شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
الأنباط /
الأكاديمي مروان سوداح*
في أوائل نيسان الماضي، زَعَمَ الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن الولايات المتحدة “دعمت” حل الدولتين لـِ “حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”. وفي أعقاب ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن إنها ستستأنف مساعداتها لفلسطين! لكن الجميع يُدركون أن هذا الصراع لم يتم حله للآن ولا انحلال عقدته التاريخية، وتصريحات “عمو سام” هي مجرّد فُقاعات في الهواء هدفها احتواء جميع الأطراف.
بالطبع، “أمريكا” لا تضغط على الكيان الصهيوني بشيء، لأنه وليدها المُدلل ووسيلتها للهيمنة على المنطقة العربية من خلال أحدث الأسلحة الأمريكية والغربية، وبما تُسمّيه “المساعدات!” وهي عسكرية ومالية. ولهذا، تتحدث كل وسائل الإعلام الدولية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والبيوتات المُثقّفة في هذا العالم وفي الصين نفسها بصراحة عن كل تلك الأهداف الشيطانية، وعن تخليق الغرب للكيان التوسعي في القلب من المنطقة العربية، ومساهمة العواصم الغربية بدعمه نوويًا وتكنولوجيًا وماليًا وإعلاميًا واستخباريًا، وكل الشعوب العربية والأجنبية وحتى شعب “الأسكيمو” في القطب المتجمد الشمالي تُدرك هذه الوقائع التي يتمسك به “عمّو سام”، الذي يرى في إقليمنا العربي مزرعةً له ولقطعان أصحابه المُهاجرين الصهاينة من شتى دول العالم لاستيطان واستعمار فلسطين وذبح شعبها، وتهديد الأمة العربية من محيطها إلى خليجها، ونحن نُدرك أيضًا أن المعسكر الغربي لا يَنظر إلينا سوى كعالم ثالث مُلحَق بهم، فهذه كانت وما زالت نظرتهم الاستعلائية والعنصرية نحونا منذ العصور القديمة. وفي سياق متصل، جاء في مبادرة “هاميلتون 2.0 داشبورد” التابعة لمنظمة “التحالف من أجل تأمين الديمقراطية”، أن كلمة “فلسطين” كانت رابع أكثر الكلمات الرئيسية شيوعًا على وسائل التواصل الاجتماعي الحكومية الصينية خلال العدوان الصهيوني لذبح الفلسطينيين.
في الأهداف الإستراتيجية للصهيونية الدولية – التي هي جزء عضوي من نظام الإمبريالية العالمية والاستعمار التقليدي التاريخي لأمم العالم – الإبقاء علينا في زاوية التخلف الحضاري المُعتِمة بكل أشكاله وصوره، وإتباعنا أبديًا للغرب الأمريكي والأوروبي بكل تجلياته السلبية، ولجعلنا غرباء في وطننا العربي مُلحَقين بثقافات ولغات غربية.
تقول جردة الأنباء التي يبثها التلفزيون الصيني الذي أُتابعهُ يوميًا، ان 11 يومًا من الحرب “ألحقت ضررًا جسيمًا ومعاناةً شديدتين بالمدنيين حيث تشرّد 52 ألف فلسطيني، ودُمّر نحو 450 مبنى في غزة، بما فيها 17 مستشفى وعيادة، ومصنع تحلية مياه بحرية يخدم 250 ألف شخص على الأقل، ومختبر كورونا المًستجد الوحيد هناك. وسائل الاعلام العالمية سلطت الأضواء على المادة التي افتتاحية صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية، التي أكدت أن الولايات المتحدة “لم تؤجج نيران الصراع فحسب، بل أظهرت للعالم أيضًا مدى أنانيتها ونفاقها فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان وتحمل مسؤولياتها كقوة عظمى”.
عقب وقف إطلاق النار صرّح الرئيس جو بايدن زاعِمًا أن بلاده “بذلت جهودًا كبيرة لتحقيق وقف إطلاق النار، وأسهمت في تخفيف حدة التوتر في المنطقة”. لكن الجدير ذكره أن الإدارة الأمريكية وافقت على “بيع” أسلحة متقدمة تقدّر قيمتها بـ735 مليون دولار لإسرائيل قبل أن يدعو بايدن إلى وقف إطلاق النار لأول مرة، وبعد اندلاع الصراع دعت الصين مجلس الأمن الدولي كرئيس دوري له، لعقد اجتماعات للوصول إلى موقف جماعي لتخفيف التوتر وإنهاء الأزمة.
بينما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض في الأيام الـ10 والـ12 والـ16 والـ19 على التوالي لمنع مجلس الأمن من اتخاذ أي إجراء موحّد حِيال القضية الفلسطينية، وأعلن التلفزيون الصيني منتقدًا أمريكا بشدة، أن “مجلس الأمن هو صوت المجتمع الدولي، في حين أن الولايات المتحدة تقف عند الجانب الآخر للمجتمع الدولي”، وهو ما يؤكد أن السياستين الصينية والأمريكية تسيران اليوم نحو المواجهة الشديدة في “الشرق الأوسط”، ليس إعلاميًا فقط، بل وربما في حقول أخرى منها العسكرية في منطقتنا ومناطق أخرى، فلن تسمح الصين – التي أظهرت في خطابها الحاد تأييدها للعرب والفلسطينيين – أن تستفرد أمريكا وحدها بالمنطقة العربية إلى الأبد، فالصين ترتبط بالعرب وكل الدول العربية وشخصياتها بعرى صداقة وتعاون تاريخي منذ ما قبل ولادة طريق الحرير الصيني القديم، وفي مسارات الطريق الحريري الجديد أيضًا الذي تسعى أمريكا لتخريب خرائطه الآسيوية والأفريقية بالحروب والنزاعات وغيرها، وبالتهديدات تارةً وبمؤمرات “عمو سام” على الصين والعرب في أخرى، ولشطب وجود الصين في المنطقة العربية التي يُسمّيها سام وجماعته “بالشرق الأوسط”.
نتفق تمامًا مع حليفنا جمهورية الصين الشعبية والتلفزيون الصيني العربي، الذي نتابع أخباره وتحليلاته السياسية، والذي يرى أن “عمو سام” (قد غض الطرف عن القصف “الإسرائيلي” المُفرط على غزة، مِمّا أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية هناك.. وإذا فعل مَن تعتبره الولايات المتحدة عدوًا لها نفس الشيء، فلا شك أن البيت الأبيض سيهتف بشعارات “حقوق الإنسان”، و”جريمة الحرب”، بدلًا من “دعم حق الدفاع عن نفسه”..
لذا تجلّت المعايير المزدوجة للولايات المتحدة بكل وضوح من خلال الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” الأخير). ننتظر من الصين اندفاعة كبرى جديدة ودور صيني واسع وحاسم في المنطقة العربية وفلسطين، وتعميق تواجدها في المنطقة العربية عمومًا والإسراع بتصليب أساساته ومشاريعها الحيوية وأولها السياسية ثم الاقتصادية فالتعليمية والثقافية وغيرها، لتحقيق اختراقات فعلية لصالح الطرفين العربي والصيني، وهو ما تؤيده غالبية الجماهير العربية ردًا على العدوانات الصهيونية – الغربية ومحاولات الأعداء إفقار شعوبنا وتهميشها.
*متخصص قديم في الشؤون الصينية