شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم: الكاتب احمد محمد، عضو مجلس الادارة الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل
في خضم التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم، تبرز العلاقات العراقية-الصينية ك ركيزةً استراتيجيةً في إطار سياسة الانفتاح والتعاون المتبادل التي تتبناها القيادة الصينية.
تمتد جذور العلاقات العراقية–الصينية لأكثر من ألفي عام عبر شبكة طرق الحرير التي ربطت بين وادي الرافدين وبقية أنحاء آسيا الوسطى والصين،امتدت خيوط طريق الحرير لتربط بين وادي الرافدين وعراقة الصين.
وقال في ذلك الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور «هذه دجلة… وليس بيننا وبين الصين شيء يأتينا منها كل ما في البحر»
ما أعجب الصين بعيدة في الأرض، قريبة بالعطاء، تمد العالم بخيرها كما يفيض النهر من غير انقطاع.
فكانت القوافل تنقل إليها أقمشة الحرير الرفيع والخزف الصيني الراقي، بينما حملت رياح الشرق العطور الفاخرة وأسرار حضارة بابل إلى ضفاف الأنهار الصينية.
لم تقتصر هذه الشبكات التجارية على نقل البضائع فحسب، بل تحوّلت إلى مسار ثقافي ودبلوماسي، فاستقبلت بلاط الخلافة العباسية وإمبراطورية تانغ الصينيَّة بعثات رسمية تبادليه، وأثبتت لحظاتُ الصراع—كمعركة طلاس سنة 751 م أن النصر في الميدان أعقبه حوارٌ حضاريٌّ؛ إذ تعلّم العربُ من أسرى الحرب الصينيين صناعة الورق، دلالةً على أن الحضارات حين تصطدم لا تموت بل تتجدّد.
قبل أن تشهد إعادة صياغة دبلوماسية رسمية في 25 أغسطس 1958.
منذ ذلك الحين، باتت الصين شريكاً أساسياً لبغداد، إذ تطورت العلاقات العراقية–الصينية عبر ثلاثة عقود ونصف من في مواجهة التحديات الدولية، فكان الدعم السياسي المتبادل أساسًا للتعاون الدبلوماسي، ثم تحوّل إلى شراكات اقتصادية واستثمارية في مجالات الطاقة والبنى التحتية، مرورًا بفترة العقوبات الأممية حيث لعبت الصين دورًا حيويًا في برامج الإغاثة الإنسانية تحت مظلة “النفط مقابل الغذاء”، وصولًا إلى توقيع أولى اتفاقيات الإنتاج المشترك في قطاع النفط قبل 2003، جسّدت تلك نموذجاً فريدًا للعلاقات الثنائية في زمن الحرب الباردة وما تلاها .
كما عارضت الصين بشدة الغزو العسكري الأمريكي والبريطاني للعراق في عام 2003، ودعت إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من البلاد.
وفي نفس الوقت كانت الصين على استعداد للتعاون مع العراق، وخاصة في مجال الطاقة، لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في الصين، فضلاً عن تخفيف الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها المجتمع العراقي بعد الحرب.
لا سيما في مراحل إعادة الإعمار، حيث استثمرت بكثافة في قطاعات الطاقة الحيوية ونقلت خبراتها التكنولوجية لتدعيم البنية التحتية العراقية وضمان استدامة التنمية.
وترى الصين العراق هو شريك رئيسي المهم في منطقة الخليج تستورد بكين ما يقرب من 40% من النفط العراقي، والعراق هو ثالث أكبر مُورِّد للنفط للصين منذ عام 2017 (1).
مع سقوط الإرهاب «داعش»، زادت الصين من استثماراتها في العراق؛ فقد تسبت عدم الاستقرار في العراق بأضرار جسيمة، ومن الضروري القيام بمشاريع إعادة الإعمار الكبرى، أرادت الحكومة العراقية الاستثمار في مواردها من الطاقة؛ لإعادة البلاد إلى الوقوف على قدميها، وقد مُنحت الصين التي أظهرت موثوقية وثباتًا في علاقاتها التجارية مع العراق .
وقد استجابت الشركات الصينية لهذا الطلب، مستفيدة من خبرتها في مشاريع البنية التحتية الضخمة وأسعارها التنافسية مقارنةً بالشركات الغربية .
على صعيد البنية التحتية، تميز الدور الصيني بعدة مشاريع بارزة؛ فقد تسلمت الشركة الوطنية الصينية للبناء (CSCEC) مسؤولية إعادة تأهيل وتوسيع مطار الناصرية الدولي، الذي وصلت نسبة إنجازه إلى أكثر من ٧٦٪ ، ويُتوقَّع أن يستوعب 2.5 مليون مسافر سنويًا عند افتتاحه الكامل (2).
وفي مجال الطاقة، أُطلق مشروع محطة كهرباء الخيرات الغازية في محافظة كربلاء بطاقة تشغيلية أولية تصل إلى 1,250 ميغاواط، ويُعدّ من أكبر محطات العراق جنوب البلاد، بالإضافة إلى مشروع أضخم بقدرة 3,200 ميغاواط .
وعلى الصعيد الاجتماعي، دعمت الاستثمارات الصينية إنشاء أكثر من ألف مدرسة ومبنى تعليمي في محافظات متعددة، مكملةً جهود الحكومة لإعادة تشغيل قطاع التعليم بعد سنواتٍ من الصعوبات. وتأتي هذه المبادرات لتعزيز فرص التعلم لأكثر من مائة ألف طالب سنويّاً، ولتمهيد الطريق أمام جيل جديد يساهم في بناء مستقبل العراق.
وفي ضوء هذه الإنجازات، يستمر التعاون الاستراتيجي بين بغداد وبكين ضمن إطار مبادرة «الحزام والطريق»، حيث بلغت الاستثمارات الصينية في العراق أكثر من 10.5 مليار دولار حتى نهاية 2021، مع التزام بكين بتمويل مشاريع لوجستية وصناعية لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي. ويعكس هذا التوجّه مدى تمسّك العراق بشريك مستدام، ورغبة الصين في ترسيخ وجود طويل الأمد في قلب المنطقة، ليس كـ«متلقّ للنفط» فحسب، بل كمساهم رئيس في مسيرة إعادة إعمار وبناء مستقبل العراق الاقتصادي.
وخلاصة القول، إن هناك آفاقًا واسعة ومبشّرة تنتظر مستقبل العلاقات العراقية – الصينية، يمكن تطويرها وتعزيزها بما يخدم مصالح البلدين المشتركة. فهذه الشراكة، القائمة على التعاون الاقتصادي والاستثماري، تُسهم في دعم جهود التنمية داخل العراق، كما تُعزِّز من استقرار المنطقة وتُسهم في تحقيق الأمن الإقليمي والعالمي على المدى البعيد.
*مراجع:
1_https://shafaq.com/en/Economy/Iraq-is-China-s-third-largest-oil-supplier-in-2023?utm_source=chatgpt.com
٢_https://www.al-mirbad.com/detail/173489