شبكة طريق الحرير الإخبارية/
قميحة يخاطب قمة الإعلام والفكر للجنوب العالمي: آن الأوان التعزيز صوتنا في الحوكمة العالمية
مصدر: الوكالة الوطنية للاعلام
اختتمت في مدينة كونمينغ في مقاطعة يونان الصينية فعاليات منتدى وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث بالجنوب العالمي 2025، بمشاركة حوالي 500 ضيف من أكثر من 260 وسيلة إعلامية ومركز أبحاث ووكالة حكومية ومنظمة دولية من 110 دولة ومنطقة.
وقد نظم المنتدى “وكالة أنباء شينخوا”، بالاشتراك مع اللجنة الحزبية لمقاطعة يونّان للحزب الشيوعي الصيني، وحكومة مقاطعة يونّان.
انعقد المنتدى تحت شعار “تمكين الجنوب العالمي، ومواجهة التغيرات العالمية”، ليشكل منصة محورية للحوار الواسع والنقاشات المعمقة. وقد بحث المشاركون في سبل تعزيز دور الإعلام ومراكز الأبحاث في توحيد صفوف الجنوب العالمي، وتضخيم صوته، وتعميق التعاون، وتعزيز التبادل الحضاري، والمضي قدمًا نحو بناء مجتمع أوثق بمصير مشترك للبشرية.
وشارك في المنتدى وارف قميحة، رئيس “معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث”، حيث ألقى كلمة أكد فيها أن دول الجنوب، على رغم كثافتها السكانية وعمقها التاريخي، ما زالت تعاني من التهميش في المنصات الإعلامية العالمية، إذ تُصوَّر في أغلب الأحيان كمناطق نزاع أو فقر أو تطرف، على رغم ما تمتلكه في الواقع من تجارب حضارية وروحية وتنموية ملهمة تستحق أن تُروى من الداخل لا أن تُشوَّه من الخارج.
ولفت قميحة إلى أن “الحوار الحضاري لم يعد ترفًا فكريًا أو نشاطًا نخبويًا، بل أصبح ضرورة ملحّة في عالم تتزايد فيه الانقسامات وتُفرض فيه السرديات الكبرى من مراكز الهيمنة”.
أضاف أن شعوب الجنوب “لا تسعى إلى حضور شكلي أو رمزي، بل إلى كتابة سرديتها الحضارية بأيديها، انطلاقًا من قيمها وتجاربها وتطلعاتها”.
وأوضح أن “الإرث التاريخي لطريق الحرير كان جسرًا يربط الحضارات عبر التجارة وتبادل الأفكار والفنون والديانات”، وأن مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين “تمثل اليوم امتدادًا لهذا الإرث، ليس فقط كشبكة اقتصادية، بل كرؤية حضارية تؤمن بأن التنمية تُبنى على جسور الفهم المتبادل وممرات التبادل الثقافي وسكك الإعلام العابرة للحدود”.
وأشار قميحة إلى أن “التحديات التي تواجه دول الجنوب متعددة، بينها هيمنة السردية الغربية، وضعف التنسيق الإعلامي بين دول الجنوب، وقلة الترجمة المباشرة بين لغاته ما يضطرها إلى الاعتماد على وساطة لغات الشمال، فضلًا عن الصور النمطية المتبادلة”.
ولكنه شدّد على أن “الفرص كبيرة أيضًا، في ظل الثورة الرقمية التي أزالت كثيرًا من الحواجز، وتنامي الوعي لدى الشعوب الجنوبية بضرورة رواية قصصها بنفسها، إضافة إلى تراكم النجاحات الثقافية والفنية والتعليمية التي تشكل أرضية صلبة للبناء عليها”.
أضاف أن “ثمة قواسم حضارية مشتركة تربط شعوب الجنوب على رغم اختلاف اللغات والأديان والتقاليد، مثل تقديس الأسرة، احترام كبار السن، تعظيم التعليم، الإيمان بقيم العدالة والتكافل، والذاكرة الجمعية في مواجهة الاستعمار والتهميش”.
واعتبر أن “هذه المشتركات تمثل أساسًا لحوار حضاري يحتضن التنوع والاختلاف لا لينكره، بل ليجعل منه مصدرًا للقوة لا للفرقة”.
وفي هذا السياق، اعتبر قميحة أن “العلاقات الصينية–العربية تمثل نموذجًا حيًّا للتواصل الحضاري داخل إطار الجنوب العالمي، حيث تقوم على الحوار والتعاون المشترك لا على الإملاء أو الهيمنة”.
كما وأشاد بالمبادرات التي طرحتها الصين، وبخاصة مبادرة الحوكمة العالمية، واصفًا إياها بأنها “تقدم تصورًا متكاملًا لبناء عالم أكثر عدلًا وتعددية”.
وأوضح أن “هذه المبادرة تأتي في لحظة دولية حاسمة، إذ يواجه النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية تحديات تتمثل في ضعف تمثيل الدول النامية، تصاعد سياسات القوة، وتراجع فعالية المؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة”.
وختم قميحة بالتأكيد أن “الثقافة ليست ترفًا، والإعلام ليس مجرد مرآة عاكسة، بل هما أداة سيادة، ومعركة سرد، وجسر للتفاهم بين الشعوب”. وقال: “لقد آن الأوان لأن نتحدث نحن (أبناء الجنوب العالمي) عن أنفسنا، وأن نروي قصصنا بأصواتنا، بعيدًا من بوابات الهيمنة، وبروح حضارية تعكس تنوعنا وثراءنا الإنساني”.
إعلان “توافق يونّان”
أكد المشاركون أن دول الجنوب العالمي لطالما تمسكت بالسلام والأمن، وهي آخذة في البروز كقوة بنّاءة لا غنى عنها في المجتمع الدولي. وعليه، “ينبغي لوسائل الإعلام ومراكز الأبحاث في الجنوب العالمي أن تستثمر دورها كجسور للتواصل، وتعمل على بلورة توافق واسع، والدفاع عن العدالة، وتقديم الرؤى والحلول التي تعزز من تمثيل الجنوب العالمي وصوته في الحوكمة العالمية، والمساهمة في صون السلام والاستقرار العالميين”.
وشدد المشاركون على أن “التمسك بالتعددية الحقيقية وتحسين منظومة الحوكمة العالمية يخدمان المصالح المشتركة للجنوب العالمي. وعلى الإعلام ومراكز الأبحاث في الجنوب العالمي أن تتمسك بالقيم المشتركة للإنسانية، وأن تتبنى رؤية للحوكمة العالمية تقوم على التشاور الواسع، والمساهمة المشتركة، وتقاسم المنافع، وأن ترفع نداءً قويًا يعبر عن روح العصر: الوحدة بدل الانقسام، والتعاون بدل المواجهة، والعدالة بدل الهيمنة. معًا، يجب أن نعمل على توجيه النظام الدولي نحو قدر أكبر من الإنصاف والعدالة”.
وأكدوا أن “التحديث يمثل تطلعًا مشتركًا للجنوب العالمي. وفي مواجهة التغيرات العميقة غير المسبوقة منذ قرن، تقع على عاتق الإعلام ومراكز الأبحاث — كقوى فاعلة في دفع التنمية والنهضة — مسؤولية التركيز على قضايا مثل الحد من الفقر، والتصنيع، وتحديث الزراعة، والتنمية الخضراء والمستدامة. كما وينبغي أن تروي قصصًا حيّة عن التكامل الاقتصادي، والنمو المتشابك، والازدهار المشترك بين دولنا. وبذلك يمكننا الإسهام في تحقيق التنمية والرخاء على مستوى الدول كافة، والتقدم معًا على طريق التحديث”.
ورأوا أن دول الجنوب العالمي، “بما تملكه من تقاليد تاريخية عريقة وتراث ثقافي عميق، تمتلك إمكانات هائلة للتعلم المتبادل والتبادل الحضاري العالمي. وعلى الإعلام ومراكز الأبحاث في الجنوب العالمي أن تدعو بشكل مشترك إلى احترام التنوع الحضاري، وأن تؤدي دورها الحيوي في الحفاظ على استمرارية الثقافات، وتسهيل التواصل الثقافي، وتعزيز التبادلات الحضارية. كما وينبغي دعم مبادرات مثل برنامج جولة التراث العالمي، وتشجيع التعايش الشامل بين الحضارات المختلفة، وتعميق التفاهم المتبادل والتقارب بين الشعوب في أنحاء العالم”.
كما وأقروا بأن “التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) يقدم لدول الجنوب العالمي فرصًا جديدة للتنمية، ولكنه يطرح أيضًا مخاطر وتحديات غير متوقعة. وعلى الإعلام ومراكز الأبحاث في الجنوب العالمي أن تستفيد من تقنيات المعلومات الجديدة لتطوير نماذج للتكامل الفعّال بين الإنسان والآلة، ودفع التحولات في الممارسات الإعلامية، والإسهام في ردم الفجوة العالمية في مجال التكنولوجيا الذكية. وفي الوقت نفسه، من الضروري الالتزام بأخلاقيات المهنة والمعايير المهنية الصحفية. فمن خلال تقديم أخبار صادقة وموضوعية وشاملة وعادلة، يمكننا أن نتقدم معًا نحو مستقبل ذكي ومبتكر في تطوير الإعلام”.
وعبّر المشاركون عن ثقتهم في أن هذا المنتدى “سيعزز من ترسيخ التوافق بين وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث في الجنوب العالمي، ويعمّق التعاون العملي في مجالات مثل تدريب الكوادر، والتقارير الإخبارية المشتركة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وسويًا، سنُضخّم (صوت الجنوب العالمي)، ونُبرز (التزام الجنوب العالمي)، وندفع بالجنوب العالمي ليصبح قوة استقرار من أجل السلام، ودعامة للانفتاح والتنمية، وقوة بنّاءة في الحوكمة العالمية، ومحركًا للتعلم المتبادل بين الحضارات”.