خاص بشبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
قراءة في نتائج زيارة لافروف للصين
عادل علي*
*إعلامي وباحث في الشؤون الصينية – مصر
تباينت وجهات نظر ورؤى المحللين بشأن دلالة توقيت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الصين يومي 22 و23 مارس الجاري، ولاسيما لجهة ارتباطها بالتطورات الأخيرة في العلاقات الصينية – الأمريكية، والعلاقات الروسية – الأمريكية، بين وجهة نظر أولى تذهب إلى أن الزيارة تعني اعتزام الصين وروسيا إقامة علاقات وثيقة وتوحيد الجهود لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، ووجهة نظر ثانية – نميل إلى تأييدها – ترى أن الزيارة جاءت في سياق نشاط دبلوماسي عادي بين الصين وروسيا كشريكين استراتيجيين شاملين، لاسيما وأن التعاون الصيني – الروسي يلتزم بمبدأ عدم الانحياز وعدم استهداف أطراف ثالثة.
وترجع أهمية زيارة لافروف للصين، وفقا لبيان صادر عن وزارة الخارجية الصينية، في كونها ستعمل على زيادة تعزيز الزخم الجيد للتطور رفيع المستوى الذي تمضي به العلاقات الصينية – الروسية، وتعزيز التنسيق الاستراتيجي بشأن القضايا الدولية. ففي ظل الأوضاع الراهنة، يكتسب تعزيز التواصل والتنسيق بين الصين وروسيا أهمية كبيرة بالنسبة للجانبين وللعالم أجمع. وهو المعنى الذي أكد عليه عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال مؤتمر صحفي عُقد في 7 مارس الجاري، بقوله: “كلما زاد عدم استقرار العالم، زادت الحاجة إلى المضي قدما في تعزيز التعاون الصيني – الروسي”، مضيفا أن الصين وروسيا ستظلان معا ركيزة أساسية لتحقيق السلام والاستقرار على الصعيد العالمي.
وعلى الصعيد العالمي، يتبنى البلدان مواقف متطابقة إزاء القضايا العالمية، حيث يعارض البلدان الأحادية والحمائية وسياسة القوة والتنمر، ويلتزمان في الوقت ذاته بالتمسك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، باعتباره أحد الأعراف الأساسية الحاكمة للعلاقات الدولية. وعلى الصعيد الثنائي، تمثل العلاقات الصينية – الروسية نموذجا لعلاقات حُسن الجوار والصداقة بين الدول الكبرى. في عام 2019، طور البلدان علاقاتهما الثنائية إلى شراكة تنسيق استراتيجية شاملة لعصر جديد. وفي عام 2020، تكاتف البلدان وعملا معا بشكل وثيق في سبيل مكافحة “كل من فيروس كورونا والفيروس السياسي”. كما أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات هاتفية وتبادلا الرسائل في العديد من المناسبات، ليوفرا بذلك أهم توجيه استراتيجي للنمو المطرد للعلاقات الثنائية.
ورأى محللون أن زيارة لافروف للصين تُعد دليلا عمليا على الاستئناف التدريجي للتبادلات الوثيقة بين الصين وروسيا بعد وباء كورونا الجديد (كوفيد -19). حيث من المتوقع أن يشهد العام الحالي مجموعة من التفاعلات الصينية – الروسية، لعل من أبرزها: احتمالية اجتماع رئيسي البلدين بشكل مباشر دون تقنية الانترنت، وتعزيز التعاون بين الصين وروسيا في مجال العلوم والتكنولوجيا بمناسبة العام الثاني من “العام الصيني – الروسي للعلم والابتكار التكنولوجي”. حيث يشكّل تعزيز التعاون الصيني – الروسي في مجال العلوم والتكنولوجيا نقطة اختلاف بارزة مع سعي بعض الدول لـ “الفصل التكنولوجي”.
في ضوء ما سبق، يمكن القول إن الزيارة وما تمخض عنها من نتائج مهمة، سواء بالنسبة لعلاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا، أو بالنسبة لرؤى ومواقف البلدين حيال طبيعة النظام الدولي الحالي والمستقبلي، تُعتبر بمثابة تدشين لأسس ومرتكزات نظام عالمي مثالي جديد من وجهتي النظر الصينية والروسية، في مرحلة ما بعد وباء (كوفيد -19)، وبشكل أدق نظام يتسم بتعددية القوى الدولية ولا تنفرد فيه قوة دولية واحدة مهما بلغت مكانتها بالهيمنة على الشؤون العالمية.
النتيجة السابقة يمكن استقراؤها من بين ثنايا ما صدر خلال الزيارة من تصريحات من جانب عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وكذلك من خلال البيانات الصادرة في ختام محادثات الوزيرين، علاوة على البيان المشترك حول (الحوكمة العالمية في الظروف الراهنة).
بالنسبة لعلاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا، يمكن القول إن الزيارة تمخضت عن العديد من النتائج المهمة بهذا الصدد، لعل من أبرزها:
أولا، تأكيد خلو نموذج التفاعل بين الصين وروسيا من أي قيود أيديولوجية، وعدم خضوع العلاقات بين الجانبين لأي عوامل انتهازية وعدم استهدافها أي دولة ثالثة.
ثانيا، أن الصين شريك استراتيجي حقيقي لروسيا ودولة مماثلة الفكر، وضرورة أن يكون حوارهما القائم على الثقة والاحترام المتبادلين قدوة للدول الأخرى.
ثالثا، أن العلاقات الروسية – الصينية الحالية تُعد الأفضل وتتسم بالشراكة والتنسيق الاستراتيجي ودخلت حقبة جديدة. ووصلت إلى مستوى غير مسبوق بفضل المعاهدة الصينية – الروسية لحُسن الجوار والتعاون الودي الموقعة في يوليو عام 2001.
رابعا، أن التعاون بين الصين وروسيا على الساحة الدولية يؤثر بشكل عام على استقرار الوضعين العالمي والإقليمي.
خامسا، الدعوة إلى الحد من اعتماد بكين وموسكو على الدولار وأنظمة الدفع الغربية بهدف التصدي لما وصفه لافروف بأجندة الغرب الفكرية.
سادسا، أن الصين وروسيا ستبذلان قصارى جهدهما لحماية علاقاتهما المالية والتجارية من تأثير عقوبات تفرضها دول غير صديقة.
سابعا، تأكيد التطابق التام للموقف الصيني والروسي، وحاجة روسيا وجمهورية الصين الشعبية إلى تعزيز التعاون الاستراتيجي من خلال الجهود المشتركة والتفاعل والتنسيق بين البلدين، لضمان الحياد والعدالة، وكذلك لمقاومة الهيمنة والاضطهاد والاعتداءات.
وبجانب ما سبق، فقد توصلت الصين وروسيا خلال الزيارة إلى حزمة توافقات استراتيجية بينهما. حيث عكست المحادثات بين وزيري خارجية البلدين المستوى العالي لشراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا. وقد أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي أنه بغض النظر عن كيفية تغير الوضع الدولي، فإن التنسيق الاستراتيجي الشامل بين البلدين سوف يقوى ويتوسع فقط، بدلا من أن يضعف أو يتقلص.
وقد اتفق الجانبان الصيني والروسي على النقاط التالية: أن التوجيه الاستراتيجي من جانب رئيسي الدولتين يشكل القوة السياسية للعلاقات الثنائية. أن مكافحة (كوفيد -19) بشكل مشترك قد زادت من تعميق الصداقة التقليدية بين شعبي البلدين. أن التعاون البراجماتي عزز بقوة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدين. علاوة على أن التنسيق الدولي بينهما ساهم في الاستقرار والطاقة الإيجابية للعالم. هذا بالإضافة إلى توقيع بعض اتفاقيات التعاون الثنائي.
ولم تقتصر النتائج المهمة للزيارة على العلاقات الثنائية بين البلدين، وإنما امتدت أيضا لتشمل المستوى الدولي، لاسيما في ظل المكانة المحورية التي يحظى بها البلدان في إطار النظام الدولي الحالي، باعتبارهما دولتين رئيسيتين تتشاركان في مصالح مشتركة واسعة وتتحملان مسؤوليات خاصة في الحفاظ على السلام والاستقرار العالميين وتعزيز التنمية والازدهار العالميين. حيث تضمن البيان الصحفي الصادر في ختام المحادثات بين الوزيرين والتي توزعت على مدى يومي الزيارة، العديد من النقاط والمواقف المهمة، التي تعكس تطابق وجهات نظر ورؤى البلدين إزاء الموقف تجاه دور الولايات المتحدة الأمريكية في النظام العالمي، وسُبل تسوية العديد من القضايا الدولية والإقليمية المهمة، يمكن رصدها وتحليلها في النقاط التالية:
الأولى، محاولة وضع أسس وأطر محددة لدور وسلوك الولايات المتحدة في إطار النظام الدولي الراهن، في ضوء ما ترتب على سياسات واشنطن من تداعيات ونتائج كارثية على مستوى العالم. وهو ما عكسه تأكيد بكين وموسكو على إيمان المجتمع الدولي بضرورة قيام واشنطن بإمعان النظر في الأضرار التي ألحقتها بالسلام والتنمية على مستوى العالم خلال السنوات الأخيرة، والتوقف عن التنمر الأحادي، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والكف عن تشكيل دوائر صغيرة لإثارة مواجهات بين التكتلات. بالإضافة إلى مطالبة البلدين بضرورة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني في أقرب وقت ممكن من دون شروط، ورفع العقوبات الأحادية عن إيران. وذلك بالتوازي مع مطالبتهما إيران بالعودة إلى الالتزام بالاتفاق، وضرورة تفعيل دوره في منع الانتشار النووي. واقترحت الدولتان إنشاء منصة حوار أمني إقليمي للتوصل إلى توافق جديد بشأن تبديد المخاوف الأمنية لدول المنطقة. وهو الاقتراح الذي سبق أن طرحته بكين في وقت سابق من الشهر الجاري بهدف إدارة الخلافات والسيطرة عليها وصيانة السلام والاستقرار في منطقة الخليج.
وفي الإطار ذاته، انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سعي الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها إلى فرض إرادتها في كل مكان وعرقلة تشكيل عالم ديمقراطي متعدد الأقطاب، بجانب سعيها إلى الحفاظ على هيمنتها في الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية بأي ثمن. فيما انتقدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية قيام الولايات المتحدة ودول غربية أخرى بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تحت راية ما يسمى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، مما تسبب في العديد من المشاكل في العالم.
الثانية، التأكيد على محورية دور الأمم المتحدة في إطار نظام دولي وعلاقات دولية ترتكز على التعددية والديمقراطية والتعايش السلمي بين مختلف دوله. وهو ما تجلى في اتفاق الوزيرين على ضرورة قيام جميع البلدان بإتباع مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والتمسك بالتعددية الحقيقية، وإضفاء مزيد من الديمقراطية على العلاقات الدولية، وقبول وتعزيز التعايش السلمي بين البلدان ذات الأنظمة الاجتماعية والمسارات التنموية المختلفة، مع السعي إلى تحقيق التنمية المشتركة معها.
الثالثة، التأكيد على أهمية تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي في آسيا بشكل عام، وفي منطقة آسيا الوسطى وجنوب القوقاز وجوارهما بشكل خاص. وذلك من خلال العمل على تسوية الأزمات والصراعات، سواء تلك القائمة منذ فترة طويلة (الأزمة الأفغانية)، أو تلك المستجدة (أزمة ميانمار).
وفي هذا الإطار، أكد البلدان على الأهمية الكبيرة لمختلف الجهود الدولية بشأن القضية الأفغانية، وأعربا عن تطلعهما إلى تكامل جميع آليات الحوار ذات الصلة بأفغانستان مع بعضها البعض حتى تجسد مبدأ “القيادة الأفغانية والملكية الأفغانية”، من أجل تسريع عملية السلام والمصالحة وإعادة الإعمار. ومن المعلوم أن القضية الأفغانية تحظى باهتمام كبير من جانب كل من الصين وروسيا، للعديد من الاعتبارات. لعل من أهمها بالنسبة للصين وجود حدود مشتركة بينها وبين أفغانستان. أما بالنسبة لروسيا، فمن أهمها سعي روسيا لطرح نفسها كوسيط أساسي في أية صراعات تدور في محيطها الإقليمي، وتحديدا في منطقتي آسيا الوسطى وجنوب آسيا. وبطبيعة الحال لا يمكن إغفال الدور الأمريكي في الأزمة الأفغانية.
وفي الإطار ذاته، أعربت بكين وموسكو عن قلقهما البالغ إزاء الوضع الأمني في ميانمار، وأعربا أيضا عن دعمهما لجميع الأطراف في ميانمار حتى تتوصل إلى حل سياسي للأزمة الراهنة في إطار الدستور والقانون، وتتفادى المزيد من الصراع وإراقة الدماء، وتحول دون استغلال القوى الخارجية للأزمة لتحقيق مكاسب خاصة، وتواصل عملية التحول الديمقراطي.
الرابعة، رفض استخدام العقوبات كأداة لإدارة العلاقات الدولية، وقد مثّلت هذه النتيجة إحدى نقاط الاتفاق المهمة التي أسفرت عنها الزيارة. وهو ما تجلى في إدانة البلدين للعقوبات الغربية ضدهما. وهو المعنى الذي أكد عليه وزير الخارجية الروسي بقوله: إن القرارات الأحادية للاتحاد الأوروبي دمرت الروابط مع روسيا. فيما صرح نظيره الصيني بأن عهد التدخل في الشؤون الداخلية للصين “ولى للأبد”.
وقد جاء هذا الموقف الموحد من جانب الصين وروسيا على خلفية قيام الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا بإدراج بعض كبار المسؤولين الصينيين في القائمة السوداء على خلفية مزاعم وإدعاءات بانتهاك حقوق الإنسان ضد أقلية الويغور في إقليم شينجيانغ. وقد ردت الصين بشكل فوري على العقوبات الغربية ضدها بفرض عقوبات على المسؤولين الأوروبيين. فيما قام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على مسؤولين روس مقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خلفية العديد من القضايا، منها: ضم روسيا عام 2014 لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، ومزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، والهجمات التي تعرض لها الجاسوس السابق سيرجي سكريبال بغاز الأعصاب، والناشط السياسي المناهض لبوتين، أليكسي نافالني. وهي الادعاءات التي ينفيها الكرملين. وقد دفعت العقوبات الغربية ضد موسكو لافروف إلى وصف علاقات بلاده مع الاتحاد الأوروبي بأنها أصبحت “مدمرة”.
الخامسة، أظهرت الزيارة والمحادثات التي جرت خلالها مدى التقارب بين الصين وروسيا على خلفية الخلاف في العلاقات بين كل منهما والغرب. وتمثل أحد أبرز نتائجها في التوقيع على البيان المشترك حول الحوكمة العالمية. وطبقا لصحيفة (كوميرسانت) الروسية، فقد أوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الصيني وانغ يي في بيان حول (الحوكمة العالمية في الظروف الراهنة)، كيف ينبغي أن يكون النظام العالمي العادل من وجهة نظر كل من الصين وروسيا. ويعد البيان أول وثيقة سياسية تقدم وصفا للنظام العالمي المثالي من وجهة نظر موسكو وبكين. ويتمثل أحد أطروحاتها الرئيسية في عدم وجود نموذج واحد للديمقراطية، وبالتالي فإنه لا يجوز التدخل في شؤون الدول الأخرى بذريعة الترويج لها. وأشار البيان وفقا للصحيفة “لقد دخل العالم فترة من الاضطراب الشديد والتغير السريع. وفي ظل هذه الظروف رأت روسيا والصين أنه من الضروري دعوة المجتمع الدولي إلى وضع الخلافات جانبا، لتعزيز التفاهم المتبادل وزيادة التعاون لصالح الأمن العالمي والاستقرار الجيوسياسي، لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدلا وديمقراطية وعقلانية”. وقد تضمن البيان أربعة بنود، وهي: حقوق الإنسان، الديمقراطية، أولوية القانون الدولي، والتعاون متعدد الأطراف. وأكد البيان على ضرورة أن تتمثل الأداة الرئيسية لإدارة الشؤون الدولية في الحوار الذي يهدف إلى توحيد جميع دول العالم، وليس إلى تقسيمها، والتعاون بين الأمم، وليس المواجهة بينها.
**المحرر: تعكس المقالة وجهة النظر الشخصية للكتاب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية.