف تنظرون إلى هذه الخطوة، وما موقفكم من القضية الفلسطينية؟
تابعتُ حوار السيد الرئيس عبد المجيد تبون مع قناة “روسيا اليوم”، هو كلامٌ قوي جدا، وأؤكد أن موقف أذربيجان بهذا الشكل، ليس مع “صفقة القرن”، موقفنا ثابت، نحن ندعم إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف.
لقد أدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، زيارة إلى أذربيجان، نحن لم نفتح سفارة في تل أبيب رغم طلباتهم المتكررة، ونقول لهم نحن متضامنون مع العالم الإسلامي، ولهذا لا نفتح سفارة في تل أبيب.