بقلم: عايد أبو صعيليك *
قدِّر لي العام الماضي زيارة الصين ضمن وفد عربي، ومن ضمن المناطق التي زرناها والتقينا سكانها منطقة (شينجيانغ )، حيث يتواجد شعب الإيغور الذي تتصدر أخباره النشرات الإخبارية هذه الأيام، بحجة أنهم “أقلية” مضطهدة ويتعرّضون لمذابح وإعتقال” من الحكومة الصينية، وفي حقيقة الأمر سمعنا ذلك قبل الزيارة، أما في الواقع فإن دور العبادة تنتشر في هذه المنطقة، تماماً كما في أية دولة إسلامية، ويُمَارس فيها الناس عباداتهم بكل حرية، وفيها يتم تعليم القرآن واللغة العربية من أئمة المساجد وروادها بنسبة قد تكون أكثر بكثير من بعض المساجد في الدول العربية. الدولة الصينية عاملت الإيغور كما عاملت بقية المكونات العرقيه فيها، فمنحتهم حكماً ذاتياً، ومكّنتهم من إدارة شؤون منطقتهم، فأغلب المسؤولين الذين التقيناهم في هذه المنطقة هم من الإيغور، والحكومة المحلية تدير شؤون المنطقة بشكل مستقل في القضايا الداخلية، وترتبط في التخطيط التنموي العام مع العاصمة بكين، أي أنها تتلقى الدعم المالي من المركز في العاصمة بكين.
أدركت القيادة الصينية أن أي عملية التنمية تتطلب الإستقرار وإعطاء الناس حقوقهم كاملةً، فعملت على دمج الإيغور في سياق التنمية مشاركةً مع السكان الأصليين من عرقية (هان). فمعظم المصانع والدوائر الحكومية ومدخلات الإقتصاد الأخرى، كالمناجم واستخراج البترول تُدار من قِبل سكان هذه المنطقة. مع العلم أن هذه المنطقة منذ حين وُضِعت تحت المجهر الامريكي بعد الإكتشافات البترولية التي تمت فيها، علماً كذلك أن المنطقة أيضاً غنية بمناجم الذهب واليورانيوم، ولذلك عملت الولايات المتحدة على تحريض بعض الزعامات الإيغورية الموجودة في واشنطن على الانفصال، كما فعلت في دول امريكيا اللاتينية، وبالاخص في فنزويلا، والهدف الذي لا يخفى على أحد، هو وضع يدها على الثروات الطبيعية لمختلف دول العالم والسيطرة عليها . ما يحدث في شينجيانغ الإيغورية الصينية لا يتعدى عملية ترويج لحالة إنفصالية يقودها بعض العملاء، ممن لهم إرتباطات مع الولايات المتحدة، ومَن تضرّرت مصالحهم بسبب طبيعة الإقتصاد الصيني، الذي يحد من المُلكية الفردية، مستخدمين الدين وسيلة لترويج ذلك.
الجدير بالذكر، ومما عايناه في هذه المنطقة، إنتشار الثقافة واللغة الإيغوريتين، وتداولهما في مختلف أنحاء المنطقة، وباعتراف رسمي من الحكومة المركزية. وما يحدث الآن وما يبث على وسائل الإعلام ودعوات المقاطعة، لا تخرج من إطار الصراع السياسي – وإلاقتصادي الممتد تاريخياً بين الصين والولايات المتحدة، للسيطرة على السوق العالمي، إن الترويج الكاذب وبغطاء ديني لانتهاكات مفترضة لحقوق الإنسان ما هي إلا حلقة أخرى عَمدت وسائل إعلام مرتبطة بالإدارة الأمريكية إلى نشرها بهدف التأثير على المصالح الاقتصادية للصين في دول العالم. ولتهديد الإستقرار فيها، والتأثير على عملية التنمية المتسارعة، وبالتالي فرملة إمتداد التنين الصيني إقتصادياً في السوق العالمي، وللإضرار بالسياسة الصينية الهادئة غير المعادية للشعوب والروحية البعيدة عن الاستغلال والنهب والإحتكار، وسياسة المنفعة المتبادلة التي تنتهجها الصين وانتشرت بموجبها في الكثير من الأسواق العالمية، وهو ما لا يروق للولايات المتحدة التي تسعى للهيمنة على العالم وتسخيره لخدمة شركاتها الاحتكارية. باختصار بسيط، يُعامل المسلمين الإيغور معاملة أفضل بكثير من معاملة المسلمين في الدول العربية، فيكفي أن الدولة تؤمن لهم العمل والتعليم والمسكن والعلاج المجاني، في مؤسسات ترتقي إلى درجة الفندقة ذات الخمس نجوم..
*عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي الاردني.