شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم حياة الشيمي.
تُعد فنزويلا من الدول الغنية بالموارد الطبيعية، لا سيما النفط، ما جعلها محورًا لصراعات دولية حادة، على رأسها صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية. منذ صعود الرئيس هوغو تشافيز إلى السلطة عام 1999، اتخذت فنزويلا نهجًا اشتراكيًا مناهضًا للهيمنة الأمريكية، ما وضعها في مرمى السياسات الأمريكية التي سعت إلى تغيير النظام الحاكم فيها.
الحصار الأمريكي الاقتصادي والسياسي على فنزويلا
فرضت الولايات المتحدة مجموعة من العقوبات الاقتصادية الشديدة على فنزويلا، بدأت جزئيًا منذ عهد تشافيز، وتصاعدت بشكل كبير بعد وصول الرئيس نيكولاس مادورو إلى الحكم في 2013 لتبلغ ذروتها في السنوات الأخيرة.. فرضت الإدارات الأمريكية عقوبات مشددة على مؤسسات حيوية، بما في ذلك شركة النفط الوطنية PDVSA، والبنك المركزي، بالإضافة إلى تجميد أصول حكومية بمليارات الدولارات.
وقد شهدت فنزويلا في الأسابيع الأخيرة تصعيدًا خطيرًا في الهجمات الموجهة ضدها، من الداخل والخارج على حد سواء.
عقوبات أمريكية متجددة… وتضييق ممنهج:
فعلى الصعيد الخارجي تتواصل موجات العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والتي فرضت حصارًا خانقًا يستهدف الدولة بأكملها، لا الحكومة فحسب.. ووضعت حزمة جديدة من العقوبات ضد فنزويلا، شملت قطاعات حيوية كالنقل والطاقة والبنوك، إلى جانب تجميد أرصدة وممتلكات حكومية في الخارج. وتأتي هذه الخطوة استمرارًا لنهج أمريكي مستمر منذ سنوات، يقول مراقبون إنه يستهدف شل الاقتصاد الفنزويلي، وإحداث ضغط داخلي يؤدي إلى انهيار النظام من الداخل.
لكن في واقع الأمر، فإن تبعات هذه العقوبات تمسّ الشعب مباشرة، إذ تسجّل البلاد مستويات غير مسبوقة من التضخم، ونقصًا في الأدوية والوقود والمواد الغذائية، ما يُفاقم الأزمات الإنسانية ويزيد من معاناة المواطن العادي.
اليمين المتطرف معارضة خارج الأطر الديمقراطية:
وبالتوازي مع ذلك وعلى الصعيد الداخلي، تتهم السلطات الفنزويلية المعارضة اليمينية المتطرفة بالتخطيط لهجمات إرهابية تستهدف منشآت مدنية عبر زرع عبوات ناسفة، وتؤكد تقارير أمنية فنزويلية أن جهات داخلية مرتبطة باليمين المتطرف، الذي يرفض خوض الانتخابات ويشكك في شرعيتها، تسعى لإثارة الفوضى عبر وسائل عنيفة تهدف إلى زعزعة الاستقرار. وتشير السلطات إلى أن هذه الجهات خططت خلال الأسابيع الأخيرة لهجمات بالقنابل داخل العاصمة كاراكاس ومدن أخرى، في إطار استراتيجية “التخريب مقابل التغيير”، بعد أن فشلت المعارضة في تحقيق أي مكاسب سياسية عبر المسار الانتخابي.
وتُعتبر هذه الخطط تطورًا بالغ الخطورة، إذ تُنقل الأزمة السياسية إلى مستوى أمني غير مسبوق، يهدد سلامة المواطنين والمؤسسات على حد سواء.
اتهامات جنائية تطال مادورو من رئاسة الدولة إلى قائمة المطلوبين ومكافأة أمريكية لاعتقاله:
“سابقة خطيرة ”
وفي تصعيد غير مسبوق، أعلنت واشنطن عن مكافأة مالية ضخمة بقيمة 50 مليون دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى “اعتقال” الرئيس نيكولاس مادورو، متهمةً إياه بعدة تهم جنائية، من بينها الاتجار بالمخدرات.
هذه الخطوة – التي وصفها مسؤولون فنزويليون ودوليون بأنها انتهاك صريح للشرعية الدولية – تضع الولايات المتحدة في موقف اتهام بالتدخل السافر في شؤون دولة ذات سيادة، وتشكل تجاوزًا واضحًا لمبادئ المساواة بين الدول وحق تقرير المصير.
يرى مراقبون أن ما يجري في فنزويلا ليس مجرد دعم أمريكي لـ”الديمقراطية”، كما تزعم الإدارات المتعاقبة في واشنطن، بل هو في جوهره صراع على الموارد والنفوذ في أمريكا اللاتينية، خاصة أن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم. ويعتبر المحللون أن هذا الإعلان لا يعكس رغبة في تطبيق العدالة بقدر ما يهدف إلى شيطنة القيادة الفنزويلية، وتهيئة الرأي العام الدولي لتقبل تدخل سياسي أو عسكري محتمل في المستقبل.
انهيار معايير العلاقات الدولية:
ومن الملاحظ أن هذه التطورات تكشف تآكلًا خطيرًا في منظومة العلاقات الدولية المعاصرة، حيث تُعاقَب الدول التي ترفض الاصطفاف مع السياسات الغربية، وتُستخدم فيها العقوبات كأداة سياسية ضاغطة، بينما يتم تجاهل قواعد احترام السيادة وعدم التدخل.
وفي حالة فنزويلا، يتقاطع العامل السياسي مع العامل الاقتصادي، لتتحول الدولة إلى نموذج صارخ للتجاذب الجيوسياسي، خاصة مع دخول أطراف دولية أخرى – مثل الصين وروسيا – على خط الدعم المباشر لكاراكاس، مقابل معارضة أمريكية وأوروبية شديدة.
الدفاع عن فنزويلا دفاع عن مبدأ السيادة
تخوض فنزويلا اليوم واحدة من أعقد معارك القرن الحادي والعشرين؛ معركة ليست فقط ضد المعارضة الداخلية أو الحصار الخارجي، بل ضد محاولات إسقاط مبدأ أساسي في القانون الدولي: حق الشعوب في تقرير مصيرها.
وإذا كانت الدول القوية تملك أدوات الضغط والمقاطعة، فإن الشعوب تملك إرادتها، وتاريخها، ومبدأ السيادة الذي لا يمكن التفريط به مهما كانت التكلفة.
حياة الشيمي