سياحة العطلتين الصينيتين تعكس قوة وحيوية الاقتصاد الصاعد
/مقالة خاصة/
بكين 8 أكتوبر 2025 (شينخوا) في ختام عطلتي العيد الوطني وعيد منتصف الخريف من أول أكتوبر إلى الثامن منه في الصين، أظهرت الإحصاءات الرسمية الأولية أن رحلات المسافرين عبر المناطق داخل الصين خلال النصف الأول من “الأسبوع الذهبي” سجلت رقما قياسيا بلغ نحو 1.24 مليار رحلة، مع توقعات بأن يتجاوز عدد السياح الوافدين إلى الصين والمسافرين إلى خارجها مليوني شخص يوميا، مما يضفي مزيدا من الحيوية على سوق السياحة العالمية.
ويرى مختصون وخبراء عرب في هذه الأرقام “ديناميكية إيجابية” تدل على تنامي ثقة المستهلكين ومتانة الاقتصاد الصيني، وسط آمال في تعزيز التعاون بين الصين والبلدان العربية في مجالي السياحة والسفر.
— دلالة واضحة على متانة الاقتصاد الصيني
على الرغم من عدم صدور الإحصاءات النهائية بعد، لكن الأرقام الأولية مذهلة، حيث ازداد عدد المسافرين بين المقاطعات والمدن والمناطق داخل البلاد بنسبة 5.7 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، بينما من المتوقع أن يزداد عدد السياح الصينيين إلى الخارج بنسبة 30 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مع خطط بأن تصل الرحلات عبر القطارات إلى 13 ألف رحلة على أساس يومي، وفقا لجهات رسمية ومنصات سياحية مختصة.
وفي تعليقه على ذلك، أشار شربل بركات، رئيس قسم الأخبار الدولية في صحيفة ((الجريدة)) الكويتية، إلى أن “أرقام الأسبوع الذهبي تظهر أن ما يُعرف بـ’اقتصاد العطلات’ لم يتعافَ فحسب بعد جائحة كوفيد-19، بل حقق أيضا تقدما مقارنة بالعام الماضي، في دلالة واضحة على تنامي ثقة المستهلكين ومتانة الاقتصاد الصيني”.
وأبرز شربل أن شركة المجموعة الوطنية الصينية المحدودة للسكك الحديدية أعلنت عن نقل 23.13 مليون مسافر في اليوم الأول فقط من العطلة، مضيفا لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن “هذه المؤشرات لا تعكس ازدهار اقتصاد الخدمات في الصين فحسب، بل تُبرز أيضا نجاح السياسات الرامية إلى تعزيز الاستهلاك المحلي في مواجهة أي رياح معاكسة خارجية”.
وأكد أن “كل ذلك يعزز حقيقة أن الاقتصاد الصيني لم يصمد أمام العراقيل السياسية المصطنعة فحسب، بل يمضي قدما نحو تسجيل أرقام قياسية جديدة، مستندا إلى قاعدة صلبة من السياسات الاقتصادية الناجحة”.
من جانبه، رأى عوني الداوود، مدير مركز الدستور للدراسات الاقتصادية في الأردن، أن “السياحة القوية للشعب الصيني خلال عطلة العيد الوطني وعيد منتصف الخريف تظهر قوة زخم الاقتصاد الصيني، حيث ينعكس ذلك على المواطنين وجميع القطاعات، خاصة القطاع السياحي، الذي يتأثر بشكل مباشر بزيادة دخل المواطنين الصينيين”.
ولفت إلى أن سوق السياحة الصينية تعد واحدة من أقوى الأسواق في العالم، حيث تتوقع تقارير عديدة أن تتصدر الصين قائمة الوجهات السياحية العالمية بحلول عام 2030.
وفي سياق متصل، أشار ناصر عبد العال، أستاذ اللغة الصينية بجامعة عين شمس بمصر، إلى أن الأسبوع الذهبي يشهد نشاطا في تدوير رأس المال داخل الاقتصاد، حيث تتعزز حركة النقل عبر استخدام القطارات السريعة والاستثمارات، وهو ما يدعم الاقتصاد الصيني.
وأكد المستشار السياحي الأسبق بالسفارة المصرية في بكين أهمية الفعاليات الثقافية والمهرجانات والمعارض الفنية التي تنظمها الصين خلال تلك الفترة كأدوات “مهمة جدا” لجذب السياح، وإتاحة الفرصة أمامهم للتفاعل مع التراث الثقافي والفني، مما يعزز جاذبية المنتج السياحي الصيني.
وقال عبد العال “مجرد رؤية ومشاهدة الأثر أو المزار الثقافي لا يكفي، لكن أن يجتمع مع ذلك فعاليات ثقافية مثل الفنون المختلفة للغناء والرقصات التقليدية والقومية، في ظل التنوع الثقافي الموجود في الصين، فهذا يعطي زخما كبيرا للسائح ويروج للمنتج السياحي”.
— زخم جديد في التعاون السياحي الصيني-العربي
وفي إطار التعاون الصيني-العربي، عبر الخبراء عن تطلعاتهم إلى زيادة التفاعل السياحي بين الجانبين، مؤكدين على متانة العلاقات التاريخية الصينية-العربية وما يمكن أن تلعبه في دفع التنمية المشتركة من خلال السياحة.
وفي هذا الصدد، أكد أنور الشتيوي، مدير مكتب الديوان الوطني التونسي للسياحة في بكين، وهو مؤسسة حكومية تابعة لوزارة السياحة التونسية، على وجود زخم جيد في التعاون السياحي مع الصين، مستندا إلى ارتفاع عدد السياح الصينيين الذين زاروا تونس خلال عام 2024، حيث بلغ عدد السياح الصينيين الذين زاروا تونس حوالي 24 ألف سائح، مقابل 7863 سائحا فقط في العام 2023.
وقال الشتيوي في مقابلة خاصة مع ((شينخوا)) إن المؤشرات الحالية في العام الجاري تعكس نموا في هذا المجال، مع توقعات بأن يتخطى عدد السياح الصينيين الذين اختاروا تونس كوجهة سياحية لهم 26 ألف سائح في نهاية عام 2025، لافتا إلى أن عدد السياح الوافدين من الصين ارتفع خلال الفترة بين شهري يناير وسبتمبر من العام الجاري بنسبة 17.7 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، مما يشير إلى “ديناميكية إيجابية”.
وأضاف أن “الهدف هو الوصول إلى 30 ألف زائر صيني سنويا في المستقبل القريب”، مع قطاعات رئيسة مرتبطة بالقطاع السياحي في تونس أصبحت “تهتم كثيرا بالسوق الصينية”، مثل القطاعات المعنية بالترفيه والثقافة والسياحة الراقية والجولات السياحية المنظمة للمسافرين لأول مرة والحرف اليدوية والطهي.
وأكد أن تطوير السوق السياحية الصينية “يسهم في تعزيز مكانة السياحة التونسية على الصعيد الدولي، ويشكل ذلك جزءا من ديناميكية التعاون الثنائي بين البلدين”.
وفي الجانب المصري، فقد أشاد عبد العال بجهود الحكومة الصينية في الترويج الثقافي وتسهيل إجراءات التأشيرة مع العديد من الدول لتسهيل تدفق الأشخاص والسياحة، متوقعا أن تصبح الصين أكبر دولة مستقطبة للسياح الأجانب أيضا في المستقبل القريب.
وقال “لقد اكتملت الخريطة السياحية في الصين، من منتج سياحي رفيع المستوى وطيران مريح ومتوفر وإجراءات تأشيرة تتمتع بتسهيلات كبيرة، وأعتقد أن الصين سوف تصبح قريبا ليس المصدر السياحي الأول للخارج، لكن أيضا ستكون الدولة الأولى في العالم التي تستقطب أكبر عدد من السائحين الأجانب”.
ومن جانبه، أشار الداوود إلى أن الأردن يواصل استهداف أسواق جديدة وفي مقدمتها السوق الصينية نظرا للعلاقات المتميزة والتاريخية بين البلدين، والعوامل المشتركة التي تربط الشعبين، وانجذاب السائح الصيني نحو المواقع التراثية والحضارية والطبيعية.
ولفت في هذا الشأن إلى أن “الأردن قدم العديد من الإجراءات التسهيلية لجذب السياح الصينيين، عبر منحهم التأشيرة لدى الوصول في المطار أو من خلال السفارة الأردنية في بكين، وعدم اشتراط وجود حساب بنكي أو حجز فندقي مسبق، وغيرها من التسهيلات”.