Monday 14th July 2025
شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

زيارة فخامة الرئيس أحمد الشرع إلى أذربيجان: بداية صفحة جديدة بين بلدين يجمعهما الأمل والتاريخ.!

منذ يوم واحد في 13/يوليو/2025

شبكة طريق الحرير الإخبارية/

 

زيارة فخامة الرئيس أحمد الشرع إلى أذربيجان: بداية صفحة جديدة بين بلدين يجمعهما الأمل والتاريخ.!

 

الدكتور مختار فاتح بي ديلي 

 

تأتي زيارة الرئيس السوري أحمد حسين الشرع إلى جمهورية أذربيجان في سياق متغيرات إقليمية ودولية تعيد تشكيل خارطة العلاقات السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز. هذه الزيارة تمثل نقطة تحوّل استراتيجية في العلاقات السورية-الأذربيجانية التي ظلت مجمدة لسنوات طويلة، بسبب التوترات السياسية التي نشأت في العقدين الماضيين، وتحديدًا جراء السياسة التي اتبعها النظام السوري السابق في دعمه للمجموعات الأرمنية داخل الأراضي السورية، والتي كانت تُعدّ من العوامل المعيقة لتقوية الروابط مع باكو.

 

يُعتبر لقاء الرئيس الشرع مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف نقطة فاصلة في سجل العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ بدا جليًا خلال اللقاء تطلع الطرفين إلى فتح صفحة جديدة من التعاون والتفاهم القائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. إذ عبّر الرئيس علييف خلال استقباله للضيف السوري عن أمله الصادق في أن تُشكّل هذه الزيارة بداية تحول نوعي في مسار التعاون بين البلدين، مشيرًا إلى أن المرحلة السابقة من العلاقات بين دمشق وباكو شهدت حالة من الجمود انعكست سلبًا على أطر التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي، نتيجة للسياسات التي تبناها النظام السوري تجاه ملف ناغورنو كاراباخ، والتي اتسمت بدعم التنظيمات الأرمنية المعادية داخل الأراضي السورية.

وفي هذا السياق، تؤكد الحكومة الأذربيجانية اليوم على ضرورة إعادة ترتيب العلاقات مع دمشق بناءً على مبادئ احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وبما يدعم استقرار المنطقة برمتها. كما تؤكد باكو على أهمية دور سوريا كلاعب أساسي في محيطها الإقليمي، وعلى أن تعزيز العلاقات معها يصب في مصلحة الطرفين.

 

وقد تبنت أذربيجان منذ فترة مبادرة سياسية دبلوماسية للانفتاح على دمشق، وظهرت بوادر ذلك في إرسال وفد رسمي رفيع المستوى، برئاسة نائب رئيس الوزراء، إلى سوريا في محاولة لوضع أسس التعاون في مجالات إعادة الإعمار والطاقة. هذا التحرك يؤشر إلى رغبة أذربيجان في توسيع دائرة نفوذها الاقتصادي والسياسي في المنطقة، لا سيما في ظل التغيرات التي طرأت على الأوضاع السورية، والتي منحت فرصًا جديدة لتشكيل تحالفات إقليمية قادرة على إعادة بناء المشهد السياسي.

 

في المقابل، عبّر الرئيس السوري أحمد الشرع عن امتنانه الكبير للدعم الذي حظيت به سوريا من أذربيجان، مؤكداً أن العلاقة بين البلدين لا تقوم فقط على المصالح الاقتصادية أو السياسية، بل تمتد إلى روابط تاريخية وثقافية عميقة تجمع الشعبين، والتي ينبغي استثمارها في خدمة المصالح المشتركة. وأشار الشرع إلى لقائه الأول بالرئيس إلهام علييف خلال منتدى أنطاليا الدبلوماسي، حيث تلقى دعوة رسمية لزيارة باكو، وهو ما مثّل بداية التواصل السياسي المباشر على أعلى المستويات.

 

أكد الشرع عزمه على إعادة بناء جسور التعاون والعلاقات الأخوية بين دمشق وباكو، مشددًا على ضرورة أن تكون هذه العلاقات نابعة من احترام متبادل، ومرتكزة على مبادئ السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من الطرفين. وأضاف بأن سوريا تنظر إلى أذربيجان بوصفها دولة قوية وذات تأثير كبير في منطقة القوقاز، لا سيما بعد انتصاراتها الأخيرة في تحرير أراضيها، معبراً عن فخره بهذه الانتصارات التي أثبتت قدرة باكو على استعادة سيادتها الوطنية، ومجددًا دعم سوريا لوحدة الأراضي الأذربيجانية.

 

على صعيد التعاون الاقتصادي، ركزت المباحثات بين الطرفين على مشروع تصدير الغاز الطبيعي الأذربيجاني إلى سوريا عبر الأراضي التركية، وهو مشروع يحمل في طياته أبعادًا استراتيجية واقتصادية بالغة الأهمية لكلا البلدين. إذ أن سوريا تعاني منذ سنوات من أزمة طاقة خانقة، ويعد هذا المشروع فرصة حقيقية لتخفيف الأعباء الاقتصادية وتحسين الواقع الطاقوي السوري، إلى جانب فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي المستدام في مجالات متعددة.

 

كما أبدى الرئيس الشرع تقديره للخبرات الأذربيجانية الكبيرة في مجال إعادة الإعمار والبنية التحتية، مشيرًا إلى إمكانية الاستفادة من تجربة باكو في إعادة بناء مناطق كاراباخ المتضررة كنموذج يحتذى به في إعادة إعمار سوريا، التي عانت من دمار واسع خلال سنوات الحرب.

 

تطرقت المباحثات أيضًا إلى مجالات التعليم والثقافة، حيث أكدت أذربيجان استعدادها لتقديم منح دراسية للطلاب السوريين في مختلف التخصصات، ودعم جهود ترميم الآثار والمواقع الثقافية في سوريا، ما يعزز الروابط الإنسانية والحضارية بين الشعبين ويعكس الرغبة في تعميق التعاون عبر الجوانب الشعبية والثقافية.

 

تعكس هذه الزيارة إرادة سياسية صادقة من جانب أذربيجان لتكون شريكًا فاعلًا في نهوض سوريا من آثار الحرب والدمار، ليس عبر تقديم المساعدات فحسب، بل من خلال بناء شراكة متينة قائمة على الاحترام والمصالح المشتركة، وذلك في وقت لاقت هذه الخطوة اهتمامًا واسعًا في الأوساط الإقليمية والدولية، لا سيما داخل البلدان العربية التي ترى في تقوية العلاقات السورية-الأذربيجانية مؤشراً واضحًا على عودة سوريا إلى محيطها الإقليمي، وعلى صعود أذربيجان كدولة مؤثرة وفاعلة في السياسة الإقليمية.

 

في ضوء هذه المعطيات، تبدو زيارة الرئيس الشرع إلى باكو بوابة لانطلاق شراكة استراتيجية جديدة بين البلدين، ترتكز على عدة محاور رئيسية تشمل الطاقة والدبلوماسية والثقافة، وتشكل نموذجًا للتعاون الإقليمي القائم على المصارحة والإرادة السياسية والعمل المشترك من أجل الاستقرار والتنمية في المنطقة.

 

المحور الاستراتيجي: الغاز الطبيعي والطاقة

 

شكل ملف تصدير الغاز الأذربيجاني إلى سوريا عبر الأراضي التركية أحد أبرز المحاور التي نوقشت خلال زيارة الرئيس الشرع. إذ يعد هذا المشروع خطوة استراتيجية ذات أبعاد اقتصادية وسياسية هامة، إذ من شأنه أن يغير الخارطة الطاقوية السورية بشكل جوهري، ويقلل من اعتماد سوريا على مصادر طاقة تقليدية غير مستقرة.

 

تكتسب هذه الخطوة أهمية مزدوجة على الصعيدين الإقليمي والدولي: أولاً، تشكل رسالة واضحة ومباشرة موجهة إلى القوى الغربية التي تسعى إلى عزل سوريا أو تحجيم دورها، مفادها أن دمشق بدأت تتجه نحو تكوين شبكة شركاء جديدة تعتمد على موازين قوى إقليمية مختلفة، وباتت تملك خيارات متنوعة في مسار علاقاتها الخارجية. ثانيًا، تؤشر إلى تحول براغماتي وانفتاح سياسي حقيقي في السياسة الخارجية السورية، حيث تعيد النظر في أصدقاء الأمس، وتبحث عن شركاء فاعلين ذوي قدرة على دعم إعادة الإعمار والتنمية.

 

وتتمتع أذربيجان بموقع استراتيجي جغرافي مميز، إذ تقع عند ملتقى طرق آسيا الوسطى، القوقاز، والشرق الأوسط، وتمتلك احتياطات نفطية وغازية ضخمة في بحر قزوين، ما يجعلها لاعبًا إقليميًا رئيسيًا في سوق الطاقة، لا سيما مع التراجع النسبي للإمدادات الروسية في السوق العالمي. كما أن أذربيجان لطالما سعت إلى تنويع أسواقها واستغلال موقعها كجسر بين الشرق والغرب.

 

من ناحية أخرى، توفر سوريا موقعًا جغرافيًا مهمًا يربط بين الشرق الأوسط والبحر المتوسط، وتتمتع بموقع محوري يمكن من خلاله استغلال أنابيب الغاز والنفط في إمداد الأسواق العالمية. فضلاً عن أن سوريا بحاجة ماسة إلى تأمين مصادر طاقة مستقرة وفعالة لدعم جهود إعادة الإعمار التي تخطو بخطى بطيئة منذ سنوات.

 

لماذا أذربيجان في هذا الوقت؟

 

تتمتع أذربيجان بموقع استراتيجي عند ملتقى آسيا الوسطى، القوقاز، والشرق الأوسط، وتمتلك موارد طاقة ضخمة من نفط وغاز بحر قزوين، مما جعلها لاعبًا إقليميًا موثوقًا لتزويد أوروبا وتركيا بالطاقة، خاصة بعد تراجع مصادر الطاقة الروسية.

 

في هذا السياق، تقدم سوريا أوراقًا مهمة: مكانة جغرافية حيوية، حاجات شديدة لإعادة الإعمار، واستعداد سياسي لتطوير علاقات خارجية. وأذربيجان سترى في سوريا بوابة لامتداد نفوذها إلى البحر المتوسط وساحة شراكة استراتيجية في عمق المشرق العربي.

 

الدور التركماني السوري: جسر ثقافي وسياسي

 

يلعب وجود التركمان السوريين دورًا محوريًا في تعزيز التقارب بين دمشق وباكو، نظراً للروابط العرقية والثقافية التي تجمعهم بالشعب الأذربيجاني. إذ يُقدّر عدد التركمان السوريين بملايين، ويتوزعون في مناطق متعددة من سوريا، ما يجعلهم جسرًا ثقافيًا وسياسيًا هامًا يسهل الحوار والتفاهم والتعاون بين البلدين.

 

يمثل التركمان أحد عناصر القوة الناعمة التي تعتمد عليها الحكومة السورية لتعزيز علاقاتها مع أذربيجان، إذ يمكنهم لعب دور مهم في:

  • تعزيز التفاهم الثقافي بين الطرفين من خلال البرامج التعليمية والثقافية.
  • تمهيد قنوات اقتصادية وتجارية مشتركة تعود بالنفع على الجانبين.
  • دعم جهود بناء الثقة بين الجهات السياسية والمجتمعية، وبالتالي تسهيل تبادل الزيارات وتفعيل الاتفاقيات الثنائية.

 

تتمتع الجالية التركمانية بامتدادها التاريخي والثقافي المشترك مع أذربيجان، حيث يشتركان في اللغة، الدين، والتراث الثقافي، ما يجعل من التعاون بينهما أكثر سهولة وفاعلية.

 

توجه إقليمي جديد ومحور محتمل

 

تأتي هذه الزيارة في إطار تحولات إقليمية أوسع تشهد ولادة محاور جديدة مرنة تجمع بين المصالح الاقتصادية والاستراتيجية. ففي ظل تقارب تدريجي بين سوريا وتركيا، وتوسع الزيارات الدبلوماسية السورية للعواصم الآسيوية، تتجه أذربيجان إلى موقع مركزي في مشروع إقليمي متعدد الأقطاب.

 

وفي حال تكللت هذه الزيارة باتفاقات ملموسة في مجالات الطاقة والاستثمار وإعادة الإعمار، فقد يشهد الإقليم ولادة محور ثلاثي (سوريا–تركيا–أذربيجان) يستند إلى روابط جغرافية وثقافية واقتصادية متينة، بعيدًا عن الحسابات الأيديولوجية والصراعات التاريخية التي لطالما عرقلت التعاون.

 

يمثل هذا المحور فرصة لتعزيز الاستقرار والتنمية الاقتصادية، بما يخدم مصالح الشعوب، ويساهم في إعادة التوازن للقوى في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز.

 

تحديات وآفاق: من الرماد والجمود  نحو البناء والتطوير 

 

لا تقتصر زيارة الرئيس الشرع إلى أذربيجان على مجرد حركية دبلوماسية أو زيارة بروتوكولية، بل تمثل تعبيرًا واضحًا عن توجه سوري جديد مبني على الانفتاح والبراغماتية، وحرص على البحث عن شركاء جدد قادرين على دعم إعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد الحرب.

 

وفي هذا السياق، يمثل الوجود التركماني رافعة استراتيجية لتعزيز جسور التعاون بين البلدين، لا سيما أن التركمان لديهم علاقات وطيدة ومستمرة مع أذربيجان، ويسعون لتفعيل دورهم في العملية السياسية والاقتصادية داخل سوريا، مما يضيف بُعدًا جديدًا لهذه العلاقات.

 

ومع ذلك، تبقى هناك تحديات عدة تواجه هذه الشراكة، منها تطمين الأطراف الإقليمية والدولية، وضمان استمرار الدعم الاقتصادي والسياسي، والتغلب على آثار الحروب والنزاعات الداخلية التي عصفت بسوريا.

 

 أسباب اختيار الرئيس الشرع جمهورية أذربيجان كوجهة أولى

 

اختيار أذربيجان كأول محطة آسيوية غير عربية يحمل دلالات وسياسات مترابطة، يمكن تلخيصها كما يلي:

 

  1. اللقاءات والانسجام السياسي السابق

 

الرئيس أحمد الشرع التقى الرئيس علييف في مناسبات دولية مثل منتدى أنطاليا، حيث ظهر انسجام واضح بينهما حول قضايا السيادة ورفض التدخلات الخارجية، ممهدًا لعلاقة ثنائية أعمق.

 

  1. الروابط الثقافية والتاريخية

 

يُشكّل وجود جالية تركمانية واسعة في سوريا جسرًا ثقافيًا طبيعيًا مع أذربيجان. كما يُعزّز ضريح الشاعر الصوفي عماد الدين نسيمي في حلب من الرابط الرمزي والثقافي والتاريخي بين البلدين، ويفتح مجالًا لتعزيز التعاون الثقافي والسياحي.

 

  1. التحالف الإقليمي الثلاثي

 

العلاقة المقربة بين أردوغان والشرع والدعم التركي المستمر لعبا دورًا في تسهيل التواصل مع باكو كحليف وثيق لتركيا، ما يجعل المحور “أنقرة–باكو–دمشق” أكثر اتزانًا واستدامة.

 

  1. الحاجة الماسة للطاقة

 

في ظل الأزمة الطاقوية والعقوبات المفروضة على سوريا، تمثل أذربيجان خيارًا استراتيجيًا لتأمين حاجات الطاقة، إلى جانب الوصول إلى مبادرات خطوط طاقة تربط القوقاز بأوروبا عبر تركيا.

 

  1. توقيت سياسي محسوب

 

تأتي الزيارة في لحظة سورية تتجه شرقًا دون التقليد، وباكو كدولة ناشئة في الفضاء الجيوسياسي الإسلامي، ترسّخ مكانتها الإعلامية والسياسية بعد انتصارها في ناغورنو كاراباخ، وتفتح شراكات واسعة مع الجنوب الإسلامي.

 

في الختام تمثل زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى أذربيجان بداية صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وفتحًا لآفاق واسعة من التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي. ومن خلال التركيز على مشاريع الطاقة، إعادة الإعمار، والدور المحوري للجالية التركمانية، تبدو هناك فرصة حقيقية لتأسيس شراكة استراتيجية متينة قد تمتد لتشكيل محور إقليمي متوازن في شرق المتوسط والقوقاز، ينهض على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

الدكتور مختار فاتح بي ديلي 
الدكتور مختار فاتح بي ديلي

 

 

بواسطة: khelil

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

إقتباسات كلاسيكية للرئيس شي جين بينغ

في مئوية تأسيس الحزب الشيوعي الصيني

أخبار أذربيجان

الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكُتاب العرب أصدقاء الصين

أنا سفير لبلدي لدى جمهورية الصين الشعبية

مبادرة الحزام والطريق

حقائق تايوان

حقائق شينجيانغ

حقائق هونغ كونغ

سياحة وثقافة

هيا نتعرف على الصين

أولمبياد بكين 2022

الدورتان السنويتان 2020-2024

النشر في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

الإحصائيات


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *