شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
بقلم تشيان شي إعلامية صينية
عُقدت أول قمة ثلاثية بين الصين وآسيان ومجلس التعاون الخليجي بنجاح في كوالالمبور عاصمة ماليزيا، خلال الفترة من 28 إلى 29 مايو 2025. تأتي هذه القمة في لحظة حاسمة يشهد فيها الوضع الدولي تغيرات عميقة، وتواجه الدول النامية تحديات مشتركة، ما يمنحها أهمية رمزية بالغة. في ظل تصاعد النزاعات الجيوسياسية، وضعف انتعاش الاقتصاد العالمي، وعودة النزعات الأحادية، أصبح تعزيز التعاون بين بلدان “الجنوب العالمي” وبناء أمن تنموي مشترك محور اهتمام واسع من المجتمع الدولي.
تمثل الصين وآسيان ودول مجلس التعاون الخليجي قوى رئيسية في مجالات القدرة التصنيعية، والفرص السوقية، والموارد الطاقوية، وتؤدي دوراً متزايد الأهمية في النظام العالمي. لقد شهد التعاون بين الأطراف الثلاثة تقدماً مطرداً في السنوات الأخيرة، وتشكل هذه القمة استجابة فعالة لرغبتهم المشتركة في التنمية، ودفعًا للتكامل على مستوى أعلى، مما يضخ زخمًا جديدًا في التعاون متعدد الأطراف عالميًا.
التعاون من أجل الفوز المشترك: نحو ترابط إقليمي عالي المستوى
تتمتع الصين وآسيان ومجلس التعاون الخليجي بميزات تكاملية واضحة، فالصين تمتلك قدرات تصنيعية وتكنولوجية قوية، وآسيان تستفيد من وفرة سكانية وسوق ناشئة، بينما يتمتع مجلس التعاون الخليجي بتأثير واسع في مجالي الطاقة والتمويل. ويهيئ هذا التفوق الهيكلي مجالًا واسعًا لتعميق التعاون.
في المجال الاقتصادي والتجاري، تم بنجاح الانتهاء من مفاوضات ترقية منطقة التجارة الحرة بين الصين وآسيان إلى النسخة 3.0، فيما يتم التقدم بنشاط في اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي. وتعمل الأطراف الثلاثة على تسريع مواءمة مبادرة “الحزام والطريق” مع الاستراتيجيات التنموية في مختلف البلدان، مع التركيز على النقل البحري، وممرات الطاقة، والبنية التحتية الرقمية، لبناء شبكة ترابط إقليمي أكثر مرونة. كما سيتم التباحث حول تأسيس مجلس أعمال إقليمي يهدف إلى إرساء منصة دائمة للتبادل والشراكة بين الشركات.
تكامل القدرات: إطلاق ديناميكية جديدة للتعاون بين دول الجنوب
حددت القمة التحول الأخضر والتنمية الرقمية كمجالين جديدين للتعاون الثلاثي. في مجال التحول الطاقوي، تتصدر الصين العالم في تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بينما تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على تطوير الهيدروجين والطاقة الخضراء والتمويل المستدام، فيما يمكن لآسيان أن تكون سوقاً واعداً للطاقة النظيفة. وأعربت الأطراف الثلاثة عن توافقها على تعزيز التعاون في خفض الانبعاثات، والاستثمار الأخضر، وبنية الطاقة الجديدة، بهدف بناء مجتمع تنموي مستدام.
أما الاقتصاد الرقمي، فيشكل مجالاً رئيسياً آخر للتعاون، حيث تخطط الأطراف الثلاثة لتعزيز التعاون في مجال الدفع الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والتجارة الإلكترونية العابرة للحدود، مع التركيز على ربط التقنيات وتطوير الكفاءات، وبناء منظومة رقمية إقليمية. كما شمل جدول الأعمال مجالات الزراعة، وتمويل البنية التحتية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، بما يلبي احتياجات الدول النامية الواقعية.
مصير مشترك: من أجل نظام عالمي عادل ومنظم
لا تقتصر القمة على التعاون الاقتصادي، بل تعكس كذلك الثقة السياسية والإجماع في الحوكمة. وأكدت الأطراف الثلاثة التزامها بأهداف ميثاق الأمم المتحدة، واحترام السيادة، ورفض العقوبات الأحادية، ودعم الحلول السياسية للنزاعات الإقليمية، ما يعزز الاستقرار والسلام في المنطقة.
يمثل مفهوم “بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية” جوهر التوجه العام. وأظهرت الأطراف موقفاً موحداً في إصلاح نظام الحوكمة العالمي، ومواجهة تغير المناخ، وإصلاح نظام التمويل التنموي، منتقلة من “متلقين للقواعد” إلى “مشاركين في صياغتها”، ما يتيح تقديم حلول من دول الجنوب نحو عولمة أكثر عدالة واستدامة.
نظرة إلى المستقبل: من التعاون على الهامش إلى البناء المشترك في المركز
تشكل هذه القمة مرحلة جديدة في العلاقات بين آسيان والصين ومجلس التعاون الخليجي. وتتطلع الأطراف إلى تعميق الثقة المتبادلة، وتوسيع مجالات التعاون، وتحسين آليات التنسيق، من أجل بناء هيكل تنموي إقليمي أكثر شمولاً ومرونة.
ونؤمن بأنه لا سبيل لمواجهة المخاطر وتعزيز الاستقرار والثقة في عالم مضطرب إلا بالتكاتف والتعاون، ولا يمكن للدول النامية نيل صوت دولي أكثر عدلاً وقوة إلا من خلال بناء مجتمع مصير مشترك.