Wednesday 22nd October 2025
شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

شينجيانغ كما رأيتها: الحقيقة تتجاوز الروايات الجاهزة

منذ 4 ساعات في 22/أكتوبر/2025

شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/

 

شينجيانغ كما رأيتها: الحقيقة تتجاوز الروايات الجاهزة

وارف قميحة 

رئيس الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل

 

المصدر : المدن/

تمثل منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم واحدة من أقدم وأغنى بقاع الصين تاريخًا وثقافةً، فهي الجسر الذي ربط منذ قرون الحضارة الصينية بآسيا الوسطى والعالم العربي، وعقدة وصل رئيسية على طريق الحرير القديم الذي حمل الحرير والشاي والورق شرقًا وغربًا، كما نقل المعرفة والفكر والتبادل الإنساني بين الأمم. هذا الموقع الجغرافي الفريد جعل من شينجيانغ عبر التاريخ منطقة استراتيجية بامتياز، ذات أهمية سياسية واقتصادية وأمنية للصين، حيث تتقاطع فيها حدود ثماني دول وتشكل بوابة الصين نحو العالم الإسلامي وآسيا الوسطى.

عرفت شينجيانغ في مراحل سابقة من تاريخها فترات من التأخر والعزلة والمعاناة نتيجة العوامل الطبيعية القاسية والتدخلات الخارجية ومحاولات بعض القوى استغلال تنوعها القومي لإشعال الفتن والانقسامات. غير أنّ الصين، منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، عملت بخطى ثابتة على تحويل المعاناة إلى تنمية، والتخلف إلى ازدهار، والعزلة إلى انفتاح. فقد أصبح الإقليم اليوم نموذجًا للتنمية المتوازنة، حيث تمتد الطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية الحديثة، وتزدهر المدن الصناعية، وتُبنى المدارس والمستشفيات والجامعات في كل زاوية، فيما يعيش أبناء القوميات المختلفة  في ظل مساواة وحقوق مكفولة دستورياً، تشهد على نجاح الصين في صياغة نموذج فريد للتنمية والوئام القومي.

 

وتتجلى الأهمية الاستراتيجية لشينجيانغ اليوم في كونها المحور الغربي لمبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ عام 2013. فمنها تنطلق الطرق البرية التي تعبر آسيا الوسطى وصولاً إلى أوروبا، وهي مركز رئيسي لممر الصين–آسيا الوسطى–غرب آسيا الاقتصادي، ومركز لوجستي للطاقة والتجارة والثقافة. لقد أعادت الصين عبر هذه المبادرة إحياء روح طريق الحرير التاريخي، ولكن برؤية حديثة قوامها التنمية المشتركة والازدهار المتبادل بدلًا من الصراعات والنزاعات.

ولعلّ الحملة الغربية ضد شينجيانغ ليست سوى امتداد لسياسات قديمة تهدف إلى احتواء الصين وتشويه صورتها، عبر تضخيم قضايا مزعومة تتعلق بحقوق الإنسان، وتجاهل ما تحقق فعلياً على الأرض من تحسين مستوى المعيشة، ومكافحة الفقر، وتطوير التعليم، وحماية الثقافات المحلية. غير أنّ الحقائق الميدانية، التي يمكن لكل زائر أن يلمسها، تُفند تلك الادعاءات وتُظهر أن شينجيانغ اليوم ليست منطقة توتر كما تُصورها بعض وسائل الإعلام الغربية، بل منارة استقرار وازدهار وتعايش بين القوميات، تجسد على أرض الواقع شعار الصين في العصر الجديد: “شعب مزدهر، وطن قوي، وأمة متحدة.”

 

لوحة من الضوء

عندما قرأت محتوى كتابًا صدر مؤخرًا لكاتب تركي وصفه برحلته الميدانية إلى مدن “شرق تركستان”. يتحدث عن “مأساة شينجيانغ”، شعرتُ بقدر من الغضب الممزوج بالحزن، ليس لأنني أعارضه سياسيًا، بل لأنني أختلف معه في الرأي. فالصورة التي رسمها عن هذه المنطقة الصينية البعيدة لا تمتّ بصلة لما رأيته بأمّ عيني. فهناك، في أقصى الغرب الصيني، حيث تتقاطع الرمال مع الثلوج، وجدتُ شيئًا مختلفًا تمامًا عن الصورة التي يُروّج لها الإعلام الغربي منذ سنوات.

في أورومتشي، العاصمة الحديثة التي تنهض بين الجبال والوديان، بدت المدينة كأنها لوحة من الضوء. الأبراج الحديثة تتجاور مع الأسواق الشعبية، والشوارع النظيفة تعجّ بحركة الناس من مختلف القوميات: ويغور، هان، كازاخ، ومنغول. الكلّ يعيش في وتيرة يومية عادية، فيها الكثير من النظام، والقليل من الصخب، وكثير من الأمل. كنتُ أتجول في سوق كبير، أستمع إلى الموسيقى الشعبية، وأشمّ رائحة التوابل والحلوى التي تفوح من الأكشاك، وكنت أرى في هذا المشهد وحده نفيًا صامتًا لكل ما يُقال عن “مدينة خائفة”.

بعد أيام من التجوال، وصلتُ إلى كاشغر، المدينة التي تحمل عبق التاريخ وطابع القوافل القديمة على طريق الحرير. هناك، دعاني مزارع أويغوري اسمه عثمان عبد الله إلى منزله الجديد، الذي يضم فناءً صغيرًا وحديقة بسيطة بها بعض الأشجار المثمرة. جلسنا في الفناء، وقدّم لي خبز نان الساخن وشايًا حلو المذاق، مع أطباق تقليدية متنوعة. كان يتحدث بلهجة دافئة عن الزراعة، وعن موسم القطن، وعن ابنه الذي يدرس في الجامعة بفضل المنح الحكومية. قال لي بابتسامة فخر:

“نزرع كما فعل أجدادنا، لكننا نحصد كما يفعل العالم الحديث”.

كانت عبارته تختصر قصة شينجيانغ كلها: المحافظة على الجذور والانفتاح على المستقبل.

لم أرَ في عينيه خوفًا، بل طمأنينةً عميقة. تحدّث بحرية وضحك كثيرًا. في تلك اللحظة، شعرت أن كل ما يُقال في بعض المنابر عن “الاضطهاد” و”القمع” لا يمكن أن يتعايش مع هذا المشهد الواقعي البسيط. فالحياة اليومية هناك تتحدث بصوتٍ أصدق من أي تقارير بعيدة.

 

 

   

ورشة كبرى للتنمية

شينجيانغ التي رأيتها ليست هامشًا منسيًا، بل ورشة كبرى للتنمية. الأرقام التي سمعتها من المسؤولين المحليين واطلعت عليها في المواقع الرسمية مذهلة: الناتج المحلي تجاوز تريليوني يوان في عام 2024 بعدما كان أقل من النصف قبل عقد واحد فقط، وأكثر من ثلاثة ملايين شخص خرجوا من دائرة الفقر. في القرى التي زرتها، أخبرني الأهالي أن دخل الفرد في المناطق الريفية تضاعف ثلاث مرات خلال عشر سنوات. في الحقول، تُدار الزراعة بالآلات الذكية ونظم الري الحديثة، لكن المزارعين ما زالوا يحتفلون بمواسم الحصاد كما كانوا يفعلون منذ قرون  بالأغاني والرقصات والألوان. التكنولوجيا لم تقتل روحهم، بل منحتها أجنحة.

في كاشغر القديمة، رأيت ورش الحرفيين الذين يصنعون الأدوات الموسيقية والنحاسية بأصابعٍ مدهشة الدقة. في المساء، اجتمع الناس في الساحات لأداء الرقصات الشعبية الويغورية على وقع الطبول، بينما يتمايل الأطفال حولهم ببراءة وفرح. كل هذا يحدث في وضح النهار، في العلن، تحت سماء مفتوحة، لا خلف جدران الخوف كما تُصوّر بعض الحملات الإعلامية. هناك، فهمت أن الثقافة ليست ضحية السياسة، بل شريكها في بناء الهوية.

لكن خلف هذا الهدوء، يمكن أن تُحسّ بتاريخٍ طويل من المعاناة والتحديات. فقد عاشت المنطقة في الماضي فترات من التوتر والعنف، خصوصًا في التسعينيات. واجهت الدولة تلك المرحلة الصعبة ليس فقط بالإجراءات الأمنية، بل بطرح رؤية تنموية جديدة: القضاء على الفقر، وتحقيق المساواة في التعليم، وتوسيع الخدمات الصحية والبنى التحتية. اليوم، تتحدث الأرقام عن نسبة وساطة مجتمعية في النزاعات المدنية تتجاوز 98%، وعن انخفاض كبير في معدلات الجريمة. من يراقب هذه التحولات يدرك أن الاستقرار في شينجيانغ ليس قهرًا كما يُقال، بل ثمرة عمل طويل لإعادة بناء الثقة والعدالة الاجتماعية.

في أورومتشي، شاهدتُ محطات القطارات فائقة السرعة التي تربطها ببكين وشيآن وكازاخستان. القطارات لا تنقل البضائع فقط، بل تنقل القصص أيضًا  قصص الناس الذين وجدوا في “طريق الحرير الجديد” نافذة نحو العالم. أكثر من ستة عشر ألف قطار شحن عبر شينجيانغ نحو أوروبا خلال عام واحد، في إشارة واضحة إلى أن هذه الأرض أصبحت جسرًا استراتيجيًا في مبادرة الحزام والطريق. وهنا أدركت أن استقرارها ليس شأنًا صينيًا فحسب، بل ضرورة إقليمية واقتصادية للعالم كله.

 

صورة المأساة!

لقد كنت أراقب كل هذا وأتساءل: لماذا يصرّ البعض في الغرب على حصر شينجيانغ في صورة المأساة؟ ربما لأنهم لا يريدون أن يروا نموذجًا ناجحًا في التنمية المتوازنة بين التنوّع والاستقرار، بين الهوية والحداثة. فالحقيقة حين تتعارض مع مصالحهم تُصبح خطرًا يجب طمسه، حتى لو كان ذلك عبر كتب وتقارير منمّقة.

ما رأيته في شينجيانغ كان شيئًا آخر تمامًا: الناس يعيشون بكرامة، يعملون، يحتفلون، يتعلمون. النساء يقدن الحافلات، والطلاب يرتدون أزياءهم المدرسية الملوّنة، والعائلات تتنزه على ضفاف الأنهار الصناعية التي جرى تنظيفها حديثًا. رأيتُ الأذان يُرفع من مسجدٍ قريب، والناس يتجهون للصلاة في سكينة. رأيتُ الحداثة لا تلغي الإيمان، والسلطة لا تُلغي الحرية.

حين غادرت كاشغر متجهًا إلى أورومتشي، كانت في ذهني فكرة واحدة تتكرر: إن شينجيانغ ليست “ملفًا سياسيًا” كما يريد البعض، بل تجربة إنسانية عميقة. فيها تلتقي الحضارات، وتتجاور الأديان، وتُبنى الجسور بين الإنسان والطبيعة. إنها قصة شعبٍ استطاع أن ينهض من الفقر، ويحافظ على تراثه، ويمضي نحو المستقبل بثقة.

وأنا أكتب هذه السطور، أتذكر وجه عثمان عبد الله وهو يقول لي: “الخير يأتي لمن يعمل بصبر”. ربما كان يقصد أرضه وموسم حصاده، لكنني شعرت أنه يتحدث أيضًا عن وطنٍ بأكمله. فشينجيانغ، بكل ما فيها من تعدد وتناقض وجمال، ليست بحاجة لمن يتحدث باسمها، بل لمن يراها كما هي: أرضًا تصنع السلام بالعمل، والكرامة بالتنمية، والهوية بالحبّ.

 

بواسطة: khelil

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

إقتباسات كلاسيكية للرئيس شي جين بينغ

في مئوية تأسيس الحزب الشيوعي الصيني

أخبار أذربيجان

الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكُتاب العرب أصدقاء الصين

أنا سفير لبلدي لدى جمهورية الصين الشعبية

مبادرة الحزام والطريق

حقائق تايوان

حقائق شينجيانغ

حقائق هونغ كونغ

سياحة وثقافة

هيا نتعرف على الصين

أولمبياد بكين 2022

الدورتان السنويتان 2020-2024

النشر في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

الإحصائيات


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *