*موقع الصين بعيون عربية ـ
د. تمارا برّو*:
مرة جديدة تتصدر الصين أخبار العالم، وهذه المرة ليس بسبب حربها التجارية مع الولايات المتحدة الأميركية أو قضية هونغ كونغ أو مسألة مسلمي الإيغور، بل تخوض الصين حرباً من نوع آخر ضد عدو فتك بملايين البشر منذ ظهوره واستخدامه في الحروب عبر مرّ التاريخ ألا وهو” الفيروس”، وهنا فيما يخص الصين حالياً فيروس كورونا أو كوفيد 19.
بغض النظر عن سبب ظهور فيروس كورونا ـ إذ تعددت الأقاويل حول ذلك ـ لكن الحقيقة المؤكدة والتي لا لبس فيها أن الصين، حكومة وشعباً، تبذل قصارى جهدها لاحتوائه ومنع انتشاره، سواء في الصين أو خارجها. إن المتتبع لما يجري في الصين وكيف يكافح هذا البلد انتشار كورونا يذهل بالجهود الجبارة للحكومة الصينية والتعاون والتضامن بين السلطات الصينية والصينيين وبين الصينيين أنفسهم، بدءاً من إلغاء الاحتفالات والمهرجانات بالعام الجديد، ومن ثم فرض الحجر الصحي على مقاطعة هوبي التي يقطنها حوالي 58 مليون شخص، بحيث عزلت المقاطعة عن سائر المناطق الصينية، وفرض قيود على تنقلات المواطنين، وقياس الحرارة دورياً، وبناء مستشفى في ظرف عشرة أيام، واستخدام التكنولوجيا في مكافحة انتشار الفيروس منها مثلاً اطلاق تطبيق الكتروني يكشف إمكانية التعرض لخطر الاصابة بالفيروس، وتطبيقات تساعد الناس على التأكد من كونهم استقلوا طائرة أو قطاراً كان على متنه مرضى إصابتهم مؤكدة، واستخدام روبوتات في الخدمة الصحية لمكافحة فيروس كورونا، كما استخدمت الطائرات بدون طيار (الدراونز) لتذكير الناس بضرورة ارتداء الكمامات، والزيارات الميدانية التي قام بها الرئيس شي جين بينغ إلى مستشفيات تعالج مصابين بفيروس كورونا في بكين والاطلاع على أعمال الوقاية من تفشي المرض، وزيارة وزير الدولة لي كه تشيانغ الى مدينة ووهان لتفقد الجهود المستمرة لاحتواء الفيروس وتقديم الدعم للسكان هناك، بالإضافة إلى جهود العلماء الصينيين الذين أخذوا على عاتقهم ومنذ اكتشاف الفيروس بالعمل على إيجاد علاج له ولم ينتظروا منظمة الصحة العالمية أو الدول الغربية أن ترسل لهم العلاج. لكن الحكومة الصينية كانت شفافة جداً وأطلعت منظمة الصحة العالمية والدول الأخرى بواقع انتشار الفيروس وأعراضه وخريطته الجينية علّها تساعد في اكتشاف دواء أو لقاح له، وكي تتمكن بدورها من علاج مواطنيها في حال انتقال الفيروس إلى هذه الدول. وفي مجال التعاون بين الصين ومنظمة الصحة العالمية فقد أرسلت الأخيرة فريقاً من 12 خبيراً عالمياً إلى الصين انضم إليهم العدد نفسه من الخبراء الصينيين المحليين في مهمة تهدف إلى تقصي كل ما يتعلق بفيروس كورونا، وفهم آلية انتقاله، وحدّة الإصابة بالمرض، وفعالية التدابير المتخذة للتعامل معه.
لقد أذهلت الصين العالم مرة أخرى بطريقة احتوائها للمرض والإجراءات التي اتخذتها، وكيف نجحت في ضبط سلوك مليار و400 مليون مواطن، وقامت بتأمين الإمدادات الطبية والغذائية اللازمة في ظل إغلاق تام لبعض المقاطعات والمدن وتوقف وسائل النقل والحركة وإغلاق المدارس والجامعات والمصانع والمتاجر. إن الثقة العميقة بأن الصين وحدها القادرة على احتواء الفيروس كانت الدافع لعدم اعتبار منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا وباء عالمياً. فقد أشادت هذه المنظمة الدولية بالإجراءات الحاسمة التي اتخذتها الحكومة الصينية وأعربت عن ثقتها بقدرة الصين على منع انتشار فيروس كورونا الجديد والسيطرة عليه. وأشارت بأن الإجراءات الخاصة بتقييد حركة الناس في الصين وسط تفشي (كوفيد-19) هي نهج استراتيجي وتكتيكي صحيح.
لا يخفى على أحد أن هذه الأزمة قد أثرت على الاقتصاد الصيني بشكل كبير، ومع ذلك تحاول الصين بذل ما في وسعها للحفاظ على نظامها الاقتصادي والاجتماعي، وفي هذا الاطار أشار الرئيس شي جين بينغ إلى إن الصين يمكنها أن تحقق النمو الاقتصادي المستهدف للعام 2020 رغم التأثير الذي أحدثه تفشي فيروس كورونا الجديد.
في إطار الحرب التي تخوضها الصين ضد فيروس كورونا أعربت العديد من دول العالم عن تضامنها مع الصين، وسارعت إلى إرسال المساعدات الطبية لها. من هذه الدول مصر، كوريا الجنوبية، اليابان، تايلاند، ماليزيا، اندونيسيا، كازاخستان، المانيا، بريطانيا، فرنسا، ايطاليا، تركيا، روسيا، العراق…
أمّا الدول العربية فقد أرسلت أيضاً المساعدات الطبية إلى الصين من بينها دولة الامارات العربية المتحدة التي تربطها بالصين علاقات اقتصادية وتجارية متينة. فقد أعربت دولة الامارات عن تضامنها مع الصين وفي هذا الاطار أشار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي إلى استعداد بلاده لتقديم الدعم للصين وبأن لديهم الثقة بأن الصين قادرة على أن تتجاوز هذه الأزمة. وقال وزير الصحة الإماراتي “إن الصين أحد أهم حلفائنا السياسيين والاقتصاديين”. وأضاف بأن “الرحلات الجوية مع بكين مستمرة للحفاظ على التجارة والسياحة مفتوحة”. ففي الوقت الذي أوقفت العديد من شركات الطيران رحلاتها إلى الصين أبقت دولة الامارات رحلاتها إلى بكين. ويذكر في هذا الاطار أنه على الرغم من اكتشاف إصابات بفيروس كورونا في الإمارات فلم تغلق هذه الدولة مطاراتها وأراضيها أمام الصينيين، بل على العكس قامت بمعالجة الأشخاص المصابين بالفيروس.
وأرسلت قطر مساعدات طبية وعرضت شركة الطيران القطرية نقل المساعدات الطبية إلى الصين مجاناً ولم توقف تسيير طائرات الشحن إليها. وفيما يتعلق بدولة الكويت فقد أعلن مجلس وزراءها في اجتماع له في 17 فبراير/ شباط أن الكويت ستقدم مساعدات طبية إلى الصين، وأكد نائب وزير خارجيتها خالد الجار الله أن الكويت ستستمر في تقديم الدعم والمساعدات للصين لمواجهة هذه الكارثة الكبيرة.
أما السعودية التي تربطها بالصين علاقات استراتيجية قوية فقد أعلنت عن دعمها للصين بأجهزة طبية وكمامات وألبسة عازلة لمواجهة كورونا. كما أجرى الملك سليمان بن عبد العزيز آل سعود اتصالات بالرئيس شي جين بينغ أبلغه فيها بان السعودية على استعداد لتقديم المساعدات في مكافحة فيروس كورونا. وأشار إلى ثقة المملكة في قدرة الحكومة الصينية على التعامل مع آثار هذا الفيروس.
ولبنان الذي يعاني من أزمات داخلية فهو أيضاً وقف إلى جانب الصين في أزمتها فقد عبّر رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون برسالة بعث بها الى الرئيس شي جين بينغ عن تضامنه مع الصين وتقديره لجهودها في مكافحة فيروس كورونا، وتضامن لبنان مع الشعب الصيني.
وفي المقلب الآخر جاء على لسان وزير خارجية السوري أن اسوريا تثمن إجراءات الصين الفعّالة، وتؤمن بأن الصين قدمت إسهامات مهمة في مجال الصحة العامة لجميع شعوب العالم، وتتطلع إلى رؤية الصين وهي تحقق نصراً كاملاً على الوباء في القريب العاجل.
تتصدر الصين قائمة الدول المستوردة للنفط الايراني وتربطها بإيران شراكة استراتيجية شاملة، وفي حرب الصين ضد فيروس كورونا وقفت ايران الى جانب الصين بحيث أرسلت إليها المساعدات الطبية، ومما جاء على لسان وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف أن بلاده تدعم الصين وتقف إلى جانبها بقوة في جهودها الحثيثة لمكافحة فيروس كورونا، وانها ستبقى إلى جانب الصين. وقال: لا شك ان الصين أكثر نجاحاً وأكثر شعوراً بالمسؤولية في احتواء أزمة كورونا مقارنة بما قامت به الولايات المتحدة الأميركية من اجراءات لاحتواء مرض انفلونزا H1N1 في عام 2009، وأدان استغلال الولايات المتحدة الأميركية لهذه الأزمة.
وإذا كانت دول عديدة قد سارعت إلى تقديم الدعم للصين في أزمتها، فهناك دول أخرى أعربت عن اعتقادها أن هذه الأزمة قد تؤثر عليها ايجاباً، هذا ما جاء على لسان وزير التجارة الأميركي ويلبر روس الذي صرّح بأن تفشي فيروس كورونا الجديد قد تكون له آثار إيجابية على الاقتصاد الأميركي. وفي رد على هذا التصريح قالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشون يينغ إن الولايات المتحدة لم تقدم مساعدة مهمة، واتهمتها ببث الذعر في ردة فعلها على انتشار الفيروس واعتبرتها نموذجاً سيئاً. فقد كانت الولايات المتحدة الأميركية أول من قامت بإخلاء طاقم قنصليتها في مدنية ووهان مصدر فيروس كورونا، ومنعت كل مواطن أجنبي كان في الصين من دخول الولايات المتحدة الأميركية. أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فقد تقمص دور الطبيب وتوقع زوال الفيروس في إبريل/ نيسان لأن الحرارة عموماً تقضي على هذا النوع من الفيروس بحسب تعبيره. ومع ذلك فقد اعترفت الولايات المتحدة الأميركية بقدرة الصين على احتواء فيروس كورونا. هذا ما صرّح به الرئيس الأميركي حين قال إن أزمة كورونا مشكلة هائلة، لكن الصين قادرة للغاية وستتمكن من حلها”، وقدّر ترامب جهود الرئيس شي جين بينغ لاحتواء الفيروس.
الصين لم تمنع انتشار فيروس كورونا داخل أراضيها فقط، بل حالت دون انتشاره في أرجاء العالم. وهي اليوم أمام تحديين خطيرين الأول مكافحة الوباء والثاني العمل على المحافظة على نموها وتطورها الاقتصادي والاجتماعي والاستمرار في طريق الحرير الجديد الذي سيشكل نقل نوعية للعالم ككل.
*كاتبة لبنانية متخصصة باشأن الصيني