شبكة طريق الحرير الإخبارية/
ذكرى مجزرة خوجالي: جريمة ضد الإنسانية لا تُنسى
بقلم أسماء أحمد بحيري
باحثة متخصصة في شؤون أذربيجان وتركيا
مجزرة خوجالي لم تكن مجرد مأساة أذربيجانية، بل كانت نكبة إنسانية تُبرز وحشية الحرب والتطهير العرقي. إن الإبادة الجماعية في مدينة خوجالي لم تكن مجرد هجوم على سكان المدينة، بل كانت استهدافًا لكل شعب أذربيجان، حيث جسّدت أبشع صور القمع والوحشية في تاريخ البشرية. لقد كانت جريمة إبادة جماعية ضد الإنسانية بأكملها. كانت مدينة خوجالي ذات أهمية استراتيجية كبيرة، حيث تقع في منطقة قره باغ الجبلية بأذربيجان، وتضم المطار الوحيد في الإقليم، مما جعلها هدفًا رئيسيًا للقوات الأرمنية. كان أحد أهداف الهجوم هو السيطرة على الطريق البري الذي يربط بين مدينتي عسكران وخانكندي عبر خوجالي، مما أدى إلى تنفيذ واحدة من أبشع المجازر في القرن العشرين. في تلك الليلة المظلمة من فبراير 1992، لم تكن مدينة خوجالي ساحة معركة، بل كانت شاهدًا على إبادة جماعية مروّعة. لم يُقتل 613 شخصًا فحسب، بل تحطمت أسر، وضاعت أحلام، وسُرقت براءة الأطفال. واليوم، بينما يحيي الأذربيجانيون الذكرى الثالثة والثلاثين لهذه المجزرة، يبقى السؤال: متى ستتحقق العدالة؟ وصف الزعيم الوطني الأذربيجاني حيدر علييف المجزرة بقوله:
“دخل هذا العمل الوحشي والقاسي من الإبادة الجماعية تاريخ البشرية باعتباره أحد أفظع الأعمال الإرهابية الجماعية.” تُصنَّف مجزرة خوجالي، التي وقعت في 25-26 فبراير 1992، ضمن جرائم الإبادة الجماعية وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948. فرغم الأدلة الدامغة على الفظائع التي ارتُكبت، لم يخضع المسؤولون عن المجزرة للمحاسبة الدولية. وتواصل أذربيجان جهودها القانونية والدبلوماسية لحشد الاعتراف الدولي بهذه الجريمة وتحقيق العدالة للضحايا.
تعرّض الشعب الأذربيجاني لسياسات التطهير العرقي والإبادة الجماعية على يد القوميين الأرمن، مما أدى إلى تهجير الآلاف من أراضيهم التاريخية وتحويلهم إلى لاجئين ومهجرين داخليًا. ففي الحقبة السوفيتية، شهد الأذربيجانيون عمليات طرد ممنهجة؛ إذ تم ترحيل نحو 150 ألف أذربيجاني قسرًا من أرمينيا بين عامي 1948 و1953، حيث استقروا في سهل كور أراز بأذربيجان. وفي عام 1988، طُرد 250 ألف أذربيجاني آخرين من أراضيهم التاريخية، مما جعل أرمينيا دولة أحادية العرق بالكامل.
بدأت أحداث قره باغ الجبلية عام 1988، مع تصاعد النزعة القومية الأرمينية ومحاولات المتطرفين تحقيق فكرة “أرمينيا الكبرى من البحر إلى البحر”، الأمر الذي أدى إلى تدمير القرى والمدن الأذربيجانية، وسقوط آلاف الضحايا، وتشريد مئات الآلاف من الأبرياء. وكانت مجزرة خوجالي واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبت خلال هذا النزاع.
في ليلة 25 إلى 26 فبراير 1992، شنّت القوات الأرمينية، بدعم من الفوج 366 التابع للجيش السوفيتي المتمركز في خانكندي، هجومًا وحشيًا على مدينة خوجالي. وقبل ذلك، تعرّضت المدينة لقصف مدفعي مكثف استمر لساعات، مما أدى إلى اندلاع الحرائق وانتشار الفوضى. وفي الساعات الأولى من يوم 26 فبراير، أُحكم الحصار على المدينة بالكامل، مما أجبر نحو 2500 مدني على الفرار في محاولة للوصول إلى مدينة أغدام، التي كانت تحت سيطرة القوات الأذربيجانية.
لكنهم لم يتمكنوا من النجاة، إذ قامت الجماعات المسلحة الأرمينية بملاحقتهم وقتلهم بوحشية. وأسفرت المجزرة عن مقتل 613 مدنيًا، بينهم 63 طفلًا و106 نساء و70 مسنًا. كما تم:
إبادة 8 عائلات بأكملها.
فقدان 25 طفلًا لوالديهم، و130 طفلًا فقدوا أحد الأبوين.
إصابة 487 شخصًا، بينهم 76 طفلًا.
أسر 1275 شخصًا، بينما لا يزال 150 شخصًا في عداد المفقودين.
تعتبر هذه المجزرة واحدة من أبشع الفظائع في النزاع الأذربيجاني-الأرميني، حيث وثّقت منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش بشاعة الجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين في خوجالي، ووصفتها بأنها “أكبر مذبحة ضد المدنيين خلال حرب قره باغ الأولى”. رغم مرور 33 عامًا على المجزرة، لا يزال الشعب الأذربيجاني والعالم يطالبان بتحقيق العدالة لضحايا خوجالي. وقد اعترفت العديد من الدول والمنظمات الدولية بهذه المجزرة كإبادة جماعية، من بينها منظمة التعاون الإسلامي، والبرلمان الباكستاني، والمكسيك، وكولومبيا، والسودان، وتشيكيا، والعديد من الولايات الأمريكية.
ومع ذلك، لم يُحاسب المسؤولون عن المجزرة حتى اليوم، وهو ما يدفع أذربيجان لمواصلة جهودها القانونية والدبلوماسية لضمان إدانة مرتكبي هذه الجريمة في المحافل الدولية. ومن الضروري أن تقوم المنظمات الدولية والمحاكم الدولية بإجراء تقييم سياسي وقانوني للإبادة الجماعية في خوجالي، لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب. بعد تحرير مدينة خوجالي من الاحتلال الأرمني، وضعت الحكومة الأذربيجانية، بقيادة الرئيس إلهام علييف، خططًا شاملة لإعادة إعمار المدينة وضواحيها بهدف إعادة الحياة إلى المنطقة وتهيئة الظروف لعودة النازحين. وتم تخصيص موارد مالية وبشرية كبيرة لتحقيق أهداف إعادة الإعمار في خوجالي. كما تم تشكيل لجان متخصصة لمتابعة تنفيذ المشاريع وضمان جودتها وفعاليتها. يؤكد الرئيس علييف في خطاباته على أهمية إعادة إعمار المناطق المحررة كجزء أساسي من رؤية أذربيجان لمستقبل مزدهر ومستقر. وتستمر عملية عودة النازحين السابقين إلى محافظة خوجالي بعد إعادة بنائها وترميمها بعد تحريرها من الاحتلال الأرميني وذلك تنفيذا لتوجيهات الرئيس إلهام علييف.
إحياء ذكرى مجزرة خوجالي ليس مجرد استذكار للماضي، بل هو تأكيد على ضرورة تحقيق العدالة ومنع تكرار مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية. تمر السنوات، لكن آلام مجزرة خوجالي لا تزال حيّة في وجدان الشعب الأذربيجاني.
وفي هذه الذكرى الأليمة، نتقدم بأحرّ التعازي لأسر الشهداء وللشعب الأذربيجاني، مؤكدين أن هذه الأعمال الوحشية تتناقض مع كل القيم الإنسانية والأخلاقية. كما نعلن تضامننا الكامل مع أذربيجان الشقيقة، وندعو إلى نشر الوعي حول هذه الجريمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الفظائع ضد أي شعب في العالم.