شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
دكتورة كريمة الحفناوى*
#*كريمة_الحفناوى: ناشطة سياسية وقيادية في حركة كفاية، وعضو مؤسس بالحزب #الاشتراكي_المصري وجبهة نساء #مصر، عضو حملة الحريات #النقابية والدفاع عن حقوق العمال، وعضو لجنة #الدفاع عن الحق فى الصحة – مصر، وعضو متقدم ناشط في #الأتحاد_الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب #أصدقاء_وحلفاء #الصين.
يتعرض لبنان لضغوط مُكَثَّفة من أطرافٍ خارجيةٍ عديدة، في مقدمتها “صندوق النقد الدولي”، لإجباره على تنفيذ البرنامج التقشُّفي للصندوق، والذي يُحَمِّلُ الجماهير اللبنانية عبء الأزمة الاقتصادية والسياسية الحادة التي تمر بها البلاد، من خلال رفع أسعار الخبز والوقود، وزيادة ضريبة المبيعات إلى 15%، وطرح نسبة من مكونات قطاع الطاقة والاتصالات والبنوك وغيرها للخصخصة.
وقد أجبرت الانتفاضات الجماهيرية التي تَفَجَّرَتْ في 17 أكتوبر الماضى حكومة “سعد الحريرى” علي الاستقالة، بعد فشله فى تمرير هذه الحزمة من الإجراءات المعادية لمصالح الملايين ولمستقبل لبنان، وجاءت ظروف انتشار وباء “كورونا المُستجد” لكي تُفاقم من أوضاع الأزمة اللبنانية البُنيوية المُزمنة، قبل أن ينفجر الموقف كله مع تفجير مرفأ بيروت، الذى وفر الفرصة المواتية للضغط علي لبنان بقوة، بهدف مُقايضة المُساعدات الاقتصادية الغربية المشروطة، مقابل “النأي بلبنان عن مشاكل المنطقة”، كما أتى علي لسان الرئيس الفرنسى “ماكرون” في زيارته الأخيرة لبيروت المنكوبة، وهو ما يعني تصفية جبهة التصدي للصهيونية والاحتلال، وإبرام الصلح بين لبنان والعدو الإسرائيلي، مع ربط “المساعدات” بحزمة “إصلاحات” تتضمن القبول بشروط “صندوق النقد الدولي”، وتولية “حكومة بديلة” أسماها حكومة “وحدة وطنية”، مع تسريبات عن تهديد لبنان بـ “تدويل “الوضع، وبتدخُّل “حلف الناتو” لفرض الأمر علي لبنان في حال رُفض القبول بهذه الشروط، التي لا تخدم إلّا إسرائيل، مع وجود العديد من الدلائل التي تُشير إلى وقوفها خلف الانفجار، باعتبارها المُستفيد الأول من نتائجه الخطيرة!
ويأتى هذا الموقف الدولى تأكيداً على تبنى “الليبرالية الجديدة” لمنطق ما يُسمّى بـ “عقيدة الصدمة”، والتي تقضي بانتهاز الأوضاع الشبيهة بأزمة تدمير المرفأ، وما خلّفه من خراب ودمار، وظروف الصدمة الكبرى التي تعرَّضَ لها الشعب اللبناني، لكى تمرر شروطها بالخصخصة والمزيد من “لبرلة الاقتصاد”، وترك لبنان أعزلاً فى مواجهة إسرائيل. وبالطبع تلقى تلك المطالب الموافقة الكاملة من اليمين اللبنانى الذى يمثله تحالف 14 آذار.
والخطر الحقيقى الذي تدفع باتجاهه فئات مُرتبطة بالمنظومة الاستعمارية، والذي لا يعيه قطاع من الجماهير اللبنانية الحانقة، هو خطر الدعوة لـ “تدويل” الأزمة، ومضمون ما يُسمَّى بـ “الإصلاح” المدعو إليه دوليا، والذى يعني التقشُّف والخصخصة. بل إن قطاعات من الجماهير اللبنانية نظرت إلى “ماكرون” باعتباره مُخَلِّصاً، ونادت بإعادة وضع لبنان تحت نير الانتداب الفرنسي، بعد عقود من نيل وضعية “الاستقلال”!
وفي رؤيتنا للوضع في لبنان، نعتقد أنه من الأجدى الانتقال من شعار إسقاط الطبقة السياسية الذى يمهد لـ “التدويل”، إلى التركيز على أهداف بناء المستقبل، بالإطاحة بالطائفية، وإنهاء احتكار “الإقطاع السياسي” للسلطة والثروة والنفوذ، وتغيير “الميثاق الوطنى” و”اتفاق الطائف”، ووضع برنامج اقتصادى بديل للسياسة الدولية المفروضة القائمة على التقشُّف والخصخصة، ينظر إلى مصلحة المواطن، وإفشال مهمة تسليم لبنان للحلف الاستعمارى فى الخارج وعملائه فى الداخل.
إن مطلب التغيير الحقيقي يجب أن يُرَكِّزَ على طرح برنامج للمستقبل، ويضع تكتيكاً للوصول إلى هذا الهدف، مع مقاومة مؤامرة “التدويل” بكل وسيلة، لأنها تعيد استدعاء أوضاع العهود الاستعمارية البائسة، ولا تحمل للبنان سوى مذلة الاستسلام لإسرائيل، وخصخصة مرافقه، والتقشُّف والإفقار الشديدين لمواطنيه، مع مواصلة تكريس النظام الطائفى، وفتح المجال للتحالف الموالى للإمبريالية من ممثلى اليمين الماروني، وهو الوضع الذي يدفع بلبنان، حتماً، إلى مستنقع الفوضى والحرب الأهلية وعدم الاستقرار.