Saturday 21st December 2024
شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

الصين وسوريا: تحولات استراتيجية في مرحلة ما بعد النظام

منذ 8 ساعات في 21/ديسمبر/2024

شبكة طريق الحرير الإخبارية/

النهار/

الصين وسوريا: تحولات استراتيجية في مرحلة ما بعد النظام

وارف قميحة*

 

مع التحولات الجذرية التي قد تشهدها سوريا نتيجة تغييرات سياسية وأمنية غير مسبوقة، تجد الصين نفسها أمام واقع معقد يتطلب إعادة تقييم استراتيجياتها في المنطقة. وبينما تبني بكين سياستها الخارجية على أسس عدم التدخل واحترام سيادة الدول، إلا أن ديناميكيات الصراع السوري ونتائجه تفرض عليها تحديات أمنية واقتصادية وسياسية تتجاوز تلك المبادئ التقليدية. في هذا السياق، تظهر تصريحات سفير الصين لدى الأمم المتحدة حول استعداد بلاده للاضطلاع بدور بناء في استعادة الاستقرار في سوريا، مما يعكس نية بكين للمساهمة في إيجاد حلول مستدامة.

المشهد الجديد في سوريا: سقوط النظام وتبعاته

بعد سقوط النظام السوري، أصبحت سوريا ساحة مفتوحة لقوى إقليمية ودولية تسعى لتعزيز نفوذها. بالنسبة للصين، كان النظام السوري شريكاً استراتيجياً يعتمد عليه لضمان استقرار مصالحها في الشرق الأوسط. فقد كانت سوريا، بالنسبة لبكين، شريكاً رئيسياً في مبادرة “الحزام والطريق” عبر موانئ طرطوس واللاذقية التي تعتبر جزءاً مهماً من شبكة الموانئ العالمية التي ترتبط بآسيا وأوروبا. كما أن التعاون الأمني بين البلدين كان محورياً في مكافحة الإرهاب والتطرف، الأمر الذي يعزز مصالح الصين في مكافحة الأنشطة الانفصالية التي تهدد استقرار إقليم شينجيانغ.

مع سيطرة المعارضة السورية على كامل الأراضي السورية، تواجه الصين تحديات أمنية واقتصادية جديدة. في الوقت الذي تسعى فيه بيجينغ للحفاظ على مصالحها الاقتصادية، تهدد التغيرات في سوريا الأمن القومي الصيني، خاصةً بعد عودة مقاتلي الإيغور الذين انخرطوا في صفوف الجماعات المسلحة في شمالي سوريا. هذا يفرض على الصين إعادة التفكير في استراتيجياتها الخاصة بالأمن الإقليمي ودورها في سوريا.

الإيغور وسوريا: تهديد أمني متزايد

تشير التقارير إلى أن هناك نحو ثلاثة آلاف مقاتل إيغوري ينتمون إلى جماعات مثل “هيئة تحرير الشام” في سوريا. هؤلاء المقاتلون يشكلون تهديداً مباشراً للأمن الداخلي للصين، إذ قد يساهمون في تعزيز الأنشطة الانفصالية والإرهابية داخل شينجيانغ. لذلك، وضعت الصين مكافحة الإرهاب على رأس أولوياتها في سوريا، مما يدفعها لتعزيز تعاونها مع المعارضة السورية والدول المجاورة لها، لضمان عدم تحول الأراضي السورية إلى منصة تهديد لأمنها القومي. كما أن الصين تدعو إلى ضرورة احترام مبدأ “الحل السياسي الداخلي” في سوريا، وهو ما يعكس موقفها الثابت في دعم وحدة الأراضي السورية ضد الانقسامات.

تجربة الصين مع طالبان: درس للتعامل مع المعارضة السورية

قد تستفيد الصين من تجربتها مع طالبان في أفغانستان، حيث حافظت على قنوات اتصال مفتوحة مع الحركة حتى قبل انسحاب الولايات المتحدة. هذا النهج البراغماتي ساعد الصين على ضمان عدم استهداف مصالحها الاقتصادية والأمنية في المنطقة. وبالمثل، قد تضطر بيجينغ إلى اعتماد سياسة مشابهة مع المعارضة السورية، حتى لو كانت في صراع مع النظام. هذا سيكون مفيداً بشكل خاص في مرحلة ما بعد النظام، حيث ستكون الصين مضطرة لإيجاد طرق للتفاعل مع الأطراف المتعددة التي قد تكون لها أدوار في مستقبل سوريا، بما في ذلك جماعات المعارضة.

أدوات القوة الناعمة: إعادة الإعمار كبوابة للنفوذ

 

الصين تتميز بقدرتها على استخدام أدوات القوة الناعمة، مثل مشاريع البنية التحتية، لدعم نفوذها السياسي. مع دخول سوريا مرحلة إعادة الإعمار، ستسعى الصين لتوظيف شركاتها العملاقة وخبراتها التكنولوجية للمساهمة في بناء المدن المدمرة وإعادة تأهيل الاقتصاد السوري. ويعكس هذا دور الصين كقوة اقتصادية عالمية تسعى لترسيخ وجودها في المنطقة من خلال الاستثمار في مشاريع ضخمة من شأنها أن تساهم في استقرار سوريا.

ويعتبر السفير الصيني لدى الأمم المتحدة أن الصين مستعدة للقيام بدور بناء في استعادة الاستقرار في سوريا. هذا الدور يتضمن دعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي سلمي، مما يعكس رغبة الصين في المساهمة في تعزيز الأمن الداخلي لسوريا، من خلال ضمان استمرار العمل في مؤسسات الدولة السورية.

دور القوى الإقليمية: توازن العلاقات الصينية

في ظل التنافس الإقليمي بين تركيا، إيران، ودول الخليج، تجد الصين نفسها في موقف دقيق يتطلب بناء علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف. تركيا تدعم بعض فصائل المعارضة السورية، بينما تسعى إيران للحفاظ على نفوذها في سوريا. من جانبها، قد تضطر الصين لتقديم تنازلات اقتصادية أو سياسية لضمان تعاون هذه القوى معها، خاصةً في ظل الاهتمام المشترك بمكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار.

من جهة أخرى، يسعى الجانب الصيني إلى تعزيز التعاون بين الدول ذات النفوذ في المنطقة لضمان استقرار الوضع في سوريا. ويؤكد أنه يجب على الدول المجاورة لسوريا، بما في ذلك تركيا وإيران، أن تتعاون من أجل تحقيق الأمن الإقليمي وضمان تسوية سياسية شاملة.

روسيا والصين: تحولات في الشراكة بعد سوريا

مع سقوط النظام السوري، قد تتغير الديناميكيات بين الصين وروسيا. موسكو، التي كانت حليفاً استراتيجياً لبكين في سوريا، قد تجد نفسها في موقف أكثر ضعفاً في المنطقة. بكين، التي تعتمد على روسيا كشريك رئيسي في سوريا، قد تضطر لإعادة النظر في هذا التحالف مع تطور الأوضاع. على الرغم من ذلك، ستظل الصين حريصة على الحفاظ على علاقاتها مع روسيا، خاصة في ما يتعلق بمشاريع الأمن الإقليمي وإعادة الإعمار.

مبادرة الحزام والطريق: المخاطر والفرص

تمثل سوريا حلقة مهمة في مبادرة “الحزام والطريق”، خاصةً عبر موانئها البحرية التي تربط آسيا بأوروبا. لكن عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد قد يهدد هذه المشاريع. الصين بحاجة إلى استراتيجية طويلة الأمد تضمن استقرار تلك الموانئ واستمرار عملياتها التجارية، وهو ما قد يتطلب دوراً سياسياً أكثر فاعلية في سوريا. الصين تدعو إلى الاستمرار في عملية حوار شامل يضمن التسوية السياسية مع مراعاة المبادئ الأساسية للسيادة الوطنية السورية.

التحديات الأمنية والاقتصادية

إلى جانب المخاوف الأمنية، تواجه الصين تحديات اقتصادية في سوريا، خاصة مع احتمال تصاعد المنافسة الدولية والإقليمية على استثمارات إعادة الإعمار. بكين بحاجة إلى تقديم حوافز مغرية، مثل القروض الميسرة، لضمان دورها الريادي في هذه المرحلة. في الوقت نفسه، يجب أن تعمل الصين على تعزيز قدرتها على التنسيق مع المنظمات الدولية لضمان وصول المساعدات الإنسانية وإيصال الدعم إلى الشعب السوري في أسرع وقت.

السياسة الصينية في سوريا المستقبلية

تجد الصين نفسها أمام مفترق طرق استراتيجي في سوريا. بينما تسعى لحماية مصالحها الأمنية والاقتصادية، تواجه ضغوطاً من قوى إقليمية ودولية. النهج الصيني المستقبلي قد يتمحور حول تعزيز الشراكات الإقليمية، الاستثمار في إعادة الإعمار، والمشاركة الفاعلة في الوساطات الدولية لتسوية النزاعات. من خلال براغماتيتها السياسية وخبراتها في التعامل مع الأزمات، تمتلك الصين الفرصة لتكون لاعباً رئيسياً في إعادة بناء سوريا، وضمان استقرارها كجزء من رؤيتها الأوسع لمبادرة الحزام والطريق وتعزيز دورها كقوة عالمية مسؤولة.

*رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث، رئيس الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل.

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

إقتباسات كلاسيكية للرئيس شي جين بينغ

في مئوية تأسيس الحزب الشيوعي الصيني

أخبار أذربيجان

الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكُتاب العرب أصدقاء الصين

أنا سفير لبلدي لدى جمهورية الصين الشعبية

مبادرة الحزام والطريق

حقائق تايوان

حقائق شينجيانغ

حقائق هونغ كونغ

سياحة وثقافة

هيا نتعرف على الصين

أولمبياد بكين 2022

الدورتان السنويتان 2020-2024

النشر في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

الإحصائيات


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *