شبكة طريق الحرير الإخبارية/
ما شان شان، باحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة صون يات صن.
عُقد المؤتمر الآسيوي الإفريقي في باندونغ بإندونيسيا بمشاركة وفود حكومية من 29 دولة ومنطقة آسيوية وإفريقية من 18 إلى 24 أبريل 1955، كان هذا أول مؤتمر دولي كبير يناقش المصالح الأساسية للشعوب الآسيوية والإفريقية مثل الدفاع عن السلام والسعي إلى تحقيق استقلال الوطن وتنمية اقتصاده بدون مشاركة دول استعمارية. كما فتح هذا المؤتمر آفاقا جديدة للعلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، حيث حققت العلاقات الصينية العربية نقطة انطلاق جديدة، فمن إقامة العلاقات الدبلوماسية إلى الارتقاء إلى مستوى شراكة استراتيجية.
أرسى مؤتمر باندونغ أسسا ثابتة للدبلوماسية الصينية العربية. اقترح رئيس مجلس الدولة تشو إن لاي المبادئ الخمسة للتعايش السلمي التي تقوم عليها الدبلوماسية الصينية في عام 1953، وبدأت دبلوماسية الصين الجديدة تتجه نحو ساحة دولية أوسع. ومع ذلك، كانت لا تزال الصين الجديدة تواجه العديد من سوء الفهم والتحيزات في المجتمع الدولي، فمن الملح كسر العزلة الدولية وتوسيع نطاقها الدبلوماسي. لذا، أجرى رئيس مجلس الدولة تشو إن لاي اتصالات واسعة النطاق مع ممثلي الدول العربية أثناء المؤتمر، مؤكدا على دعمه القوي لنضال الدول العربية من أجل الاستقلال الوطني في خطابه في المؤتمر، مما هيأ ظروفا جيدة لإقامة علاقات دبلوماسية بين الصين والدول العربية. شهدت العلاقات الصينية العربية ذروة في إقامة العلاقات الدبلوماسية بعد اختتام مؤتمر باندونغ، وأصبحت مصر أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين في عام 1956. وقد سارت الدول العربية الأخرة على خطى مصر بإقامت علاقات دبلوماسية مع الصين، وكانت المملكة العربية السعودية آخر دولة عربية تقيم العلاقة الدبلوماسية مع الصين في يوليو 1990.
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، ناضل الجانبان جنبًا إلى جنب على الساحة الدولية بروح التعاون السلمي والانفتاح والشمولية والتعلم المتبادل والمنفعة المتبادلة والربح المشترك. تظل الدول العربية تدعم القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية للصين. في سبعينيات القرن الماضي، لعبت 23 دولة مثل الجزائر وألبانيا دورا مهما في استعادة الصين لمقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، فتم اعتماد اقتراحها في 25 أكتوبر 1971 بأغلبية ساحقة في الدورة السادسة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة، واستُعيدت جميع الحقوق المشروعة لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة. يعد هذا الأمر انتصارا مشتركا للصين والدول العربية وعدد كبير من الدول النامية. كما التزمت الدول العربية دائمًا بمبدأ الصين الواحدة في التبادلات الدولية، وضمنته في قرار اجتماع مجلس قمة جامعة الدول العربية.
في ظل الوضع المعقد في الشرق الأوسط والدول العربية، تضطلع الصين بدور دولة كبرى تتحمل مسؤولياتها الدولية، وتتواصل وتنسق بنشاط، وتساهم في حل القضايا الإقليمية الساخنة مع الدول العربية. تولي الصين أهمية بالغة للقضية الفلسطينية، وتدعم جهود جامعة الدول العربية ودولها الأعضاء بشأنها، كما تدعو المجتمع الدولي إلى تعزيز الشعور بالإلحاح لوضع القضية الفلسطينية على رأس جدول الأعمال الدولي، وتحث الأطراف المعنية على الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وغيرها من التوافقات، وتعزيز محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، والتوصل إلى حل مبكر وعادل ودائم للقضية الفلسطينية. كما تهتم الصين اهتماما بالقضية الإنسانية السورية، فقدمت مساعدات إنسانية للشعب السوري واللاجئين السوريين في الخارج في مناسبات عديدة. ظلت تبذل الصين جهودًا حثيثة لتقديم المساعدة في حدود إمكانياتها في قضايا أخرى متعلقة بالدول العربية.
منذ دخول العصر الجديد، أقامت الصين والدول العربية شراكة استراتيجية قائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة للمستقبل، حيث دخل الجانبان مرحلة جديدة من التعاون والتنمية العملية. في عام 2013، طرحت الصين مبادرة “الحزام والطريق” التي حظيت بدعم قوي ومشاركة فاعلة من الدول العربية. وفي عام 2023، وقّعت الأردن مذكرة تفاهم مع الصين بشأن التعاون في البناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق”، وقد أصبحت عضوا جديدا في البناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق” بين الصين والدول العربية. وبهذه الشراكة تكون الصين قد وقعت وثائق تعاون بشأن البناء المشترك لـ “الحزام والطريق” مع جميع الدول العربية الـ 22 وجامعة الدول العربية، مما يضخ قوة دافعة للتعاون العملي بين الجانبين. حقا إن البناء المشترك للحزام والطريق يساهم في تعزيز تطوير العلاقات الصينية العربية بشكل شامل، حيث يربط الجانبان بناء الحزام والطريق المشترك بالواقع الإقليمي، والعمل الجماعي بالتعاون الثنائي، ودفع التنمية بالحفاظ على السلام حتى يحقق الجانبان المزيد من نقاط القوة والتعاون الذي يهدف إلى المنفعة المتبادلة، لذلك تتميّز المناطق والدول المشتركة في بناء مبادرة “الحزام والطريق” بآفاق واسعة وواعدة.
تجلّت روح مؤتمر باندونغ في قيم الوحدة، ومناهضة الإمبريالية والاستعمار، والسعي نحو تحقيق الاستقلال الوطني، والحفاظ على السلام العالمي، وتعزيز التعاون الودي بين الدول عبر التاريخ. كما تجسدت هذه الروح في التبادلات الصينية العربية. بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين الصين والدول العربية، استمر الجانبان في تبادل الزيارات رفيعة المستوى في المجال السياسي، معززين الثقة السياسية المتبادلة بشكل مستمر. وقد تحقق بذلك منفعة متبادلة ونتائج اقتصادية مثمرة، تجسدت في توسيع حجم التعاون ونطاقه الاقتصادي بين الطرفين. كما يعززان التبادلات الثقافية والتعلم المتبادل بين الحضارتين، مما يجعلهما نموذجًا حيًا للتعايش المتناغم بين الحضارات المختلفة. تُصرّ الصين على حل النزاعات بشكل عادل ومعقول من خلال الحوار والتفاوض في القضايا الساخنة في الشرق الأوسط. واصلت العلاقات الصينية العربية تطورها من إقامة العلاقات الدبلوماسية إلى الشراكة الاستراتيجية، ثم إلى بناء مجتمع صيني عربي ذي مستقبل مشترك، وستواصل تطورا في المستقبل لتفتح صفحة جديدة في العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية.