شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم نبيل بلقاس*
شهدت قمة بريكس الأخيرة، التي عُقدت في كازان عاصمة تاتارستان الروسية، حضوراً قوياً لقادة دول ما يطلق عليه الجنوب العالمي، خطف فيه كل من الدب الروسي و التنين الصيني الأضواء و حصة الأسد من الزخم الإعلامي . وقد شكلت هذه القمة منصة للقادة لمناقشة النظام العالمي المتغير وأهمية الشراكات المتوازنة التي تعزز سيادة الدول النامية على مواردها واستقلالها السياسي. و في سياق هذه القمة، ألقت كلمة كل من الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الضوء على رؤية شاملة لمستقبل دول الجنوب بل و دول العالم الداعية لمشروع عالم متعدد الأقطاب ، وهي رؤية تتماشى مع طموحات الدول العربية لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي.
في كلمته، وصف الرئيس فلاديمير بوتين التعاون بين الصين وروسيا بأنه “أحد الركائز الأساسية لتحقيق الاستقرار في العالم”، مشيراً إلى التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها الدول النامية في ظل النظام العالمي الحالي. دعا بوتين إلى تعزيز التنسيق بين دول بريكس لضمان نظام عالمي أكثر عدالة وتوازن، خاصة في ظل الأزمات المتصاعدة في أوكرانيا والشرق الأوسط. كما أشار إلى أن التعاون بين روسيا والصين يوفر منصة قوية لدول الجنوب العالمي، بما فيها الدول العربية، لتحقيق تطلعاتها بعيداً عن النفوذ الغربي السائد، ويُشكل هذا التوجه نحو التعددية القطبية نقطة قوة للعالم العربي الطامح لاستقلالية أكبر في سياساته الاقتصادية والتجارية.
أما من جانبه، فقد أكد الرئيس شي جين بينغ التزام الصين بتعزيز التعاون مع دول الجنوب العالمي، وقال إن الصين ترى في هذا التعاون شراكة استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى بناء مجتمع عالمي يشمل الجميع. وأشار إلى أهمية الابتكار التكنولوجي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وأعلن عن مبادرات جديدة لتعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والتنمية المستدامة. أوضح شي أن الصين تدعم انضمام المزيد من الدول النامية إلى مجموعة بريكس، مشيراً إلى أن هذا النهج يعزز من فرص التنمية للدول العربية التي تسعى لتحقيق تنمية مستقلة وتخفيف الاعتماد على الاقتصاديات الغربية.
تعتبر هذه الشراكة التي رسخها البريكس ذات أهمية كبيرة للدول العربية التي شهدت انضمام كل من مصر والإمارات كأعضاء جدد في المجموعة، وهو ما يتيح لها فرصة الاستفادة من بنك التنمية الجديد (NDB) التابع لبريكس، والذي يوفر تمويلات لمشروعات البنية التحتية والتنمية الاقتصادية. وبحسب الإحصاءات، فإن تمويل البنك للمشروعات زاد بنسبة 30٪ هذا العام، مع تخصيص جزء كبير منها لمشاريع الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويتيح هذا التعاون للدول العربية خيار تمويل بديل يحد من الاعتماد على المؤسسات المالية الغربية، ويوفر لها حلاً لإدارة المخاطر المتعلقة بتقلبات العملة، إذ يشجع بنك بريكس على تسويات مالية باستخدام العملات المحلية، مما يساعد في تخفيف الضغط المالي الناتج عن استخدام الدولار
كما أعلنت الصين بدورها عن مشاريع مستقبلية ستساعد الدول الأعضاء في البريكس على الاستفادة من التطورات التكنولوجية الحديثة. تشمل هذه المشاريع إنشاء مركز للابتكار في الذكاء الاصطناعي، ومركزاً لأبحاث الموارد البحرية العميقة، إلى جانب شبكة رقمية لتعزيز التعاون الاقتصادي. هذا التوجه نحو دعم الاقتصاد الرقمي والطاقة المستدامة ينسجم مع رؤية الدول العربية لتنويع اقتصاداتها وتقليل الاعتماد على النفط. وتشير الإحصاءات إلى أن التجارة بين الصين ودول الشرق الأوسط ارتفعت بنسبة 10٪ خلال العام الحالي، مما يعكس التوسع في التعاون الاقتصادي بين الجانبين
ركزت القمة أيضاً على قضايا الاستقرار الإقليمي، حيث أشار بوتين وشي إلى أهمية إيجاد حلول سلمية ودائمة للنزاعات، بما في ذلك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. أكد القادة أن دعم السلام العادل والشامل يمثل التزاماً أساسياً ضمن شراكة بريكس، إذ تسعى المجموعة إلى تعزيز الحلول السلمية للصراعات الإقليمية، مما يمنح الدول العربية فرصة للتأثير في قضاياها القومية بعيداً عن الضغوط الخارجية
ختاماً، أظهرت القمة الأخيرة للبريكس في كازان أن المجموعة ، بدعم قوي من الصين وروسيا، قد تصبح منصة حيوية للدول العربية لتعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية. إن انضمام المزيد من الدول العربية إلى البريكس يعزز من فرص بناء شراكات مستدامة ومتوازنة مع الاقتصادات الناشئة، ما يمنحها خيارات متنوعة تدعم تنميتها وتلبي تطلعاتها السيادية.
*رئيس عصبة الشبيبة المغربية الصينية، عضو مجلس إدارة الرابطة العربية الصينية للحوار و التواصل ، سفير جائزة “نحن معا” الروسية الدولية للعمل التطوعي ، مندوب المهرجان العالمي للشباب تحت رعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.