شبكة طريق الحرير الإخبارية/
اجنادين نيوز / ANN
بقلم الصحفية الصينية سعاد ياي شين هوا
تُعدّ هاينان أقصى مقاطعات الصين جنوبًا، وهي جزيرة دافئة على مدار العام، ووجهة سياحية استوائية محبّبة لدى الزوار من مختلف أنحاء العالم. وخلال السنوات الأخيرة، ومع التقدّم المتواصل في بناء ميناء هاينان للتجارة الحرة، أخذت الجزيرة تبرز تدريجيًا بوصفها نافذةً مهمة لانفتاح الصين على الخارج. واعتبارًا من 18 ديسمبر 2025، يُطلق ميناء هاينان للتجارة الحرة رسميًا عمليات الإغلاق الجمركي الشامل على مستوى الجزيرة، وهو ترتيب مؤسسي بالغ الأهمية، يُشير إلى دخول انفتاح هاينان مرحلة أكثر تكاملًا وتنظيمًا.
ولا يعني “الإغلاق الجمركي” إغلاق الأبواب، بل على العكس، فهو يهدف إلى تحقيق مستوى أعلى من الانفتاح. إذ ستتحول هاينان بأكملها إلى منطقة خاصة خاضعة للرقابة الجمركية، وفق نموذج مؤسسي يقوم على مبدأ “فتح الخط الأول، وضبط الخط الثاني، وحرية الحركة داخل الجزيرة.”
ففي “الخط الأول”، أي بين هاينان والدول والمناطق خارج الإقليم الجمركي الصيني، ستُطبَّق على البضائع المستوفية للشروط سياسات الإعفاء من الرسوم الجمركية وغيرها من التدابير التسهيلية، بما يعزز انسياب التجارة وتدفّق عناصر الاستثمار.
أما “الخط الثاني”، الذي يربط هاينان بالبرّ الرئيسي الصيني، فيشهد إنشاء موانئ مخصصة لتنفيذ رقابة فعّالة على حركة البضائع، مع تحسين كفاءة العبور وضمان إدارة المخاطر.
وفي داخل الجزيرة، يستمر العمل على تحسين بيئة الأعمال وفق معايير السوق، وسيادة القانون، والطابع الدولي، بما يسمح بحرية أكبر في تنقّل عناصر الإنتاج.
ويبقى السؤال الأساسي: هل تنجح هذه الآليات المؤسسية في التطبيق العملي؟
باعتباره البوابة الجوية الرئيسية لانفتاح هاينان، يضطلع مطار هايكو ميلان الدولي بدورٍ مزدوج، إذ يربط الجزيرة بالعالم الخارجي من جهة، ويصلها بالبرّ الرئيسي الصيني من جهة أخرى. وفي موقع العبور، تبدو التغييرات واضحة. فقد أوضح مسؤول في الجمارك أن اعتماد نموذج التفتيش الموحّد والفحص المشترك أسهم في تبسيط إجراءات العبور لغالبية المسافرين، فيما عزّز استخدام أنظمة الفحص الذكي في الخلفية كفاءة العمل ودقة الرقابة في آن واحد. كما أشار إلى أن الرقابة على البضائع باتت تعتمد على الإدارة التصنيفية وتحليل البيانات الضخمة، بحيث تُفرَج بسرعة عن البضائع منخفضة المخاطر، وتُوجَّه الموارد الرقابية نحو المجالات الأعلى خطورة، بما يحقق توازنًا أفضل بين الأمن والكفاءة.
ومن السماء إلى البحر، يشكّل ميناء يانغبو حلقة لا غنى عنها لفهم آليات الإغلاق الجمركي في هاينان. فباعتباره ميناءً من الدرجة الأولى مفتوحًا على الخارج، وامتلاكه ظروفًا طبيعية مواتية كميناء مياه عميقة، يُعدّ يانغبو ركيزة أساسية لتطوير الاقتصاد المنفتح في هاينان. ومع انطلاق الإغلاق الجمركي، إلى جانب سياسات الإعفاء وتوسّع قوائم السلع، يعزّز الميناء تدريجيًا دوره كمركز لتجميع البضائع وإعادة توزيعها عالميًا. ويرى معنيّون في الميناء أن المزيد من السلع الدولية باتت تختار هاينان محطةً للتجميع والعبور قبل تصديرها إلى الأسواق العالمية، ما من شأنه رفع حجم تجارة العبور ودعم ارتقاء الميناء وشبكات الملاحة الإقليمية.
ولا تقتصر ثمار السياسات على الموانئ والمطارات، بل تمتد إلى القطاعات الصناعية الملموسة.
في مدينة واننينغ بجزيرة هاينان تشهد صناعة القهوة التقليدية حيوية جديدة. فحبوب القهوة الخضراء عالية الجودة، بعد استيرادها من الخارج، تُنجز في هاينان عمليات المعالجة العميقة والتحميص الاحترافي، قبل إعادة تصديرها إلى الخارج كمنتجات نهائية. وأوضح مسؤول في إحدى شركات القهوة أن سياسات الإغلاق الجمركي تتيح الإعفاء من الرسوم الجمركية في مرحلة الاستيراد، ومن ضريبة القيمة المضافة في مراحل التصنيع، بما يخفّض التكاليف الإجمالية بأكثر من 20%. ويُعدّ هذا الدعم عاملًا حاسمًا في تعزيز القدرة التنافسية وبناء العلامات التجارية المحلية في الأسواق الدولية.
وفي الوقت ذاته، أدى اندماج الصناعة مع أنماط الحياة إلى جعل انفتاح هاينان على العالم تجربة ملموسة، لا مفهومًا مجردًا. فمزارع القهوة باتت تمتزج بالسياحة الثقافية، حيث لا يكتفي الزوار بتذوّق القهوة، بل يتعرّفون أيضًا على قصتها وصناعتها. وعلى السواحل، أسهمت سياسات “الإعفاء الكلي من الرسوم” في إدخال معدات متطورة لرياضات مثل ركوب الأمواج والغوص، فيما جذبت البطولات الدولية المتتالية مزيدًا من الزوار من مختلف دول العالم. وقد عبّر أحد السياح عن شعوره بأن هاينان تجمع بسلاسة بين الطابع المحلي والانفتاح الدولي، لتقدّم نمط حياة فريدًا يمكن الإحساس به فعليًا.
من المطارات إلى الموانئ، ومن سلاسل الإنتاج إلى تفاصيل الحياة اليومية، تتقدّم سياسات الإغلاق الجمركي في هاينان بخطوات متدرجة ومنهجية. وهي ليست “قفزة سياسية” سريعة، بل عملية إصلاح مؤسسي عميق، تتمحور حول القواعد والتنظيم وتحرير تدفّق العناصر.
إن عملية الإغلاق الجمركي على مستوى الجزيرة يُمثّل تجربة مهمة في مسار انفتاح الصين عالي المستوى. فهو لا يرسم طريق تنمية لجزيرة واحدة فحسب، بل يعكس خيار الصين الثابت في عصر تتزايد فيه التحديات العالمية: الانفتاح على العالم، وتعميق التعاون، وتحويل الابتكار المؤسسي إلى واقع ملموس.